شاهد بالفيديو.. السيدة المصرية التي عانقت جارتها السودانية لحظة وداعها تنهار بالبكاء بعد فراقها وتصرح: (السودانيين ناس بتوع دين وعوضتني فقد أمي وسوف أسافر الخرطوم وألحق بها قريباً)    شاهد بالفيديو.. التيكتوكر السودانية خديجة أمريكا تظهر بإطلالة ملفتة وتزعم أنها "هندية" الجنسية    شاهد بالصورة.. بعد أن أعلنت في وقت سابق رفضها فكرة الزواج والإرتباط بأي رجل.. الناشطة السودانية وئام شوقي تفاجئ الجميع وتحتفل بخطبتها    البرهان : لن نضع السلاح إلا باستئصال التمرد والعدوان الغاشم    وفد عسكري أوغندي قرب جوبا    تقارير تكشف خسائر مشغلّي خدمات الاتصالات في السودان    مجاعة تهدد آلاف السودانيين في الفاشر    تجدّد إصابة إندريك "أحبط" إعارته لريال سوسيداد    توجيه الاتهام إلى 16 من قادة المليشيا المتمردة في قضية مقتل والي غرب دارفور السابق خميس ابكر    لدى مخاطبته حفل تكريم رجل الاعمال شكينيبة بادي يشيد بجامعة النيل الازرق في دعم الاستقرار    شغل مؤسس    عثمان ميرغني يكتب: لا وقت للدموع..    السودان..وزير يرحب بمبادرة لحزب شهير    الهلال السوداني يلاحق مقلدي شعاره قانونيًا في مصر: تحذير رسمي للمصانع ونقاط البيع    "ناسا" تخطط لبناء مفاعل نووي على سطح القمر    ريال مدريد الجديد.. من الغالاكتيكوس إلى أصغر قائمة في القرن ال 21    تيك توك يحذف 16.5 مليون فيديو في 5 دول عربية خلال 3 أشهر    الشان لا ترحم الأخطاء    صقور الجديان في الشان مشوار صعب وأمل كبير    الإسبان يستعينون ب"الأقزام السبعة" للانتقام من يامال    السودان.."الشبكة المتخصّصة" في قبضة السلطات    مقتل 68 مهاجرا أفريقيا وفقدان العشرات إثر غرق قارب    ريال مدريد لفينيسيوس: سنتخلى عنك مثل راموس.. والبرازيلي يرضخ    مسؤول سوداني يردّ على"شائعة" بشأن اتّفاقية سعودية    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملكة الدار .. مَلَكَةَ للسرد الباكر (1)
نشر في الصحافة يوم 08 - 03 - 2011


* توطئة :-
ملكة الدار محمد / واحدة من رائدات ورواد السرد السوداني ..
وقد سجلت اسمها بأحرف بارزة في خارطة السرديات لما إمتلكته من جرأة باكرة .. وفرادة نادرة .. وما إتسمت به من وعي باليات الكتابة ، رغم شح المحصول المعرفي في تلك المرحلة من نهايات العقد الخامس من القرن الماضي .
ولعل إنخراط الرائدة في سلك التعليم كمعلمة قد اكسبها حب المعرفة .. وشحذ همتها للاستبصار والنظرة الفاحصة لكل ماهو جار من حولها ، ولهذا راحت تلتقط شخوصها ونماذجها من خلال البيئة المحيطة لمجتمعها الذي اخذ يشرئب ويتطلع نحو مرحلة الانتقال والتحول من مجتمع رعوي زراعي إلي مرحلة نشوء القوى الحديثة التي تعرفت على أنظمة الزراعة الحديثة بديلاً عن الزراعة التقليدية ، والرعي المنظم والرعاية البيطرية ، وبروز طبقة العمال والمزارعين والإنتلجنسيا ..
حيث تسارعت وتيرة الحياة لتصير أكثر دينامية بقيام الحركة الوطنية التي اتخذت من العمل الاجتماعي والثقافي وإقامة المدارس الجديدة بوابة للولوج إلي العمل السياسي والذي أفضي بالأخير إلي دحر الاستعمار ، وإحداث الاستقلال السياسي .
ملكة الدار نظرت إلي كل ذلك .. وعاشت كل ذلك .. وراحت من خلال كتاباتها في السرديات تعبّر عن ذلك الهم .. حيث كتبت القصة القصيرة والرواية .. وراحت تعبر عن قضايا المرحلة بذلك الوعي المتفتح والذي برز من خلال روايتها : « الفراغ العريض « والتي مرت بها العديد من الملابسات التي كادت أن تعصف بها ، وأدت إلي ضياعها ، على أنها نشرت في نهاية الأمر .
والآن وفي هذه العجالة نريد أن نقرأ قصة ملكة الدار الموسومة ب ( حكيم القرية ) والتي نشرت أول مرة بمجلة القصة للراحل عثمان علي نور ثم نشرت بعد ذلك بأكثر من صحيفة يومية وقد رأينا قراءتها لما إتسمت به من براعة سردية وصور فنية محكمة ..
* آليات الكتابة المستخدمة :
إتسمت القصة بكل اشراط القص التقليدي لتلك المرحلة ... وكانت ناضجة ومتماسكة .. من خلال البنية السردية .. ومتانة الحبكة .. وأفلحت القصة في الإمساك بالقارئ من خلال التحفيز الدرامي الذي جعل القارئ يلهث لمتابعة الحدث .. فضلا عن استخدامها لعلم النفس الحديث لتشريح نفسية البطلة الشائهة والتي كادت أن تهدد القرية وسلامتها وأمنها .
وكذلك كان للوصف دوره من حيث إكمال عملية البناء المعماري .. رغم إن الوصف في جانب منه لم يكن متجانساً مع واقع الحال أو متطابقاً مع حركة السرد .. كما أن لغة الحوار على لسان الشخصيات عمدت خلالها إلي استخدام اللغة الفصحى ، ولم تجر الحوار على لسان الشخصيات باللغة المحلية أو اللغة الدارجة .
ومع ذلك فان كل الذي ذكرنا لم يقعد بالقصة .. صحيح إن القصة القصيرة قد خطت خطوات متسارعة ? حيث أنها تجاوزت كل ماهو مطروح من المعايير القديمة فدمرت البنية التقليدية للقصة وانتهجت العديد من الأساليب الجديدة ، من خلال الضمائر المتعددة ( البلفونية ) فحديث النفس أو المنلوج الداخلي وكثافة اللغة الشعرية المستخدمة فضلاً عن الكولاج والتناص إلي غير ذلك من فنيات واليات الكتابة الحديثة .
عموماً إنّ قصة ? حكيم القرية ? إذا مانظرنا لها في سياقها التاريخي نجدها قد حققت سبقا على السائد وتجاوزاً واضحاً لقصة تلك المرحلة . مما يؤكد أنها كانت ذات أفق متقدم ..
* « ملامح القصّة « :
حكيم القرية هو الشاب يوسف الآتي من المدينة ، والذي بهر فتيات القرية فأفتتن به ، وصرن يلجأن للتداوي بالعيادة سواء كنّ مريضات أو متمارضات !! ورحن يتناقلن الأحاديث عنه ، ويبدين إعجابهن به بمظهره ومسلكه وهندامه وحديثه .. الأمر الذي أشعل النار في قلوب الفتيان فأصدروا فرماناً يقضي بالا يذهب أيما احد للعيادة من الرجال أو النساء !! الشاهد إنّ الرجال والشباب على وجه الخصوص قد توقفوا عن ارتياد العيادة وبذلك خلا الجو للفتيات اللائي لم يجدن مسوغاً لمنعهن من العلاج والتداوي .
وكان يوسف إذا ما ابتسم لاحدهن أو بادلها الكلام الطيب صارت اسعد من تمشي على الأرض .
واشتعلت النار واشتد أوارها في صدور الشبان عندما ذهبت « عجبة « بنت الشيخ واجمل فتيات القرية للتداوي عنده مرة وأخرى .. فيما ظلت « حواء « وداعية القرية من خلال استنطاقها لحبات الودع تزكو أوار النار بالهول الذي تقوله ..أو يقوله الودع كما تدعي عن يوسف وأفعاله .. وتهافت الفتيات عليه .. بل إن ( عجبة ) بنت شيخ القرية وخطيبة منصور أخذت تختلف إلي الحكيم ليلاً ولاتأتي إلا قبل آذان الفجر !! عندئذ كان لابد لشباب القرية من أن يغسلوا هذا العار الذي ألحقه يوسف بالقرية . ومن ثم اجتمع خمسة من شباب القرية وقرروا أن يتخذوا من هذه الليلة . ليلة للتنفيذ .. تنفيذ حكم الإعدام الذي أصدروه بحق يوسف !!
( هدأ صوت الرعد ، وتلاشت السحب .. فبدت النجوم ضاحكة لامعة ، واخذ القمر يرسل أشعته الفضية تنساب إلي داخل العشة الضيقة خلال فجوات القصب المبتل برذاذ المطر ، فينساب معها برد قارس شديد .. والشبان الخمسة مازالوا في جلستهم تتوسطهم نار أوقدوها لتدفئهم ، وجعلوا يطعمونها بين الفينة و الفينة بأعواد الهشاب ، وفروع الشجر اليابسة المكدسة إلي جانبهم وقد ران عليهم صمت رهيب ، وشملهم سكون عميق ) .
بيد إنّ منصور من خلال معرفته بمخطوبته وابنة عمه لايصدق هذه الأقاويل .. فضلاً عن أن المنقول عن يوسف لم يتعد أن يكون محض أحاديث لم يتم التأكد من صدقيتها ? فكيف لهم أن يصدروا حكماً كهذا وهم لايملكون أدلته ؟؟
وبدا الشبان الأربعة في غاية الحنق لتخاذل منصور ونكوصه عن ما تعاهدوا عليه ورغم ذلك صمموا على تنفيذ الخطة الموضوعة ومضوا عنه لايلوون .
وإذا اقتربوا من منزل الحكيم وهم يتحسسون سكاكينهم على اذرعتهم ? أبصروا ضوءا خافتاً ينسرب من غرفة الحكيم مما يشير إلي كونه مازال مستيقظاً .. فأصاخوا السمع لحديث خافت وأرسلوا النظرات من خلال الخصاص ? فإذا هناك عجبة وياللهول .. وكادوا أن يدلفوا إليهما لولا قرصات « بلال « الذي طلب منهم التريث .. والتقطت آذانهم الحديث الذي كان يوجهه الحكيم لعجبة :
( لقد ظننت انك إمرأة من الإنس .. وان كان وجهك ينافي ذلك ؟؟ )
قالت : ( لاتشمئز ياسيدي فإنّ النار هي التي جنت على في الصغر فشوهت وجهي ، وبدا كما ترى .. أما سبب مجيئي فإني افعل ذلك منذ أسابيع !! )
قال متعجباً : ( وما الدافع لذلك ؟؟ )
قالت : ( الانتقام !! الانتقام من الشبان في شخص عجبة ومن الفتيات في شخصك .. المني وعذبني ألا أجد من يهتم بي ، ويشفق على عواطفي فالجميع ينفرون من رؤيتي !! ) قال : ( وما دخلي أنا في ذلك ؟؟ ومن هي عجبة ؟؟ )
قالت : ( إنها أجمل بنات القرية والحائزة على إعجاب الشبان ، وعندما علمت أنها زارت العيادة وجدت الفرصة للانتقام ? فصرت أتنكر بزيها واحضر إلي هنا ، وفي انصرافي اتجه إلي منزلها .. فيظن من يراني إنني هي !! و .. )
وقبل أن تتم حديثها وثب الفرسان إلي داخل الغرفة يجرون عاقلة بنت المؤذن المشوهة والتي كادت بفعلتها تلك أن تجعلهم يرتكبون جريمة عظمى ويقعون في كارثة مدمرة !!
* « التصوير الإبداعي « :
تزخر القصة بالعديد من الصور البديعة .. وباللغة الموحية ، وبالإرهاص والتوقع .. وكما نعلم فإنّ القصة القصيرة من خلال بحثها عن التأثير على المتلقي واكتسابه إلي جانبها ، وجذبه إلي عوالمها راحت تسعى نحو التحفيز وذلك بانتهاج شتى الأساليب المستحدثة لخلق ذلك الأثر والانطباع .. ولهذا فان التقرير الإخباري والذي لايلامس وجدان القارئ بات لايؤدي الهدف المزدوج : الإخبار والإمتاع .. وهنا يمكن استدعاء صورة الشحاذ الكفيف الذي ظل يسأل الناس العطاء بشتى العبارات ، ولكنهم كانوا يمرون عليه لايلوون .. فانتهز فرصة الربيع فانتجع مكاناً قصياً وارتدى زياً زريا ، وبدت على وجهه امائر الحزن والكآبة ، ووضع أمامه لافتة كتبت عليها عبارة تقول : ( جاء الربيع ولم أره !! ) فانهالت عليه الأعطيات المجزية !!
لقد تحول النص هنا إلي نسق لغوي محكم ينضح ببلاغة آسرة ، وبتصوير موح .
* ( شخوص القصة ) :
من المعلوم إن الرواية تحتشد في العادة بكثرة شخوصها بخلاف القصة القصيرة التي تعتمد على محدودية الشخوص .. ولكن بعكس ذلك فان نص حكيم القرية يزخر بالعديد من الشخصيات الفعلية والاعتبارية .
وهنا ولدواعي هذه القراءة سنقوم بتقسيم هذه الشخصيات إلي ثلاثة مجموعات المجموعة الأولى وهي تضم الشخصيات الاعتبارية وهي :
1/ المفتش الطبي .
2/ شيخ القرية - ووالد عجبة .
3/ المؤذن ? والد عاقلة .
4/ الشريف ? مأذون القرية.
5/ زوجة الراعي .
إذن هذه الشخصيات الخمسة ? هي شخصيات ? إعتبارية .. بحكم الوظيفة التي تؤديها الشخصية ? وهي واردة في النص وقد لايكون لها أيما دور اللهم إلا بقدر ما تستدعيه مهام الوظيفة المحددة للشخصية المعنية . ولهذا سوف تكون لنا وقفة متأنية عند النظر إلي المجموعتين التاليتين .
المجموعة الثانية
وهي تتكون أيضاً من خمسة شخصيات هم شبان القرية الذين قرروا تنفيذ حكم الإعدام على حكيم القرية .. بيد أن هذه الشخصيات الخمسة ليست مسماة جميعها وإنما وردت أسماء ثلاثة شخصيات فيما سكت النص عن الشخصيتين الأخريين
1/ حماد الأعور .
2/ بلال .
3/ منصور .
4/ .......
5/ ........
إذا كانت الشخصيات الخمسة هي فرقة الإعدام التي آلت على نفسها تنفيذ حكم الإعدام في حكيم القرية .. إلا أن منصور ? خطيب عجبة وابن عمها رفض الاشتراك في هذه الجريمة لأنه لم يستوثق من الفعل الذي ارتكبه الحكيم يوسف بشكل قطعي ...
أما المجموعة الثالثة والأخيرة فهي تتكون من أربعة شخصيات هي :
1/ يوسف حكيم القرية .
2/ عجبة ? بنت الشيخ وخطيبة منصور .
3/ حواء ... وداعية القرية .
4/ عاقلة .. بنت المؤذن والمتنكرة في شخصية عجبة .
ورغم إحتشاد النص بهذه الأسماء إلا أن المتلقي لايحس بطغيانها بل تبدو مندغمة في نسيج القصة ، وفي تكوينها .
* ( الوظيفة الدلالية للأسماء ) :
كنا قد نشرنا تحت هذا العنوان دراسة عن ذلك التوظيف عند الطيب صالح وعموماً فاني لا أريد أن اجعل من موضوع الوظيفة الدلالية لأسماء الأشخاص قوننة ثبوتية جازمة ، وإنما رأينا إنّ وجودها بحسب المقتضى داخل المتن الإبداعي حين التوظيف المستهدف يعد من تمام روعة الخلق والإبداع ، وهنا لابد أن نؤكد إنّ الراحلة ملكة الدار محمد ، كانت ذات سبق بل كانت ومنذ وقت باكر مدركة لطبيعة هذه التقنية ، وكانت عظيمة الإحاطة بالدور الإبداعي الذي يمكن أن تلعبه في تلبية اشراط القصة الكاملة ، ولهذا عمدت إلي تطبيقها وبشكل رائع خلال هذه القصة ? ذلك إنّ الأسماء بطبيعة الحال ليست أسماء مجردة في كل الأحوال .. بل لها ظلالها وأبعادها وايحاءتها .
والآن لتقف على بعض الدلالات الوظيفية التي أدتها وقامت بها الأسماء داخل النص خلال حركة الشخصيات ... وأول هذه الأسماء هي :
* يوسف ... حكيم القرية :
يوسف هذا كما تصفه الراوية : شاب طويل / متأن في حديثه / وفي مشيته / معجب بلبسه الإفرنجي / وبشنبه الصغير / والسماعة الملتفة على الدوام حول عنقه / ولقد شغل فتيات القرية / فما ذهبت أحداهن لعيادته القائمة في طرف القرية بجانب منزله إلا وعادت مفتونة ببذلته اللمّاعة / وساعته الذهبية ، مأخوذة بطريقته وحديثه / ولهذا كن يزحمن العيادة بأزيائهن المختلفة / واسورتهن العاجية / وهن يتسابقن للدخول ومقابلة الحكيم ) .
ذلك هو يوسف .. الذي شغف الفتيات حباً .. من خلال طوله الفاره .. وطريقته في الحديث والمشي ، وزيه ، وشاربه ، وسماعته .. لأجل ذلك تكالبن حوله وأحطن به .. ولم يجدن من تعد لهن متكأ .. وتعطي كل واحدة منهن سكيناً لتقول له اخرج عليهن ( فلما رأينه أكبرنه وقطعنّ أيديهنّ وقلن حاش لله ماهذا بشراً إن هذا إلا ملك كريم ) .
إذن إستدعت ملكة الدار ذلك الجمال اليوسفي من خلال الإرث الديني لتقوم بتوظيفه المناسب والملائم - فحرىّ بالفتيات أن يعجبن بيوسف وهو بكل تلك الأوصاف والنعوت . لقد انتشر التوظيف الدلالي من خلال التضمين والاستلاف والاستدعاء والأخذ من التراث لإلقاء ظلال الشخصيات على راهن الفعل المبدع ، وقد تم ذلك في ضروب الإبداع ، المختلفة وان اخذ الشعر بالنصيب الأوفر ، فإيراد اسم صلاح الدين مثلا يحيلنا فوراً إلي التراث التاريخي فيما يجعلنا ورود اسم الحلاج في نص ما إلي التراث الديني أما السندباد فهو بالقطع يحيلنا إلي التراث الأسطوري . وهكذا إنّ ورود اسم شخصية ما لابد أن تكون لها ارتباطات وثقى بالنص لإحداث الأثر المطلوب سواء كان على مستوى التناص ، أو التوظيف الدلالي المباشر لمعطيات الاسم ودلالته على مستوى اللغة والتأويل وعلى مستوى حركة الشخصية داخل النص وفقا للظلال الموحية ، واليات الكتابة المستخدمة ، ومقتضيات السياق النصي ، والغائية المضمرة من خلال التضمين والتوظيف .
أما الاسم الثاني فهي :
* ( عجبة )
وعجبة هي بنت شيخ القرية ومما أذهل شبان القرية وجعلهم يكوّنون فرقة الإعدام تلك هو أن عجبة كما جاء في السياق ( هي بنت شيخ القرية .. وابنة عم منصور .. وخطيبته .. وقد سرت فيها هي الأخرى حمى الإعجاب بيوسف ، وهي الفتاة الرزينة الجميلة المشهود لها برجاحة العقل ، وحسن الرأى ، وقد ذهبت إلي العيادة تشكو رمداً بعينيها ، وقيل انه اهتم بها ، وعالجها بنفسه ، وسألها مواصلة الحضور حتى يتم شفاؤها .. إن عينيها أجمل ما فيها ، وأغلى ما في القرية ، فكيف تعرضهما على عدوهم اللدود ؟؟ إنهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي هكذا حيال رجل أتى لإفساد القرية ) .
ونلاحظ هنا إن الاسم واضح الدلالة .. ذلك أن مصدره العجب والذي هو بدوره يثير الإعجاب فهي عاجب ، وعاجبة وعجبة لما تتحلى به من دواعي الإعجاب .
وكما المحنا إنّ ملكة الدار تتخذ من هذه الأسماء ذريعة إيحائية واضحة لإحداث الأثر المنشود في التوظيف الدلالي وصولا لإكمال عملية الخلق الإبداعي ? بخاصة إذا ما أضفنا تلك النعوت الإضافية التي ألحقت بالشخصية مثل الرزانة و رجاحة العقل ، والجمال فإذن لابد أن يكون اسمها عجبة بإيحاءاته الدلالية البينة والمضمرة .
أما الاسم الثالث في ذات المنظومة فهو
( حواء )
وحواء هي وداعية القرية .. وهي ناشرة أخبارها .. والمتنبئة بأحوالها ، فمن خلال حبات ودعها التي درجت على إستنطاقها تتحدث بالعديد من الإحداثيات القادمة وهي تجد الإصغاء ، وتجد القبول وليس هنالك عند الكثيرين ثمة شك لصدقيتها المكرسة .. وفي سياق النص نجد ( حواء تتحدث وتتنبأ « بالعار الذي ستجلبه الفتاة « عجبة « للقرية وإن الودع يقول أنها تذهب كل ليلة لمنزل الحكيم .. وأنها سترفض خطيبها منصور .. وأنها ستفر مع يوسف .. وإنّ والدها سيموت كمداً وحسرة « .
ذلك هو حديث حواء أو حديث الودع إن شئت .. وهنا لابد أن ينشأ سؤال ، ماهي الوظيفة الدلالية التي يمكن أن يعبّر عنها اسم حواء في هذا الفعل . وكما يبدو للوهلة الأولى فإن الاسم يكاد يخلو من الإيحاء والظلال داخل هذا السياق .. ولكنه ليس كذلك فهذه الأخبار الطافحة ، والشائعات الرائجة ، والقيل والقال تندرج جميعها تحت اسم المصطلح الرائج « الشمار « أو « الشمارات « ولقد درجت النساء وإشتهرن بمثل هذه الأحاديث في مجالسهن المختلفة .. بل وجلسات القهوة على وجه الخصوص .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.