٭ منذ أن قال المتنبئ كلماته التي عبرت عن حالته النفسية الفريدة في ذاك العيد الذي أدركه وهو يكابد عذابات الطموح والأمل والخيبة في سبيل سلطة تعذرت عليه وأبت الليم معه.. منذ ذاك الأمد ظل هذا التساؤل المشحون بالرجاء والاستنكار والإصرار، ظل نغماً للكثيرين من حفظة شعر المتنبئ يرددونه في الأعياد وغيرها، يرددونه عند كل وقفة متأملين حالتهم الكائنة وحالتهم التي مضت وحالتهم التي يتمنونها. ٭ مضت أيام العيد.. مضت كما تمضي كل أيام الله السبعة.. ولا أقول إنها ثقيلة.. فهى عيد للذي اجتاز امتحان أداء فريضة الصوم، وتأمل في حال العباد، وأحس بمعاناة الجوعى والمرضى والفقراء والمساكين والنازحين سكان المعسكرات في دارفور الحبيبة وكردفان الجريحة. ٭ قضيت أيام العيد.. العيد الذي جعلته الحكومة بأخذ ثلث الشهر.. إجازة طويلة.. قضيته تتجاذبني المشاعر.. مشاعر الحزن الخاص، ففي رمضان هذا العام جاءت الذكرى الأولى لرحيل أختي العزيزة الحبيبة «سعاد».. والعام على حال الإنسان السوداني الذي تسحقه هموم الحياة وينكد عليه يومه في أيام وليالي العيد.. الغلاء.. الغلاء.. ذاك الغول المتوحش الذي تزداد قسوته ووحشيته صباح كل يوم.. ومشاعر القلق والحزن على حال كل من يتعاطى أمر الهم العام في قطر اسمه السودان يقطنه شعب عظيم صاحب تاريخ نضالي عريق في تاريخ الإنسانية.. بل وصاحب حضارة محفورة بعناية على جدران تاريخ أهل الحضارات المتميزة. ٭ استقبلنا العيد والصحف والفضائيات والإذاعات تحدثنا عن حراك العالم العربي بثوراته الضبابية أحياناً وصاحبة المعالم الغامضة أحياناً اخرى.. في ليبيا ومصر وسوريا وتونس.. وذات الوسائط الإعلامية تحدثنا عن جنوب كردفان وصدامات قوات الحلو مع القوات المسلحة.. وتحدثنا عن المشاكسات بين قطري السودان المنشطر.. حكومة الجنوب وحكومة الشمال الذي استهلت مشوار الشكاوى للمؤسسات الدولية.. وكان ختام أيام العيد ما حدث في ولاية النيل الأزرق وإعلان حالة الطوارئ بها، وربنا يجيب العواقب سليمة. ٭ باختصار شديد قضينا أيام العيد وسط لجج من الكلام جعلتنا في حالة هرولة ما بين اليقين والأمل، حتى أوشكت أنفاسنا أن تنقطع.. لجج كلام يشبه كلام أهل بيزنطة حول هل البيضة من الدجاجة أم الدجاجة من البيضة؟ ويشبه كلام فقهاء الغساسنة حول ماذا تفعل المرأة إذا نمت لها لحية (دقن) هل تحلقها أم تتركها، بينما الواقع يزداد كل يوم تعقيداً وقتامةً. ٭ انقضت أيام العيد.. عيد الفطر المبارك وانتهت الإجازة الطويلة، وأتينا للعمل في سبتمبر الشهر «الأربعيني».. لنواصل ذات المشوار والمساسقة ما بين تصريحات الداخل والخارج.. ومع ذات المسائل العالقة ما بين جمهوريتي السودان.. وفي انتظار الحكومة الجديدة حكومة الجمهورية الثانية. ٭ ومع ذلك أقولها مفعمة بالأمل والإصرار.. كل عام وأنتم بخير.. وإن كنا نردد مع المتنبئ يوم أحس بقهر الظروف والمعاناة وطول الانتظار: عيد بأي حال عدت يا عيد بما مضى أم لأمر فيك تجديد هذا مع تحياتي وشكري