صباح الاثنين الماضي كنت حاضرا في محكمة العمل لأشهد حيثيات الفصل بالحكم في قضية الدكتورة احسان التوم مديرة مكتب وكالة الاخبار العربية بالخرطوم ضد تلفزيون السودان، هذه القضية التي استمرت لثلاثة اعوام ناضلت فيها احسان التوم نضالا على ساحات المحاكم حتى توجت جهدها واصرارها بالحصول على حكم من المحكمة بأخذ مديونيتها على التلفزيون والبالغة 71 ألف دولار كاملة غير منقوصة على خمسة أقساط تدفع من اول مارس القادم. الدكتورة احسان ابدت سعادتها بهذا الحكم ووصفته بالعادل واشادت بالقضاء السوداني على نصرته للمظلومين، وكنت قد التقيت في المحكمة بمحامية الشاكية الدكتورة سارة محمد علي، وبدت هي الاخرى سعيدة بهذا الحكم، وقالت لي ان قضية احسان قد استنفدت كل طرق الاستئناف حتى وصلت الى هذا الحكم، واطلعتني الدكتورة سارة على جملة وثائق القضية ومن بينها خطاب من مسؤول في التلفزيون يؤكد هذه المديونية مما يتناقض مع حديث مدير التلفزيون لاحدى الصحف بانه لا توجد مديونية على التلفزيون. وقالت لي سارة «من خلال وجودي في محكمة العمل كم شهدت فرحة المظلومين من العمال بالقرارات المنصفة التي تؤكد عدالة هذه المحكمة واستقلاليتها». وعلمت ان وكالة الاخبار العربية سوف تواصل مطالبة التلفزيون بمديونيتها على التلفزيون والتي تبلغ مليون دولار. اما المبلغ الذي سوف تستلمه احسان فهو يخصها وبعض الفريق الذي كان يعاونها في العمل. ان بعض المؤسسات تستغل تقاعس بعض المبدعين عن المطالبة بحقوقهم او خجلهم عن الذهاب للمحاكم وتقوم بهضم حقوقهم وتجاهل مطالبهم المشروعة. وبعض المبدعين لا يملك الجرأة والصبر على متابعة المحاكم وهذا خطأ وكما يقولون «ما ضاع حق وراءه مطالب». وقصة المبدع الضعيف الذي يستجدي حقوقه ويخشى المواجهة لا تنفع في عالم اليوم وقد اثبتت التجارب ان كل من يجاهر بالمطالبة بحقوقه بثقة وعزيمة يكون التوفيق نصيبه وليست قضية احسان التوم القضية الأولى. فقد سبقها عدد من المبدعين وعلى رأسهم الاستاذ هاشم صديق الذي كان قد كسب قضيته ضد التلفزيون... ان زمن استغفال المبدعين واستهبالهم قد ولى الى غير رجعة مع ارتفاع الوعي ووجود قانون يحفظ للناس حقوقهم ، ومن وجهة نظري ان اللجوء الى القانون سلوك حضاري. في ملف قضية حسان التوم لابد من الاشارة لمولانا الطاهر خليفة الذي بدأ مباشرة هذه القضية حتى تحولت الى القاضي جيمس سليمان الذي اصدر الحكم ولابد من تحية خاصة للمحامية الراحلة تغريد عمر التي ناضلت في هذه القضية وتابعتها بهمة وتفاني في العمل عرف عنها ، ويكفي تغريد شرفا انها رحلت عن هذه الدنيا (ام بنايا قش).. وهي تترافع في احدى القضايا نسأل الله سبحانه وتعالى الرحمة والمغفرة لتغريد عمر. ان هذه القضية تقدمت بيانا بالعمل لكل المبدعين ليناضلوا من اجل حقوقهم المهضومة من بعض المؤسسات التي (تخاف ولا تستحي).. واتوقع تنظيم شروط الخدمة للعاملين في الاجهزة الاعلامية واتوقع ان نفعل قوانين حماية الملكية الفكرية التي تحفظ للشعراء والملحنين والفنانين حقوقهم. واقول للمؤسسات والافراد الذين يهضمون حقوق الناس ويتمادون في ذلك دون وازع من ضمير او أخلاق: (الظلم ظلمات). [email protected]