* أنا عند وعدي للقراء الكرام بمواصلة الحديث عن «الإنقاذ» في سلسلة «عقدان وعامان من الزمان».. لكن المنغصات التي لا تنقضي تأبى إلا أن تمسك أقلامنا عن مواصلة الحديث السياسي المطعَّم بالونسة.. أو الونسة المطعمة بالحديث السياسي.. والحديث السياسي هو عنوان التعليق اليومي الإذاعي بقلم وصوت الرائد يونس محمود والذي كان يبدأه بعبارة.. أيها الشعب السوداني البطل.. فحُرَّفت «للفَضَلْ» ويختمه بقوله.. الله اكبر والعزَّةُ للسودان.. فقال الغلاة من المتطرفين»إنما العزة لله ولرسوله وللمؤمنين!!».. إستمع أحد الحلفاويين لصوت الرائد يونس من الإذاعة والمعجبين يتحلقون حول الراديو فسألهم «ده مين البيكورك ده؟» فقالوا له «ده يونس» فردَّ قائلاً :- «هو ربنا كان غلطان عليهو لمَّا غطَّسو في بتن الهُوت» بطن الحوت!!.. حيَّا الله اللواء الركن يونس محمود.. ولن ننسى «شمَّ الدم وقال حرَّم».. لن ننسى أياماً مضت لن ننسى ذكراها. * بسبب التشاكس السياسي.. والانتصار للذات.. ترفض الحكومات والمعارضات آراء بعضهم البعض.. حتى ولو جاء الرأي مبرأً من كل عيب.. قال الزعيم الراحل الأزهري :- «سنرفضها وإن جاءت مبرأةً من كل عيب» كان ذلك في أوان الجهاد أو النضال أو الكفاح «وكلها بمعنى واحد» لكن الحساسيات السياسية والمكايدات الحزبية ترفض «المفردة» فقط لأنها جاءت على لسان هذه الفئة أو تلك.. ألم ترَ كيف قامت الدنيا ولم تقعد بسبب كلمة «التوالي» التي جاءت في دستور الترابي!! وهو دستور جيَّد الصياغة محكم الفقرات.. ما علينا.. فتلك امةٌ قد خَلَتْ.. وعندما تتحدث المعارضة عن ضرورة إلغاء القوانين المقيدة للحريات نهبُّ عليها هبَّة رجل واحد نحن معاشر الإسلاميين وننبري للدفاع عن القوانين جملةً واحدة.. وكأنما قد نزل بها الوحي الأمين.. وليست اجتهاد المجتهدين يؤجرون إن أخطأوا بحسنةٍ وان أصابوا بحسنتين.. ومن أكثر القوانين المثيرة للجدل « قانون النظام العام» كلُه أو بعضه.. وما من عاقل سوِّي يرفض أو يعارض الضوابط التي تحترم إنسانية الإنسان في المقام الأول وتحافظ على سلامته روحاً وجسداً ومالاً.. وتحرس القيم النبيلة.. وتنشر الأخلاق الفاضلة.. ولا تفسد الذوق العام.. ولا تجرح المشاعر.. وتمنع الفوضى.. وتبيح الحريات العامة كحق إلهي لا منحة من سلطان عادل أو جائر.. ومن شذَّ عن ذلك شذَّ في النار.. فمن استهان بالإنسانية وأستخفَّ بالقيم النبيلة والأخلاق الفاضلة وأفسد الذوق وجرح المشاعر وإشاع الفوضى وأساء استخدام الحرية وخدش الحياء العام.. سيجد في القوانين ما يردعه.. إذن فلسنا في حاجة «لقانون خاص» وان كان هناك ثمة ما يبرر ذلك في وقت سابق !! للحد من صناعة الخمور أو ترويج المخدرات أو الحد من المظاهر التي تخدش الحياء العام.. فإننا مطالبون اليوم في إعادة النظر في ذلك القانون المسمى قانون النظام العام ليس لان صياغة بعض مواده معيبة فحسب لكن لأنه يتعارض مع قيمة أساسية في عقيدتنا وهي «فضيلة الستر».. صحيح أن من كانوا يطبقون هذا القانون كانوا يراعون هذه القيم فكم من قضايا حوكمت أو حفظت دون أن يطلَّع عليها إلا أطرافها.. فقد كانت محاكم النظام العام تعقد جلساتها ليلاً. وتطبق عقوباتها داخل المحكمة.. وكم أعادت شرطة النظام العام بعض الفتيات إلى أسرهن دون تشهير.. وكم عالجت من حالات بلغت بالشرطة أن تعقد قران بعض المتلبّسين ببعضهم بمعرفة ومباركة الأهل وعلى نفقة الشرطة.. وهكذا مما لا يُحصى.. لكن هذه التصرفات غير منصوص عليها قانوناً إنَّما هي نابعة من إحساس بخطورة التشهير على بعض الأسر الآمنة.. ومن فهم عميق لروح القانون وليس لنصوصه.. وهنا ينشأ السؤال.. هل كل رجال شرطة النظام العام بتلك الروح؟ والإجابة بالقطع لا فمنهم من يطبق حرفية النص.. ومنهم من يتصيد الآخرين.. والذاكرة ممتلئة عن آخرها بحكايات من ساقتهم شرطة النظام العام إلى أقسامها ثمَّ اتضح أنهم بصحبة زوجاتهم!! واعرف أسماء كثيرين من رجال المجتمع ممن تعرضوا لمثل هذه التجربة «البايخة» فبمجرد وجود رجل مع امرأة في سيارة أو حديقة عامَّة يكفي لكي يضعه تحت طائلة المادة 154 من قانون النظام العام !! ثمَّ يتضح بعد ذلك إنه في صحبة زوجته!! فلماذا لا نعيد عصر الحريم؟ وتقيم السيدات والآنسات في «الحرملك» ولا يخرجن للعمل العام أو النزهة أو زيارة الأقارب... واحد زميلنا رئيس تحرير معتبر ضبطته الشرطة ومعه امرأة حسناء فلمَّا احتد مع الشرطي واثبت له إنها زوجته.. قال الشرطي «طيب بتضحك معاها كدا ليه؟!!» . طلاق ثلاثة دي قصة واقعية وأبطالها أحياء!! * ولا أريد أن ادخل «وأدَخلكم معاي» في جدل ديني مع كرادلة الفقه. لكن قانون النظام العام أو من يطبقونه يقضي على فضيلة الستر وكأنها ليست من السنن القولية والفعلية التي حضَّنا عليها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.. وكأن الستَّار ليست من أسماء الله وصفاته سبحان وتعالى وكأننا سنربح خيري الدنيا والآخرة إذا ما هتكنا ستر الناس وبشَّعنا بسمعتهم .. وكأننا بتطبيق هذا القانون بكل عيوبه قد أفلحنا في الفوز بالجنة والنجاة من النار!! * ليس في الولاياتالمتحدة قانون للنظام العام ولكن مع ذلك فقد يضبط الناس ويتهمون بالتحرش الجنسي مثلاً وما قضية مدير صندوق النقد الدولي ببعيدة عن الأذهان.. مع أن الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق يسود تلك البلاد وغيرها من بلدان الغرب . * نريد تطبيقاً صارماً للقوانين العامة ولا نريد تقديساً للقوانين الاستثنائية ويكفينا إنصرافاً عن الأصول إلى الفروع. وهذا هو المفروض