العنف المحتدم ببلدة أبيي ليس امرا مفاجئا كما يظن الكثيرون فهو ما كان يترقبه الجميع بل ويتحسبون له تماما ، فالمنطقة ومنذ عشية استفتاء جنوب السودان دخلت في شكل مغاير من اشكال العنف الذي لازمها طوال سنوات النصف الثاني من نيفاشا تاريخ اول مواجهات بين القوات المسلحة والجيش الشعبي لتحرير السودان ، ووضعت اتفاق السلام في محك كاد ان يعصف به، لولا تحرك الشريكين بشكل سريع لاحتواء العنف تحرك وجد الدعم والضغط الدولي معا ، لكن مع ذلك لم تعرف المنطقة الهدوء منذ ذلك الوقت واتخذ فيها شكل العنف بين مكوناتها المحلية المتنازعة حول احقية من بالارض صورا مختلفة لم تفلح برتكولات الصلح بين الادارات الاهلية علي صدها وظلت تنهار تباعا . مع ذلك يفتخر الزعماء المحليون من قبيلتي المسيرية والدينكا انقوك المتنازعتين حول ارض أبيي بشئ واحد هو قدرتهم علي المحافظة علي الارض الخلافية دون عنف طوال سنوات الحرب، ويردد بشكل متكرر ناظر عموم المسيرية مختار بابو نمر « أبيي اضر بها السلام اكثر من الحرب ، فهي لم تعرف عنفا كما يحدث الان وكنا نمنع اطلاق الاعيرة النارية في الافراح حتي لا نزعزع النفوس « ، لكن أبيي الان بات العنف لايفارقها ، يعزيه في المقابل سلطان عشائر دينكا نقوك كوال دينق مجوك الي التراجع عن الالتزامات المنصوص بها باتفاق نيفاشا وبرتكول المنطقة ويقول في هذا الجانب « كنا من قبل متعايشون مع المسيرية وهم من تنكروا لنا وانكروا احقيتنا بالارض التي نملكها ويرعون داخلها « . اول مواجهة مايو من العام 2008م هو تاريخ المواجهات بين القوات المسلحة والجيش الشعبي التي وضعت المنطقة في مسار مغاير تماما ، وافلح شريكا السلام في نزع فتيل الأزمة في ذلك الوقت دون ان يجتثا منها ما يمكن ان يفجرها مستقبلا ، واتخذت مسارات الصراع هناك طابعا مغاير عما كانت عليه في مستواها القبلي لكن لم تشهد المنطقة مواجهات بين الجيشين بعد ان تم اخراجهما من المنطقة واحلال قوات مشتركة جاء بها الاتفاق ، وعلي الرغم من قدرة شريكي نيفاشا في ايجاد صيغة اعادوا بها ترتيب اوضاع المنطقة وتعاطوا مع الملف في وقته بشكل يختلف تماما عما هو عليه الان ، دعمه تفكير جميع الاطراف المنصب في ايقاف خطوات العودة الي مربع الحرب التي فارقوها قبل ثلاث سنوات والعمل علي اخماد شرارتها التي اندلعت بسبب القتال الذي دار بين الجيشين في ذلك الوقت داخل البلدة وادي لنزوح الالاف من المواطنين والتهمت النيران سوق البلدة ولقي الكثيرون حتفهم ، الا ان حلولهم الموضوعة كانت لاحتواء العنف ومخاوف العودة للحرب بالمنطقة لكنها لم تخاطب الأزمة بين المكونات المحلية المتنازعة حول الارض ، ليتقاسم شريكا نيفاشا الحكم مناصفة فيما بينهما وتبعت ادارة المنطقة لرئاسة الجمهورية، من تلك اللحظة ظهر التعقيد الاصعب والاخطر فالمسيرية اصطفوا في مقاعد الوطني والدينكا انقوك جلسوا في مقاعد الحركة ، وسار خلفهم في ذات النسق شعب القبيلتين ، لتصبح المواجهات التي لم تعرف السكون خلال السنوات الثلاث الماضية بين رعاة المسيرية وعشائر الدينكا تعبيرا صريحا عن مواقف الحزبين ، وهو امر غير مدهش ان نظرنا للطرق التي سلكها مسار البحث عن حل لرسم حدود المنطقة الخلافية داخليا وخارجيا ، فالوطني ظلت مواقفه تنطلق من الارضية المعبرة عن المسيرية او فلنقل اغلبهم فهناك اصوات بعض المعارضين لموقف القبيلة العام لكنهم دون سند كافٍ، في المقابل تتحدث الحركة الشعبية دفاعا عن عشائر الدينكا نقوك وهم يوافقونها الطرح تماما ، من هنا ارتبطت المنازعات التي يبدأ نذيرها بسبب الابقار ومراعيها بتطورات ملف المنطقة ، سألت علي دينق مجوك داخل منزله في أبيي عما يقلقهم ويسبب لهم التوتر رد سريعا «تصريحات السياسيين بالخرطوم انها تحول المنطقة الي لهيب» ، ذات الحديث قاله نائب مدير الامن بالمنطقة قبل صدور اعلان محكمة لاهاي حول تبعية الارض بثلاثة ايام واخبرني بانه لن يدلي باي حديث صحفي واضاف نحن منشغلون بان لاتنزلق المنطقة للعنف ، استمعوا للاخرين قبل ان يقول « الاخبار والتصريحات تؤثر بشكل كبير علي استقرار الارض « ، ومنذ ذلك الوقت تفاعلت المجموعات القبلية بشكل عكسي مع عمر الاتفاق المنتهي في يوليو القادم وظل تيرمومتر العنف بالمنطقة يرتفع كلما اقتربت الفترة الانتقالية من نهاياتها ، ويغزيها فشل الطرفين «الوطني والحركة» في التوصل الي صيغة تحديد وضعية المنطقة بشكل قاطع اهي «شمالية ام جنوبية» ، كل تلك التطورات زادتها نتائج استفتاء جنوب السودان التي رجحت الانفصال تعقيدا عوضا علي فشل الاستفتاء الخاص بأبيي وفقا لبرتكولها والمحدد بالتزامن مع تقرير مصير الجنوب بسبب خلافات حول اهلية الناخب وتمسك الحركة بنص المادة 24 من قانون الاستفتاء والتي تحدد اهلية المشاركة في الاستفتاء بشرط أن يكون الناخب من سكان منطقة أبيي حسب المادة 6 «1» من برتوكول حسم نزاع أبيي وتعرفهم علي ضوء ذلك بانهم « أعضاء مجتمع دينكا نقوك ،والسودانيون الآخرون المقيمون في منطقة أبيي حسب معايير الاقامة التي تحددها المفوضية وفق المادة 14 «1» ، من هذا القانون». لكن الوطني رفض الامر وتمسك بمشاركة الجميع ، وفشلت ايضا كل مقترحات الحل المقدمة للشريكين . طريق الحرب لن يستمر العنف بأبيي اكثر ، هذا ما تشير اليه تصريحات الجانبين جنوبا وشمالا لكن هذا لا يعني ان المنطقة سيسودها الهدوء، ما تعنيه الاحداث الاخيرة يعطي مؤشرا واضحا لمستقبل الارض وشكل نزاعها ، فالحرب هذا هو بابها المحتمل ومدخل البلاد نحو أزمة كبري يمكن ان تزيدها تداعيات انتخابات جنوب كردفان فتكا ، وينفرط بعدها العقال ، فالقوات المسلحة اعلنت أبيي منطقة حرب قبل ان تفرض سيطرتها بالكامل علي البلدة، حسبما اشارت مصادر عسكرية بالقوات المسلحة ، وقالت ان «القوات المسلحة السودانية وصلت عند المغرب الى مدينة أبيي وأحكمت سيطرتها عليها وطردت القوات التي بداخلها جنوبا» فيما اقر مصدر بالقوات الجنوبية انسحاب قوات الجيش الشعبي وأنصاره الى الجنوب تماشياً مع اتفاق أبرم برعاية الاممالمتحدة، وينص هذا الاتفاق أيضاً على انسحاب القوات الشمالية من المنطقة، واضاف المصدر لا توجد خطة لشنّ هجوم مضاد على الفور، مضيفاً «نحن لا يمكننا كجيش شعبي إعلان الحرب على الجيش السوداني، سننتظر ما ستقرره حكومة جنوب السودان»، لكن وزير اعلام حكومة الجنوب والناطق الرسمي باسمها تحدث ليل السبت وطالب بالتهدئة ونادي القيادي بالحركة الشعبية اتيم قرنق بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق ومعرفة الجناة، معتبرا هجوم الجيش وفرض سيطرته علي أبيي مخططا لفرض امر واقع بالمنطقة ، من هنا يمكن قراءة ما تفكر فيه الحركة الشعبية فهي لا تريد الدخول في مواجهات ، ويقول احد قياداتها مفضلا حجب اسمه « هذا مخطط لخلق فوضي بالجنوب قبل ميلاد الدولة وهو ما نعلمه تماما « . لايمكن التكهن بخارطة طريق للمنطقة فليس هناك طرف يمكنه السكوت حول تبعيتها شمالا او جنوبا ، وكل طرف متمسك بطرحه دون مرونة لكن هذه المواقف ستعني الكثير عقب يوليو وهو مايعلمه الجميع ، فالطريق الان يحتاج الي تفكير مختلف من قبل الخرطوم وكذلك جوبا ان ارادوا انقاذ عملية السلام وايصالها الي نهاياتها ، والابتعاد عن الحرب التي لن تكون مثل سابقاتها فالشمال تواجهه صراعات تحتاج ترتيب ومعالجات تساهم في التوصل الي حلول بين الحكومة والمعارضة والجنوب تحاصره نذر حرب اهلية ايضا ، لكن طريق الوصول الي تسوية بأبيي امر في غاية الصعوبة فليس هناك حل مرضي لاي طرف من النزاع ، ولاتوجد ارضية للانطلاق منها فالرئيس البشير اصدر قرارا بحل الادارية واعفاء رئيسها ونائبه ، مع كل ذلك يمكننا الانتظار فليس هناك طريقة لتجدد قتال حتي نهاية العام هذا في الجانب القبلي فالمسيرية في مخرفهم شمالا بعيدا عن ارض الجنوب .