جاء في كتيب الخلافة لحزب التحرير ضمن شروط الخليفة ان يكون مسلماً وبعدها مباشرة أن يكون ذكراً (فلا يجوز ان يكون الخليفة انثى، أي لابد ان يكون رجلاً، فلا يصح ان يكون امرأة لما روي عن أبي بكرة قال (لقد نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أيام الجمل بعدما كدت الحق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم قال: لما بلغ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ان أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى قال: (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة). ذهب مفكرو حزب التحرير خطوة خطوة مع هذا الحديث، انه نهى عن توليتها، هو من صيغ الطلب، فيه قرينة على النهي الجازم مقروناً بقرينة تدل على طلب الترك طلباً جازماً، فكانت تولية المرأة حرام. هكذا تدرجوا مع نص الحديث لحد حرمته وهذه الحرم في تولية الحكم فقط وليس عاماً في كل شيء. هل يعتقد مشرعو حزب التحرير ان ادارة الدولة أكبر شأنا وخطورة من ادارة مدرسة أو تحمل مسؤولية قسم في مستشفى. واذا كان هناك فرق بين المسلم وغيره في عرف حزب التحرير فلماذا لا يكون هناك فرق بين المسلمة وغيرها من النساء، وهل كل من ولى امره امرأة يرد خائباً لا فرق في ذلك اذا كانت ابنة كسرى أو امرأة من بيت النبوة المحمدية ويأخذ المسلمون نصف دينهم منها؟!! وماذا لو عرفنا انها خرجت مدافعة عن مشروع الخلافة نفسه. وفي تحليل حديث (الخيبة) قال الامام الصادق المهدي رئيس حزب الامة القومي في كتابه نحو مرجعية اسلامية متجددة ان عمر بن الخطاب قد حد أبي بكرة بن شيبة راوي هذا الحديث في قضية المغيرة بن شعبة حد القذف وهذا الحد يقتضي علاوة على الجلد ألا تقبل شهادة القاذف من بعد قال تعالى (فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة ابداً وأولئك هم الفاسقون) وقال هذا الحديث كذبه الواقع حيث أورد الطبري في تاريخه (ثم ملكت بوران بنت كسرى وذكر انها قالت البر انوي وبالعدل آمر) واحسنت السيرة في رعيتها وبسطت العدل فيهم).انتهى الخلافة موضوع اساسي ركيزي لدى حزب التحرير وأحد قضايا الخلافة هو موضوع طلبها وقد أوردوا فيه (طلب الخلافة والتنازع عليها جائز لجميع المسلمين وليس هو من المكروهات، ولم يرد أي نص في النهي عن التنازع عليها وقد ثبت ان المسلمين تنازعوا عليها في سقيفة بني ساعدة والرسول مسجي على فراشه ولم يدفن بعد، ثبت ان أهل الشورى الستة وهم من كبار الصحابة تنازعوا عليها على مرأى ومسمع من جميع الصحابة فلم ينكروا عليهم، واقروهم على التنازع على الخلافة وعلى جواز طلبها والسعي لها ومقارعة الحجة بالحجة في سبيل الوصول إليها أما النهي عن طلب الامارة الوارد في الاحاديث فهو نهي للضعفاء امثال ابي ذر ممن لا يصلحون لها. أما الذين يصلحون للامارة فانه يجوز لهم ان يطلبوها). في هذا الترويج للتنازع وطلب الخلافة اتخذوا احداث السقيفة ومسألة أهل الشورى كدليل على امكانية التنازع في الوصول إلى السلطة وان كان اسمها (الخلافة) دون تحليل لذلك التنازع ومن هم طرفاه ولماذا وكيف آلت لطرف دون الآخر، على رغم انهم أوردوا حديثاً على فرض البيعة جاء فيه عن عبادة بن الصامت قال (بايعنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على السمع والطاعة في المنشط والمكره وان لا ننازع الامر اهله) وكمثال على ان الخلافة ليست محصورة في قريش ضربوا مثلاً تأمير اسامة بن زيد وغيره على قيادة الجيوش والمعروف ان هناك من احتجوا على تأمير اسامة ما أدى لغضب الرسول (صلى الله عليه وسلم) وهذا الغضب في موضوع تأمير اسامة دلالة على انه سيكون أكبر في موضوع أكبر وهو الخلافة. أما قضية ضعف ابي ذر فلا نجد عليها دليلا في كتيب الخلافة، واذا نهى الرسول الاكرم عن شيء يقصد به أحد الصحابة فانه لا يذكر اسم من يقصده فأي مفسر لحديث الرسول اشار إلى انه يقصد أبا ذر، واذا كانوا يشيرون إلى حديث عبادة بن الصامت أو احاديث المهاجرين فان هذا يكون بعيداً عن أبي ذر لانه اسلم داخل مكة حيث لا يعرف المؤرخون بيعة شهدها الناس للرسالة المحمدية مشهودة كتلك التي كنت للمهاجرين والمسلمين في المدينة. ولا ندري أي موقف يبرر هذا الاتهام وكيف يستقيم هذا مع حديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) (ما اظلت الخضراء ولا اقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر، ومن سره ان ينظر إلى تواضع عيسى بن مريم فلينظر إلى أبي ذر) والمعروف ان صفات مثل الصدق والتواضع لا تتأتى لشخص ضعيف. وقد سجل التاريخ لأبي ذر انه رابع أو خامس شخص يعتنق الاسلام وأول من حيا الرسول الاكرم بتحية الاسلام وأول من سال دمه في الاسلام حينما اشهر اسلامه في الكعبة وقاموا عليه يضربوه حتى صار قطعة حمراء فانقذه أبو طالب منهم صائحاً بهم ألا تعلمون انه من غفار وان طريق تجارتكم يمر بهم. أبو ذر الغفاري ذلك الصحابي الذي نفى إلى الربذة ليموت وحيداً محققاً نبوة المصطفى (يمشي وحيداً ويموت وحيداً ويبعث وحيداً) وذلك لقراءة آية (الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) هذا الصحابي الجليل كان رجلاً قوياً قادراً على الاداء المتفرد وهو وحيد وقادراً على الوحدة التي وصاه بها الرسول (صلى الله عليه وسلم) (الوحدة خير من جليس السوء) ومن يفضل الوحدة على صاحب السوء فهو رجل قوي وحديث (وحيداً) دلالة على التفرد والشجاعة، وقد بعث له القهري بمائتي دينار وردها وبعث إليه معاوية بثلاثمائة دينار فقال (ان كانت من عطائي الذي حرمتمونيه عامي هذا قبلتها وان كانت صله فلا حاجة لي فيها) وقد قال له حبيب بن مسلمة أحد القادة (لك عندي يا أباذر ألف درهم وخادم وخمسمائة شاه) فقال أبو ذر (اعط خادمك وألف وشويهاتك من هو أحوج مني فاني انما اسأل حقي في كتاب الله) وهذا يظهر شخصية أبي ذر غير الطامعة في المال ولا السلطة اذ كان بامكانه قبول الهدايا ولكنه لم يفعل لانه صاحب مبدأ دفع حياته وحريته لذلك المبدأ. أبو ذر الغفاري أمد الاسلام بقبيلتي اسلم وغفار في وقت حرج في بداية الدعوة حيث لم يسجل التاريخ هذه الكرامة لغيره، ولم يكلف المعتذرين من بعده عناء الاعتذار عن قضية هل انتشر الاسلام بحد السيف، ذهب أبو ذر معلماً لتلك القبائل يعلمهم الدين الاسلامي في حين ان الآخرين كانوا يقطعون الفيافي والبحار يتعقبون من فروا بدينهم إلى أرض الحبشة لتدور الايام ويصبحوا هم الاقوياء وأبو ذر ضعيفاً وبعض من هؤلاء الذي ضرب به المثل في القوة قد أثبت التاريخ انه رفض شورى اصحابه منهم من ايقاد النار للتدفئة في سرية ذات السلاسل كما انه اختلف مع أبي عبيدة بن الجراح في امامة المصلين واصر على أن يؤمهم وقد كان فيهم أبو بكر وعمر، وفي خلافة أبو بكر ذهب لعمر بن الخطاب ليتوسط له عند الخليفة ليجعله أميرا على أبو عبيدة بن الجراح فقال عمر (ما كنت بالذي اكلمه في ذلك، فانه ليس على ابو عبيدة امير ولأبو عبيدة افضل منك منزلة واقدم سابقة، انك ما تطلب بقولك هذا إلا الرئاسة والشرف فاتق الله ولا تطلب إلا شرف الآخرة ووجه الله) وقد قال عنه اللواء الركن محمود شيت خطاب معجباً به: (كان من النادر ان يزوره المرض، لاهتمامه الشديد بصحته وعافيته وعنايته الكبيرة بهما فهو مثلاً لا يغتسل من الجنابة إذا خشى من البرد بل يصلي متيمماً، ولا يخرج لصلاة الجماعة وهو أمير اذا كان متوعكاً بل يؤم الناس وكيله كما فعل في صلاة الصبح من يوم محاولة اغتياله) والمعروف عن هذا القوي انه كرس حياته سيفاً ودهاء لمعسكر (الامرأة) أما أبو ذر فقد عاش وحيداً ومات وحيداً مكرساً حياته عملاً وعلماً وفكراً مخلصاً لصاحب المعسكر الآخر. هذه الاسئلة والاستفهامات الواردة في هذا المقال تحتاج لضمير صاح للاجابة الواضحة عليها من قبل منظري حزب التحرير.