إن الكتابة في الشأن المروري.. تتطلب وفي جانبها الدقيق.. شيئاً مقدراً من التخصص والتأهيل.. وقدراً معتبراً من التجربة والمعرفة.. وذلك حتى يأتي التناول موضوعياً في كل جوانبه.. ومستوفياً لجوانب تفصيل لازمة وضرورية.. ومتوافقاً مع دواعي السلامة المرورية التي ينشدها كل اعضاء المنظومة المرورية أياً كان دورهم على الطريق. علماً بأن ما دعاني للكتابة.. هو حادث مروري أراه جللا.. تمثل في (انقلاب) حافلة ركاب في مركز مدينة الخرطوم (شارع الجمهورية) وذلك اثر اصطدامها بمركبة صغيرة اعترضت في اهمال طريق سيرها الرئيسي.. وهنا أكاد اجزم بأن هذا الحادث وبتلك الكيفية ليس من النادر فحسب.. بل ربما هو الاول من نوعه في هذا الشارع وبتلك الكيفية.. لقد كان هذا الحادث المروري.. عنوان وموضوع اتصالاتنا الهاتفية نحن ضباط المرور السابقين والمتقاعدين حالياً.. وقد خلصنا إلى حقيقة مهمة مفادها الآتي:- اننا لم نسمع ممن سبقونا من الضباط والصف والجنود.. (انقلاب) حافلة ركاب في وسط مدينة الخرطوم (شارع الجمهورية). كما لم نشاهد نحن القائمين على امر ادارة المرور في عقد ثمانينيات القرن الماضي مثل هذا الحادث. وبعيداً عن تفاصيل اجراءات التحقيق.. فقد أوقفت مقالي هذا على خلفية قانونية.. مرجعها قانون المرور لسنة 2010م واللائحة التنفيذية لقانون المرور لسنة 2010م واساسها شروط منح رخصة القيادة العامة.. حيث نصت المادة (22) من القانون على الآتي: - يجوز للسلطة المرخصة أن تصدر رخصة قيادة عامة لأي شخص بعد استيفاء الشروط الآتية:- أ- أن يكون مقدم الطلب حاصلاً على رخصة قيادة خاصة أو عسكرية (حسب الحال) لمدة لا تقل عن ثلاثة سنوات. ب- ألا يقل عمره عن 21 سنة. ج- أن يكون لائقاً طبياً. د- أن يكون حسن السير والسلوك. ه- أن يجتاز الاختبارات وفقاً لما تحدده اللوائح. وبالنظر إلى الفقرة (د) من هذه المادة.. نجد انها تشترط حسن السير والسلوك.. والمعني به كما هو متبع الآن.. هو شهادة فحص الحالة الجنائية (فيش) والتي تستخرج من الادارة العامة للمباحث الجنائية. ويؤكد ما ذهبنا إليه.. المادة (45) من اللائحة التنفيذية والتي جاءت تحت عنوان (الفحص الجنائي) ونصت على الآتي:- 1- يجوز للسلطة المرخصة اخضاع طالب الرخصة الثقيلة والعامة لفحص الحالة الجنائية لاثبات حسن السير والسلوك. 2- يجوز للسلطة المرخصة اخضاع أي سائق مركبة عامة لفحص الحالة الجنائية.. ان وضح لها أن هناك ما يشير إلى أن سلوكه كسائق مركبة عامة لا يتفق مع السلوك القويم. 3- يجوز للسلطة المرخصة ان تطلب أي شهادة تؤكد سلامة مقدم الطلب. وفي يقيني أن المادة (45) من اللائحة.. هي نص مثالي وقد جرت صياغتها بعناية فائقة ومهنية مقتدرة.. ولا أرى ما يمنع من ادخال بعض الاضافات عليها.. وهي اضافات لا تخرج بها عن مقصدها ولا تقعدها عن هدفها العميق.. وتتمثل هذه الاضافات في:- /1 استحداث سجل جنائي للحوادث المرورية إلى جانب الفحص الجنائي.. كنا قد شرعنا في ذلك عند مطلع تسعينيات القرن الماضي.. وأعددنا من المشروعات والخطط التي تجعل ارتكاب الحوادث المرورية مرصوداً ضمن ما كان يعرف بالسوابق المحلية وقتها إلا أن مغادرتنا غير الطبيعية لجهاز الشرطة أوقفت تداول هذه المشروعات من خلال مذكرات التسليم والتسلم ليقوم خلفنا بمتابعتها. /2 تفعيل نظام النقاط ليصبح مرجعية أساسية في شروط وضوابط منح الرخصة العامة. /3 تسمية مخالفات مرورية جسيمة.. ولتكن على سبيل المثال:- أ/ قيادة مركبة تحت تأثير الخمر أو المخدر. ب/ الهروب بعد ارتكاب الحادث المروري. ج/ تجاوز الاشارة الحمراء. د/ القيادة بطيش أو سرعة. ه قيادة مركبة بدون رخصة. واعتبارها ظروفاً مشددة تؤدي إلى:- أ- توقيع عقوبات أشد بصفة وجوبية.. لا بصفة جوازية كما هو منصوص عليه في قانون المرور.. انظر المواد (58-61). ب- تأخير الحاجز الزمني لمنح رخصة القيادة العامة. /4 ما ذهبت إليه من تشديد.. مرده إلى الآتي:- أ- ان المخالفات المرورية المذكورة في البند (3).. هي جميعها افعال تهدر بشكل مباشر السلامة المرورية.. وتنال كثيراً من متطلبات أمنها. ب- ان تلك المخالفات المرورية.. هي أفعال سلوكية تنم عن شخصية مرتكبها.. وربما تكون متأصلة في مكونات شخصيته جراء خلفيات اجتماعية وتربوية. ج- انها مخالفات تتطلب اعادة النظر في وجود هذا الشخص ضمن المنظومة المرورية، ومن جانب آخر فهي لا تشجع البتة في نقل مرتكبها من المسؤولية الفردية إلى مسؤولية جماعية يكون فيها مسؤولاً عن أرواح مستخدمي المركبة العامة. د- ماذا تنتظر السلامة المرورية.. من شخص في (سنة أولى سواقة) معتاد على ارتكاب مثل هذه المخالفات.. والتي تعتبر وفق كل المقاييس الأقرب إلى وريد الحادث المروري. ختاماً.. نهنئ العاملين في الحقل المروري بعيد المرور العربي.. ونشيد بكل ما يبذلونه من جهد مقدر من أجل أن تكون السلامة المرورية واقعاً معاشاً يمشي بين الناس أمناً وأماناً. فقط أرجو أن يستصحبوا وفي اطار مجهودهم الرائع.. ما تدعو إليه (الصيغ والأساليب الفعالة في تنفيذ القانون) وهي كما يعلمون أنها تتطلب العمل في وقت واحد باتجاهات أربعة اساسية وهي:- أ/ مراعاة روح القانون:- حيث يجب على كل منفذ للقانون أن يستوعب الأهداف العامة والخاصة التي قصدها المشرع.. وذلك حتى لا ينحرف في التطبيق إلى ما يتعارض مع أهداف صياغة القانون. كما أن استيعاب الهدف الاصلاحي للعقاب القانوني هو أمر في غاية الأهمية.. لأن الجريمة وبحسب الفلسفة العقابية تقع نتيجة لتأثيرات وراثية زائداً نقص في البنيات الأساسية للمجتمع. ب/ مراعاة القيم الأخلاقية:- اذ ان القانون وكما هو معلوم.. لا يغطي وفي كل الاحيان التفاصيل الدقيقة لاجراءات التنفيذ.. ومن هنا تأتي أهمية التقيد بالقيم الاخلاقية.. والتي تتطلب الالتزام بالآتي:- 1- القواعد الاخلاقية لرجال تنفيذ القانون.. الصادرة من الأممالمتحدة. 2- مثل وآداب الشرطة العربية.. الصادرة من مؤتمر قادة الشرطة العرب. 3- وصايا القيادة السياسية والتنفيذية في الدولة لأنها ذات مضامين تربوية ووطنية. 4- مبادئ الأخلاق الاسلامية والعربية. ج/ الوعي بالطبيعة الحركية للقوانين:- فعلى منفذي القانون اكتشاف ما يبرز من خلل أو قصور غير تنفيذ القانون.. وان يقدموا مقترحاتهم بشأن المعالجة.. مع ضرورة أن يضعوا في اعتبارهم بأن القانون ليس وسيلة لتنظيم العلاقات الاجتماعية فحسب، وإنما هو وسيلة أساسية لتطوير هذه العلاقات نحو الأفضل. د/ استيعاب المستجدات:- وهي تلك المستجدات المتعلقة بالظروف الاجتماعية والاقتصادية المحيطة بالمجتمع. رئيس سابق لقسم مرور الخرطوم (1989-1991م)