بدأت، بعد ساعات قليلة من وصولي للسودان في خلال الأيام القليلة الماضية، معاناة كبيرة مع المياه. تفتح (الحنفية) فتستقبلك اصوات إنقطاع المياه والذي يشبه اصوات المعدة الخاوية، وتستمع إليها في تلك اللحظات وانت لا تدري من تواسي، (الحنفية) الخالية والتي تستجدي المياه بتعاطف ام نفسك التي ترغب في ان (ترطب) نفسها بالمياه. وبدأت رحلة البحث عن المياه، (افتحوا الموتور)، (اشفطوا المويه). ولسيادة المسؤولين الذين عافاهم الزمن عن رحلة (شفط) المياه من (الحنفية)، فهي تبدأ بتشغيل الموتور حتى يسهم في إستدراج المياه من الانبوب الاساسي وتوجيهها صوب (حنفية) المنزل. وهنا يكون الإمتحان الذي يكرم فيه المرؤ او يهان، فلقد توجد مياه في الخط الاساسي فتكون من المحظوظين الذين سينعمون بالمياه بعد قليل. او يكون الخط الرئيسي معدم نقطة (الموية) فلا تملك سوى ان تجلس ملوما محسورا ان ضيعت مياه ال(صهريج) والتي ظللت تستخدمها بحذر طوال الوقت. ويمضي الوقت وتحاول إستدراج المياه عن طرق محاولة شفطها من فم ال(حنفية) نفسها، اي ان الموتور نفسه لم يعد يكفي ولا بد ان يعمل الإنسان كموتور هو نفسه حتى ينعم ببضع قطرات مياه تساهم في حل امور حياته اليومية. ولم تكن حادثة (شفط) المياه من ال(حنفية) هي الأولى والأخيرة في زيارتي للسودان، بل كانت هي البداية لرحلات (شفط) إستمرت ولا زالت تستمر حتى اليوم. ويدرك الجميع اهمية المياه التي خلق منها ربي كل شئ حيّ، فبها نقضي اساسيات حياتنا ونملأ ال(حفاظات) بالمياه والثلج حتى نضمن مياه شرب تبرد على النفس الحر الشديد. ومنها ينظف المنزل وتغسل الملابس وبل تملأ مكيفات الهواء التي تبقى عاجزة عن مكافحة الحر و(السموم)، واما الحمامات فهي تحتاج إلى مجرى مياه مستمر وإلا تصبح حالتها ان حدث ولا حرج. وبدأت اتساءل عن حقي كمواطنة في ضمان الحصول على مياه متى ما إحتجتها. ولن اعيد هنا المقولات الكلاسيكية، برغم صحتها،عن النيل الذي يشق قلب السودان وعن الحيرة التي تنتاب الجميع في سبب عجز الدولة في توفير مياه تفتح لهل ال(حنفية) فتنزلق امامك رشيقة بدون عناء او تعب. لكنني اسأل هنا، من هو الشخص المسؤول عن توفير المياه في (حنفية) منزلي؟ من هو الشخص الذي يجلس في مكتبه والذي بيده قرار إصلاح او توفير المياه إليّ؟ إن مخاطبة الحكومة ومواجهتها بعجزها امر غير منطقي، فالحكومة هي كائن لزج هلامي لا يمكن الإمساك بطرف منه او فهم محاوره، لذلك اريد، كمواطنة، تبسيط الأمور. اريد معرفة شخصيات بعينها، اسماء بذاتها، حتى استطيع التحدث معها وسؤالها في الأسباب التي تجعل المواطن السوداني حتى اليوم، يقبل ال(حنفية) ليلا وصباحا من اجل إستدرار عطفها وبضع نقاط من المياه. ولا انتظر او اتوقع ردا رسميا، او حتى غير رسمي، لكن يبقى البحث عن المسؤولين المباشرين من اولى نقاط الحل، حتى نستطيع ان نجعل سيادة المسؤولين، بأسمائهم، يجاوبون عن اسئلة المواطن ال(غلبان)، لماذا ليست هنالك مياه في (حنفية) منزلي!!