طالب عدد من الباحثين والأكاديميين بتضمين وثيقة حقوق الانسان فى دستور السودان المقبل، وبضرورة توعية وتثقيف المواطنين اولاً حتى يطلعوا على حقوقهم وواجباتهم لأن الخطوة الأولى لحماية حقوق الإنسان المعرفة بها حتى لا تنتهك من قبل البعض، وشددوا على دور البرلمان فى حفظ الحقوق بتشريعات يجب ان تطبق على أرض الواقع وليست حبراً على الورق وذلك بتفعيل القوانين ومتابعتها من قبل مجلس وطنى حقيقى يطلع بدوره فى حماية مواطنيه. واجمع المتحدثون فى الورشة التى نظمها المجلس الوطنى، لجنة حقوق الإنسان والشؤون الإنسانية بالتنسيق مع نقابة المحامين السودانيين بمركز الشهيد الزبير للمؤتمرات أمس على تقوية اجهزة الحكم بحيث تصبح قادرة على تنزيل التشريعات وتطبيق القوانين التى نصت على حقوق الإنسان الأساسية التى تضمنتها الوثيقة العالمية لحقوق الإنسان. وقال الخبير الدستورى واستاذ القانون بجامعة الخرطوم الدكتور محمد احمد سالم ان المؤسسة التشريعية والعدلية لها دور أصيل فى حفظ وحماية حقوق الإنسان لأن اعضاء البرلمان هم من يمثلون الأمه ويجب ان يدافعوا عن حقوقها ومتابعتها من خلال الآليات المعروفة، اللجان المختصة وهيئة الحسبة والمظالم العامة ومتابعة الفساد بجانب الزيارات الميدانية للمعتقلات وسجون النساء للوقوف على الأوضاع هناك، وفى الوقت ذاته عليهم ان يتأكدوا ان التشريعات التى تخرج من خلال توقيعاتهم يجب ان لا تتعارض مع حقوق الإنسان، وقطع سالم بإستحالة تحقيق العدالة فى ظل وجود الفقر المدقع والحروب وقال «لاتوجد حقوق انسان مع الفقر وانه ليست فى الحرب عدالة» ولذلك على البرلمان ان ينزع فتيل الحرب وان يعمل على معالجة أسباب الفقر من خلال دوره التشريعى والرقابى، واضاف «الدولة مهمتها ان تحفظ الأمن والقوى السياسية تريد ان تعبر والبرلمان لابد ان يكفل حرية التعبير» ولذلك لابد من تقوية ودعم المؤسسات العدلية واستقلال القضاء، وتأسف سالم على عدم الإهتمام بتطوير الأجهزه القانونية وعقد ورش ومؤتمرات بشأنها وقال «كان آخر مؤتمر للأجهزة القانونية قبل عشرين عاماً» واضاف مازالت اجهزتنا تحتاج الى تفعيل ومتابعة خاصة فى برامج التأهيل والتدريب لأننا لن نستطيع ان نحمى حقوق الإنسان الا بجهاز عدلى قوى وان العبرة فى هذه المسائل ليست فى النصوص البراقة بل بالتطبيق. وقدم الدكتور احمد المفتى رئيس مركز الخرطوم الدولى لحقوق الإنسان ورقة عمل بعنوان «حقوق وواجبات المواطنة» تحدث فيها عن الخلفية التاريخية للدساتير التى حكمت البلاد لافتاً الى ان الوثيقة التى وضعها المستعمر هى نفسها ظلت يُهتدى بها بعد الإستقلال، وقطع المفتى ان الدستور الانتقالى للعام 2005 هو افضل وثيقة للتشريعات مرت على البلاد رغم ان بها كثيراً من النواقص مثل حقوق المعاقين والحد من الفساد التى وردت خارج نصوص الإتفاقية. وقال مبتدر النقاش فى ورقة «حقوق وواجبات المواطنة» الأستاذ هاشم ابوبكر الجعلى مساعد نقيب المحامين انه من حق أى مواطن على الدولة ان يكون بينه وبينها رباط قانونى وانه يجب على كل دولة ان تحدد من هو مواطنها بناءاً على الخاص الذى يجب ان يتسق مع العرف الدولى، وقال الجعلى ان المواطنة تتأثر بما يتبعها من حقوق وواجبات فى ظل المتغيرات الدستورية والجغرافية على خارطة الدول مثل الإنفصال وواقع السودان الحالى بعد إعلان دولة الجنوب الوليدة فى التاسع من يوليو القادم. وقدم الشيخ عبدالجليل النزير الكارورى عضو مجمع الفقه الإسلامي ورقة حملت عنوان «حقوق غير المسلمين فى ظل الشريعة الإسلامية» إستند فيها على الخلفية التاريخية لوثيقة «دولة المدينة» فى عهد الرسول (ص) بإعتبارها المثال والنموذج الحقيقى للتعايش بين المسلمين وغيرهم من الديانات الأخرى، وتحدث أيضاً عن التعايش والتسامح الذى كان سائداً فى السودان فى عهد الممالك المسيحية «علوة والمقرة» والتى دخل الإسلام فى عهدها وقال إستمر التعايش بين المسلمين والمسيحيين طيلة (6) قرون الى قيام مملكة الفونج الإسلامية، وقطع الكارورى ان مكونات المجتمع السودانى بإختلافاتهم العرقية والدينية بانها لم تفشل فى التعايش فيما بينها وعزا انفصال الجنوب الى اسباب سياسية بحتة، وقال لا توجد حرب اسبابها دينية وعرقية فى السودان واتهم المثقفين بأنهم سبب الأزمة فى البلاد وأضاف «القرار الحاد بإنفصال الجنوب ليس بعدم المقدرة على التعايش ولكن السياسيين هم من فصلونا» واكد الكارورى ان خير دليل على الترابط بين مكونات المجتمع السودانى المختلفة خاصة بين الشمال والجنوب ظهرت اثناء الحرب بعد ان لجأ اهل الجنوب ونزحوا الى الشمال ولم يتجهوا الى اى مكان آخر مايؤكد القدرة على التعايش حتى فى أصعب الظروف، وقال الكارورى ان تاريخ السودان برئ من الإضطهاد العرقى والدينى لافتاً الى أن الإسلام يقبل الآخر ويتعامل معه واكد انهم ضد ان يكون البلد خالصاً للاسلام اوللعروبة حتى تكون المدينة الفاضلة مؤكداً ان المدينة الفاضلة هى مدينة الرسول (ص) التى قامت على التعدد والتعايش. ومن جانبها دعت نائبة رئيس البرلمان سامية أحمد محمد ان يتضمن الدستور المقبل وثيقة حقوق الإنسان وابعادها عن التجاذبات السياسية، ومن ثم التركيز على التشريعات التى تؤكد حقوق المواطنة وتكريم الإنسان وعدم المتاجرة بالحقوق وتضخيمها فى حالات الحاجة السياسية، وقالت « ان قضية حقوق الإنسان فى عالم اليوم أصبحت قضية سياسية يتاجر بها». وفى مداخلة اعادت الحيوية الى قاعة المؤتمرات التى سيطر عليها التثاؤب والنعاس تحدث استاذ القانون الدولى بجامعة النيلين الدكتور بخارى الجعلى عن عدم شرعية الدستور الإنتقالى لعام 2005 بعد التاسع من يوليو المقبل واعلان الإنفصال الرسمى لجنوب السودان وقال ان وثيقة نيفاشا لم تضمن حقوق الإنسان والحريات وانها كانت قاصرة على حزبين فقط واكد ان إستمرارها بعد انفصال الجنوب يعد اكبر انتهاك لحقوق الإنسان واضاف انه ليس من العدل ان يحكمنا دستور انتهى بإنتهاء اتفاق الشريكين الى ان يتم التوصل الى دستور دائم للبلاد. وشدد المحامى مهدى بخيت حامد ان الدستور ليس نصوصاً تكتب فقط ولابد له من إطار عملى ينزله على ارض الواقع، وقال فى الدستور المقبل لابد من تشريعات قوية تسائل اجهزة الدولة ولابد من وجود مجلس وطنى حقيقى يباشر مهمة الرقابة وله صلاحياته التى تؤهلةه للقيام بدوره وليس مجلساً منقاداً للحكومة، وأضاف حامد ان دستور 2005 سيستنفد اغراضه بعد التاسع من يوليو ووصف ان اى محاولة لترقيعه بعد انفصال الجنوب تكرس لترسيخ الشمولية وليست الديموقراطية. ووصف عدد كبير من الحضور الورشة انها جافت الموضوع تماماً وحلقت خارج سرب الدستور المقبل وركزت اوراق العمل على خلفيات تاريخية ولم تكن موفقة خاصة وانها حملت عنوان «حقوق الإنسان فى الدستور المقبل» ولم تناقش حقوق وواجبات المواطنة بعد الإنفصال.