للمغترب السوداني ثقافة مغايرة لكثير من الثقافات السائدة في عالم الاغتراب، فالمغترب السوداني يعمل منذ أن تطأ قدمه أرض الاغتراب على ان تكون جميع معداته الكهربائية 220 فولت بدلا عن 110 فولت باعتبار الأولى هي التي تعمل في السودان.. وهو عندما يفعل ذلك تكون عينه على البلد، بمعنى انها فترة محدودة، ومن بعدها سيشد الرحال عائدا الى السودان، وبعد مضي فترة طويلة يجد ان الشقة كلها تحولت الى 220 فولت، والبعض يحتاج لتغيير فهذه الثلاجة الضخمة التي كان ينوي أن يستمع بها في السودان تحتاج لتغيير، وكذلك الغسالة، والمكواة، والبتوجاز، والخلاط، الخ .. ويظل المغترب يبدل هذه بتلك، ويرمي بهذه ليحصل على الأخرى، وأيضا 220 فولت، كونه سيعود الى السودان في وقت لن يطول. ولا يتوقف الأمر على المعدات الكهربائية، وإنما كل شيء يحصل عليه يسأل أولا هل هو مطابق لأجواء السودان ام الأمر غير ذلك، حتى الملابس لابد ان تكون قطنية او على اقل تقدير نسبة القطن أعلى من البولستر، حتى تصبح مناسبة في مناخ السودان الحار الذي تزيد حرارته بسبب عدم قدرة كثير جدا من الناس وحتى العائدين من الاغتراب على توفير المكيفات داخل منازلهم ، وفي سياراتهم ان هم افلحوا أصلا في الحصول عليها. ورغم ان السنوات الطويلة تمضي يظل المغترب السوداني يعمل بحرص واصرار على اقتناء معداته الكهربائية 220 فولت، وان تكون ملابسه قطنية، وهو بهذا الفعل يجعل امل العودة قائما في اية لحظة جميلة قد تأتي، وبطبيعة الحال اللحظة الجميلة لن تكون شبيهة بتلك التي نقلت المغتربين السودانيين من ليبيا برا وجوا، دون ان يتدبروا امورهم، ففي مثل هذه اللحظات لا يفكر الإنسان في أمر غير ان يخرج سالما دون متاع، بل ربما ضاعت كثير من مكتسباته التي حققها بعرق الجبين خلال سنوات طويلة من الاغتراب .. المهم يبقى أمر المغترب السوداني وبخاصة في منطقة الخليج وعلى وجه الدقة في المملكة العربية السعودية التي تستضيف أكثر من «800» الف سوداني، بخلاف الذين امتلأت بهم الوديان والجبال، وهم خارج سجلات المغتربين، نعم نقول يبقى المغترب يحرص على شراء معداته بقوة «220» فولت حتى تعمل في منزله بالسودان الذي ربما يكون قد بناه فقط في الخيال، رغم طول سنوات الاغتراب، فرعاية الأسر الممتدة لم تبق لكثير من المغتربين ما يستطيعون أن يدبروا به أمورهم.. ترى هل يتجه جهاز شؤون السودانيين العاملين بالخارج لتقديم دراسات متأنية وحقيقية تراعي ظروف السودان في دنيا الاغتراب، حتى تكون عودتهم الى بلادهم بعيدة عن الخوف والهواجس من غد حزين يسمع فيه الأب من أطفاله عبارات «متى نغادر السودان مرة أخرى».. في حين أن ملايين المغتربين السودانيين يحلمون بالاستقرار في وطنهم إن وجدوا من يقدر سنوات كدهم نحو وطنهم عبر «الضرائب» وأسرهم من خلال دعم التعليم والصحة. المغتربون في حاجة لأسلوب عملي جديد يتجاوز الخطب والأحاديث «الفضفاضة» التي يجيدها كثير ممن يتولون أمورهم. آخر الكلام: فسر في بلاد الله والتمس الغنى .. تعش يساراً أو تموت فتعذرا ولا ترض من عيش بدين ولا تنم .. وكيف ينام الليل من كان معسرا