في كل منتدى أو لقاء يعقد بشأن الاستثمار السعودي في السودان، ينبري عدد من السعوديين وهم يسردون المعاناة والعقبات التي تواجههم، داخل السودان، رغم تأكيدات الحكومة على أعلى مستوياتها بأن تسهيلات كبيرة تقدم للمستثمرين، وبخاصة السعوديين، إلا أن الواقع يبرهن على أن هناك صعوبات، هي من صنع صغار الموظفين، أو هي سياسات قاصرة من قبل بعض الولاة، فضلاً عن تداخل الصلاحيات بين المركز والولايات، لتكون المحصلة إحباط المستثمر، وجعله يفكر في أن يعود من حيث أتى. وها هي الشركة الدولية للاستثمار الزراعي والغذائي المكلفة من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، تستبعد السودان من خارطة استثماراتها الخارجية لأسباب كان يمكن للمعنيين تلافيها، وإيجاد أراضٍ أكثر خصوبة وأوفر مياها، لكن صغار الموظفين الذين يبحثون عن الامتيازات الشخصية لن يرهقوا أنفسهم كثيرا من اجل المصالح العليا، وإلا كيف لنا ان نقرأ شكاوى رجال الأعمال والاستثمار، الذين يتحدثون دائما بأن معاناتهم تبدأ لحظة دخولهم مطار الخرطوم، وتتواصل طوال وجودهم بالسودان، وليس أدل على ذلك من حديث احدهم ذات أمسية حضرها وزير المالية د. عوض الجاز بالعاصمة الرياض، عندما شكا المستثمر السعودي للجاز بقوله «أنا كمستثمر ليس عندي كثير وقت حتى أضيعه، فقد أمضيت يوما كاملاً في تكملة الإجراءات الرسمية بأنني «فقط» موجود في السودان».. ورد د.الجاز «كل هذه القضايا ستعالج»، وطال الانتظار، حتى بلغنا مرحلة أن «تشطب» شركة الاستثمار الدولية «السودان» من قائمة أولوياتها الخارجية، وهي ستتجه إلى إثيوبيا ويوغندا، ودول افريقية أخرى تحلم بالمستثمرين العرب. يبدو أن «التفريط» في القضايا التي تصب في مصلحة السودان سيبقى بلا حلول، في عدة جبهات، وفي خضم ذلك نجد أن الصادرات الخارجية تعاني، فالجانب السعودي لايزال يطالب بتطبيق اشتراطات الجودة بالمحاجر، وإصلاح حال المسالخ، حتى تنساب اللحوم السودانية إلى الأسواق السعودية، إلا ان هذا الأمر لم يتم، فمنذ أكثر من عامين ظلت الوفود السعودية المختصة في رحلات بين الرياضوالخرطوم دون جدوى، ففي كل زيارة يبدي الوفد السعودي ملاحظات، وعندما يعود لايجد أي جهد بذل، فكانت النتيجة أن احتلت اللحوم السورية أراض «السواكني»، وإذا بحثت في قضية هروب الاستثمار من السودان، سيتضح لك أن مجموعة من صغار الموظفين لم تعر الأمر اهتماما، فربما لها مشغوليات أهم!. ويجب ألا يركُن أصحاب القرار لبعض التقارير «السمجة» التي تتحدث عن أن الاستثمار في تزايد، فالحقيقة المؤكدة أن السعودية أكبر مستثمر في السودان، بدأت «تتململ» من عقبات وعثرات داخل السودان، فإن هناك قضية يجب حسمها قبل أن تتسع، حينها لن تجدي أية حلول، فرجال الأعمال الذين ينشطون حاليا داخل السودان، وفروا لهم كل احتياجاتهم، حتى لا يفكرون في بدائل للخرطوم، حينها ستصعب المعالجات ولن تجدي نفعا.