طالب عدد من الأطباء السودانيين العاملين في عدد من المستشفيات بالسعودية، الجهات المعنية بأن تعمل على تطوير القطاع الصحي، وإصلاح واقع المستشفيات، وتطبيق برامج الرعاية الصحية الأولية، وتوظيف الخريجين، وتنظيم البرامج التدريبية. وحذروا من مغبة إهمال القطاع الصحي، وأشاروا إلى ان الأطباء الجدد الذين يلتحقون بوظائف هامشية من بينها قيادة الركشات، لن يكون في مقدرتهم مزاولة مهنة الطب بكفاءة، فعدم التطبيق لسنوات من شأنه ان يضعف الأداء. واجمعوا على ضرورة تهيئة المناخ لوقف هجرة الأطباء، والعمل على استقطاب الكوادر الطبية الراغبة في العودة إلى الوطن. كيفية استقطاب الكفاءات: بداية انتقد د. محمد علي نور الدين إسماعيل اختصاصي التخدير والعناية المركزة بمستشفى الإيمان بالرياض، انتقد النظام الذي تنتهجه وزارة الصحة في إدارة، المستشفيات التي تحتاج لمجالس إدارات تضطلع بتنظيم العمل، وان يكون «الرجل المناسب في المكان المناسب». وقال: عندما يذهب أي من الأطباء المغتربين ويبدي رغبة في العمل بالسودان، يجابه بتعقيدات وصعوبات لافتة، كما انه لا يجد أي تقدير أو احترام، وهو الأمر الذي يجبره على ان بعودة مرة أخرى إلى ارض المهجر، التي يجد فيها كل الاحترام والتقدير، فضلا عن العائد المادي الكبير. وأضاف د. إسماعيل انه أمام وزارة الصحة عمل كثير حتى تستطيع استقطاب الكفاءة مرة أخرى إلى الوطن، وذلك من خلال تحسين الأوضاع المادية، حتى لا يكون الطبيب مشغولا بالعمل في العيادات الخاصة، إلى جانب توفير معدات العمل داخل المستشفيات، بحيث يتم توفير الأدوية، وتأهيل المعامل، والعناية بعمليات النظافة المستمرة، وتوفير الأسرة. سبل الحد من الهجرة: وطالب د. عبد المنعم سلميان- منسق رعاية الأمومة والطفولة- الرعاية الصحية الأولية بإجراء إصلاحات شاملة في القطاع الطبي حتى يكون مهيأً لخدمة المواطنين في مختلف مناطق السودان، والعمل من اجل الحد من هجرة الأطباء. وتناول جانباً من معاناة الطبيب داخل السودان الذي، يلجأ امام وطأة الظروف المادية لرفع تذكرة المقابلة لتبلغ «150 -200» جنيه «للبر وف الكبير»، في حين لا تتجاوز المقابلة لأشهر الاختصاصيين في السعودية مبلغ «100» ريال، وفي هذا الإطار تجيء رحلات السودانيين للعلاج في الأردن ليس للكفاءة وإنما لرخص تكلفة العمليات. ودعا الى إعادة تأهيل المستشفيات، وتوفير الوظائف، على أن تعمل وزارة المالية على تحمل أعباء تدريب الأطباء، وإيجاد وظائف للخريجين الذين من بينهم «للأسف» من يعمل سائقا لركشة!! في ظاهرة تتنافى مع مهنة الطب، وهم بذلك ينسون ما تعلموه في الجامعات، وتبعا لذلك تقل كفاءتهم. وأيضا يجب العمل على رفع سقف الراتب «حاليا طبيب امتياز» يتقاضى «500» ألف جنيه بالقديم، وهي لا تفي بأدنى الاحتياجات. وشدد د. الحسين على الاهتمام برعاية الأمومة، وتوفير الخدمات المساندة أشعة- مختبرات في المستشفيات الريفية، فعند حدوث كسر لشخص في مستشفى ريفي، لا بد أن يشخص قبل أن ينقل بسيارة إلى المدينة فقد يتضاعف الكسر، إلا انه في أحيان كثيرة لا توجد سيارات إسعاف، وان وجدت فهي غير مجهزة طبيا. وأكد ان الواقع غير مشجع، لاستقطاب الكفاءات الطبية المهاجرة، التي تتطلع بشوق لخدمة مواطنيها، وفي هذه الأثناء نلحظ أن لجان التعاقد السعودية «نشطة جدا» لاستقطاب الأطباء السودانيين. وأضاف: يجب على وزارة الصحة أن تعمل على توظيف الخريجين، وتأهيل المستشفيات، ورفع أسقف الرواتب، حيث لا يعقل ان يكون «15» طبيب امتياز يتدربون مع اختصاصي واحد، وضرورة توفير التدريس العالي داخل كليات الطب، والاهتمام بالكليات، وألا تمضي سياسة «الكمية على حساب النوعية». وبين أن بلادنا تنقصها، برامج الرعاية الصحية الأولية، مع أن البرنامج «مبسط جدا»، كما يجب أن يتم تنشيط مكافحة الأمراض المزمن وتبني برنامج الرعاية الصحية الأولية، مبينا وجود عدد من السودانيين يدرسون طب الأسرة في السعودية. اضطروني للهجرة..!! وقالت د. هالة إبراهيم خريجة كلية الطب بجامعة الخرطوم، إنها قدمت إلى السعودية، رغم رغبتها في العمل داخل السودان، ولكن المشكلة تكمن في قائمة انتظار طويلة للتوظيف بالسودان، وحتى عند العمل يقولون الوزارة لم تخصص لك وظيفة..!! وبينت ان الشهادة لا تعطى إذا لم تقدم شهادة من الخدمة الوطنية «واسطة» او أي مكان حتى لو عندك واسطة، ولا يوجد راتب، وبعد أداء الخدمة الإلزامية لا تجد وظيفة حتى بمرور عام، في ظل وجود عدد هائل من الأطباء. وقالت: غادر السودان 300 طبيب عام، وتحديدا من ولاية الجزيرة، وكنا نعتقد أن الوظائف التي شغرت بمغادرة هذا العدد سيتم توظيفنا فيها، إلا ان شيئا من هذا لم يحدث. وعبرت عن أسفها لعدم التعامل اللائق من قبل مسؤولي الصحة أثناء رحلة البحث عن وظيفة، الأمر الذي أشعرها بأنها كائن غير مرغوب في خدماته، لتتخذ قرار الهجرة. أوقفوا الهجرة المتزايدة: وشدد د. حامد أمير الصاوي مساعد مدير الشؤون الصحية للرعاية الأولية بحفر الباطن، على أهمية أن تبذل الجهات المعنية الجهود اللازمة لوقف الهجرة المتزايدة للأطباء السودانيين، مؤكدا أن ذلك لن يتم ما لم توضع البرامج الفاعلة لإصلاح واقع القطاع الطبي. وقال: يجب ألا نمارس «دفن الرؤوس في الرمال»، فالعالم من حولنا يتطور، وينبغي لنا ان نواكب حركة التغيير، مشيرا إلى ضرورة الاهتمام بالرعاية الصحية الأولية، باعتبارها تمثل الركيزة الأساسية لخدمة المواطنين في مختلف أنحاء السودان، وتنفيذ البرامج التدريبية والتأهلية للأطباء، وإيجاد نظام «إحالة» قوي. وأضاف د. الصاوي: ظللنا نتحدث منذ عام 1997م بشأن تطوير القطاع الصحي، ولم يحدث الاهتمام اللازم، داعيا إلى إخلاص النوايا وبذل المال، وتحسين التعليم الطبي، وايلاء الاهتمام للقطاع العام، والاستفادة من الأيدي الأمينة لإحداث التحول المنشود في القطاع الطبي، ووقف الهجرة المتزايدة. وأكد أن المهاجر تحتضن كفاءات طبية عالية، يمكن الاستفادة منها عندما تضع المستشفيات بروتكولات وطنية علاجية، وسياسات موحدة لخدمة المرضى في مختلف أنحاء الوطن. وأشار إلى انه لا مجال في الطب للاجتهادات الشخصية، وإنما الأمر كله مبني على البراهين والجودة، متمنيا أن يشهد القطاع الصحي التطور الذي يجبر الأطباء على عدم الهجرة. مخاوف تهدد العودة: وأجمع د. محمد صديق اختصاصي جراحة القلب، ود. عبد المحسن علي استشاري المخ والأعصاب ود. عبد الرحمن عبد الدافع اختصاصي الباطنية، أجمعوا على أن وقف هجرة الكفاءات الطبية من السودان يحتاج لجهود عاجلة، تعمل على تهيئة المناخ لوقف الهجرة أولاً، على أن تعقب ذلك برامج فاعلة يتم بموجبها استقطاب الكوادر المهاجرة التي لديها رغبة أكيدة في الاستقرار في السودان، إلا أنها تتخوف من استمرار ضعف الإمكانيات الطبية، إلى جانب بعض الصعوبات التي قد تعوق عملية العودة الآمنة التي تمكن الأطباء من تقديم خبراتهم داخل السودان.