٭ تحركت على متن بص (السفير الجديد) ذي اللون الأصفر من الميناء البري صوب ولاية النيل الأبيض في نهاية الأسبوع الماضي بصحبتي صغيرتي.. تحرك بنا البص عند التاسعة والنصف صباحاً وطوى مسافات الخرطوم نتمايل مع الطريق يمنة ويسرة هنا (حفرة) وهنا (عوجة) وهناك (مطب)... تصفحت الصحف جميعها وبعدها استمعت وركاب البص لبرنامج أغاني وأغاني ثم فرقة الهيلاهوب والتي لفتت انظار الجميع وشدتها نحو التلفزيون (المعلق) داخل البص.. ٭ وما ان تجاوز البص مدينة القطينة وبعد ان تناول الركاب وجبة الافطار وانتظم الجميع داخل البص حتى بدأ (العرض الثاني) من فيلم (لا أذكر اسمه ولا أبطاله ولا أوله ولا آخره) وكل ما أذكره هو مشاهد القتل والضرب وأنواع الاسلحة والمسدسات كاتمة الصوت وواصفته ومشاهد الجثث على (مسرح الجريمة) هنا وهناك.. ٭ ركاب البص (تشكيلة) من النساء والرجال كبار وصغار السن ومعهم أطفالهم من سن الرابعة فما فوق وجميعنا نشاهد ذات الفيلم مع أسرهم وبكل (محتوياته) من سفك للدماء ورمي للجثث على قارعة الطريق نتابع جميعنا بدقة حتى الوصول لختام (الحبكة الدرامية)... ٭ لا أدري على من تقع مسؤولية اختيار الأفلام أو البرامج التي يتم عرضها في وسائل المواصلات ذات (الخطوط الطويلة)؟ وما هي أسس الاختيار؟ هل هناك معايير محددة لاختيار عرض هذا الفيلم أو ذاك؟ أم ان (العشوائية) هي سيدة الموقف أم ان قائد المركبة أو مساعده هما من يمنح (حرية) اختيار هذا الفيلم أو البرنامج؟ ٭ بما أنني لا انتظر اجابة من أحد لأن ذلك من (المستحيلات) لكني (أتوقع) رداً من المهتمين بالسلوك النفسي للطفل في وجود أفلام تحتوي على الضرب والقتل والسحل ولمدة ساعتين أو ما شابه في رحلة طويلة ليس فيها (ريموت كونترول) بيد الصغير ليتحول إلى قناة كرتونية محببة.. (ربما أرحم)... ٭ ان عرض مثل هذه الأفلام تؤثر في نفسية الطفل بصورة مباشرة ولقد أثبتت الدراسات ان الأطفال الذين يشاهدون أفلام العنف تزداد لديهم (العدوانية) في مرحلة لاحقة من طفولتهم خاصة الذكور وفي دراسة أخرى أكدت ان الطفل في هذه المرحلة لا يميُّز بين الخيال والواقع ويحتاج لشرح ما يدور لذلك فان الطفل يتعلم العنف من مثل هذه الأفلام مما يبعث على التوتر والقلق من جانب الطفل. ٭ ان الطفل يتأثر بما يشاهده على شاشة التلفاز وتختزن ذاكرته الضرب والقتل وغيرها من المشاهد المصاحبة والتي تتسم بالسلبية لذلك اقترح على اتحاد أو نقابة النقل البري أو غرفة البصات السفرية ان تمنع عرض هذه الأفلام عن خطوط السفر واستبدالها بما يتناسب وسن الأطفال ان كان لابد من عرض ما يجذب الطفل لهذا البص أو ذاك كما أن الأفلام التي يحبها الأطفال يمكن ان يحبها الكبار كذلك. لذلك أتمنى أن يتم عرض أفلام تخلو من العنف وتتسم بأهداف تربوية وتوعوية تساعد الطفل على الاستفادة من المنافع وفرص التعلم كما تمنح أسرته فرصة لخلق افكار جيدة تكمل الدور التربوي للأسرة و(لا يمل) منها المشاهد البالغ... ٭ سؤال أخير هل هناك (رقابة) على ما يعرض من أفلام على متن البصات السفرية؟ همسات:- يا وطني المجدول على أرصفة الموانئ... تنزف جراحك.. تلون الطريق... وتمنح القادم بوصلة الاتجاه... وفي اتجاه البوصلة... نطرق الأبواب...