مثلما يدرك لاعبو الكرة هدف التعادل في الدقيقة الاخيرة ، هكذا اتجه الصائمون لشراء حاجتهم قبيل حلول رمضان بساعات معدودة .. تقليد توارثه الصائمون عن اجدادهم .. وعلموه ابناءهم ان اهمية الاشياء بعملها في ميقات متأخر وكذا شراء الاغراض في الزمن الضائع .. هكذا كان الحال امس الاول في معظم اسواق الخرطوم ، ( الصحافة ) كانت هناك ترصد ملامح الشراء الذي جاء كثيفا محدثا من الحراك ما اسهم في احداث اختناقات في حركة المرور والمواصلات وفوق كل ذلك الرهق النفسي والجسدي لهم . بدأت ملامح التعب بادية على يوم (خم الرماد ) كما يسميه العامة منذ منتصف النهار عندما ضاقت شوارع الخرطوم بحمل سياراتها ، وشهدت تقاطعات الطرق المؤدية الى وسط الخرطوم ازدحاما مروريا خانقا .. كانت السيارات تصطف بصبر المجبور على فعل الشئ .. وذكرت فاطمة الامين ( طالبة ) انها ظلت في انتظار المواصلات زهاء الساعة واستغرقت مثلها في الوصول من امام مركز الشهيد الزبير الى فندق (ريجنسي) بشارع السيد عبدالرحمن ، بينما اوضح الفضل الشريف انه اضطر الى المشي من صينية الامدادات الطبية الى موقف جاكسون على رجليه وقال ساخرا « وصلت اسرع من الحافلة التي تركتها ورائي من شدة الازدحام . واشار مصطفى حسين ( سائق حافلة ) الى انه قضى ساعتين في الوصول الى موقف الاستاد ، اضاف : ( لو كنا نعلم بهذا الازدحام لما تحركنا من اماكننا ). وكانت حشود المواطنين تترأى من على البعد تحت وهج الشمس الحارقة ومواقف المواصلات خالية من المركبات . وفي المساء ازداد صخب السوق بدخول اعداد جديدة من المتسوقين المتسرعين في حمى جنونية من عمليات الشراء وفي سوق امدرمان والبوستة والكلاكلة اللفة كانت تتطابق سلوكيات المستهلكين .. وشهدت اماكن عرض السجادات والفرشات تكالب المشترين دون الدخول في عمليات ( المفاصلة ) المعروفة عن المشتري والبائع السوداني ، وفي محلات الاواني المنزلية كانت عمليات البيع تتواصل لا صناف كبابي العصير و( جكوك الموية ) وحفاظات المياه وحيثما تلتفت فثمة امرأة تحمل بيدها اليمنى صينية ألمنيوم وباليسرى ( مفراكة ) طهي .. اما الشيوخ فكانوا يحملون ملء ايديهم اكياس تسوق كبيرة .. والشباب يتوزعون ما بين كراسي ستات الشاي والوقوف في صفوف طويلة امام الافران ، وبالقرب من احد الافران اوضح الامين علي يبدو ان هناك اقبال كبير على الرغيف واضاف انه ينتظر منذ حوالي الساعة للحصول على حاجته من الرغيف . وكان الحال امام المطاعم والكافتريات يوحي بانها تعمل بكل طاقاتها التصميمية وشواية الفراخ وسعت خمس وثلاثين فرخة للمرة الاولى منذ صناعتها ، وحركة جرسونات المطاعم تتناغم مع قدوم الوافدين .. ويصطف صائمو الغد امام بائعي الالبان بينما صانعو الطعمية فقد اغلقوا مبكرا بعد نضوب عجينهم . وعلى النقيض من ذلك فقد اقفلت محلات بيع الملابس مبكرا بينما وجد الصيادلة فرصتهم في متابعة برامج التلفزيون بعد ان افتقدوه زمنا مبعدين انفسهم عن تشنجات مرافقي المرضى . ومع بدء العودة الى المنازل طارت السكرة وجاءت الفكرة .. كيف الرجوع وقد ازدحمت الشوارع بالمنتظرين وارتفعت تذكرة المواصلات لضعفي التسعيرة الاساسية، ففي أمدرمان بلغت تذكرة المواصلات الى امبدات اثنين جنيه ومن اللفة الى جبل اولياء اربع جنيهات .