٭ مضت أيام العيد.. مضت كما تمضي كل أيام الله السبعة، لم أقل إنها ثقيلة ولكنها حزينة.. ضحى اليوم الأول من عيد كسته موجة قاتمة من الحزن بسبب ذلك الحادث المشؤوم.. حادث طائرة تلودي الذي راح ضحيته مجموعة من أبناء السودان، وراح ضحيته طاقم الطائرة بكامله.. وأعزي شركة ألفا للطيران، وأعزي بصفة خاصة وليد والشابي وعبد الرحمن وعباس ومحمد، وللضحايا جميعاً الرحمة والمغفرة. ٭ أيام حزينة ولكنها عيد للذي اجتاز امتحان أداء فريضة الصوم، وتأمل في حال العباد، وشعر بمعاناة الجوعى والمرضى والفقراء والمساكين والنازحين.. سكان المعسكرات في دارفور وكردفان. ٭ قضيت أيام العيد تتجاذبني المشاعر.. مشاعر الحزن العام على حال الإنسان السوداني الذي تسحقه هموم الحياة، وينكد عليه يومه في أيام وليالي العيد الغلاء.. الغلاء ذاك الغول المتوحش الذي تزداد قسوته ووحشيته صباح كل يوم.. ومشاعر القلق والحزن على حال كل من يتعاطى أمر الهم العام في قطر اسمه السودان يقطنه شعب عظيم صاحب تاريخ نضالي عريق في تاريخ الإنسانية.. بل وصاحب حضارة محفورة بعناية على جدران تاريخ أهل الحضارات المتميزة. ٭ استقبلنا العيد والصحف تتحدث عن استئناف مفاوضات أديس أبابا بشأن أمر الحركة الشعبية وما يحدث في جنوب كردفان والنيل الأزرق.. الصحف والناس يدورون في فلك الأشخاص.. ويغرقون في شبر ماء وتصريحات رئيس وفد المفاوضات تشكل حائطاً خراصانياً.. أمام انسياب المفاوضات.. فكيف تنساب المفاوضات ورئيس الوفد يفارق قيمة سودانية ودينية أصيلة وهي التحية.. رئيس الوفد لم يحيِ الوفد الآخر وهم على مائدة واحدة، وليس هذا وحسب بل التصريحات جاءت بألا رجاء في المفاوضات قبل أن تبدأ.. وهذه بدعة من بدع أهل الإنقاذ. ٭ وقضي الناس أيام العيد في الحديث عما تدخره الأيام لمستقبل مفاوضات أديس أبابا، بجانب تعبيرهم عن الحزن البالغ على حادث أول أيام العيد.. الطائرة التي تحطمت على مشارف مدينة تلودي. ٭ باختصار شديد قضينا أيام العيد في وسط لجج من الكلام.. كلام الحكومة وكلام المعارضة وكلام ضحايا الغلاء، وفي حالة هرولة ما بين اليقين والأمل حتى أوشكت أنفاسنا أن تنقطع.. لجج كلام يشبه كلام أهل بيزنطة حول هل البيضة من الدجاجة؟ أم الدجاجة من البيضة؟ ويشبه كلام فقهاء الغساسنة حول ماذا تفعل المرأة إذا نمت لها لحية أو «ذقن» هل تحلقها أم تتركها.. بينما الواقع يزداد كل يوم تعقيداً وقتامة. ٭ انقضت أيام العيد.. عيد الفطر المبارك وانتهت الإجازة وأتى موظفو الحكومة للعمل.. وبعد أيام يأتيهم سبتمبر الشهر الأربعيني. ونواصل نحن ذات المشوار.. والمساسقة ما بين التصريحات.. ومتابعة المفاوضات.. وأخبار الاحتجاجات وتصاعد موجات الغلاء. ٭ ومع كل هذا أقولها مفعمة بالأمل والإصرار.. كل عام وأنتم بخير، وإن كنا نردد مع المتنبي يوم شعر بقهر الظروف والمعاناة وطول الانتظار: عيدٌ بأي حالٍ عدتَّ يا عيدُ بما مضى أم لأمر فيك تجديد هذا مع تحياتي وشكري