٭ رحم الله التربويَّين الذين وضعوا مناهج التعليم للمرحلة الأولية على أيامنا، فقد رسَّخت في نفوسنا القيم الفاضلة والمبادئ، إلى جانب تعليمنا القراءة والكتابة.. ولن ينسى أي تلميذ من ذلك الزمان قصة «الدجاجة الصغيرة الحمراء» والتي تقاعس أصدقاؤها عن مساعدتها في زراعة الفول وفي حصاده، ثم نشطوا وطمعوا في المشاركة في أكله، فردَّت عليهم بجملتها الصغيرة الشهيرة «الفول فولي زرعته وحدي وحصدته وحدي وسآكله وحدي..». وإن كانت القصة تحض على الهمة والعمل وتحارب التواكل والكسل، إلا إنها تفرض عقوبة قاسية تحجب معها فضيلة الإيثار والتسامح.. وربما بدا لمن وضع المنهج أن عقول الصغار لا تستوعب مثل هذه الفضائل.. أو أنها مقتبسة من الأدب الانجليزي، فقد شاهدت فيلماً كرتونياً عن قصة الدجاجة الصغيرة الحمراء، وقد اُستبدل فيها الفول بالذرة الشامية، وأن من أصدقاء الدجاجة «خنزير وثعلب» وإنهما كانا يعتذران للدجاجة بألم في بطنيهما في كل مرة تدعوهما فيها للعمل.. وفي نهاية القصة وبعدما جهزت الدجاجة طعاماً شهياً من الذرة فاحت رائحته الطيب? حتى وصلت لأصدقائها، فدعتهما لتناول الطعام فسارعا إليه وكانت خيبة الأمل عندما كشفا الغطاء عن الطبق، فوجدا فيه قارورة من زيت الخروع لعلاج ألم البطن!! وأقبلت الدجاجة الصغيرة الحمراء وصغارها على طعامهم الذي صنعوه بالكد والجهد. ٭ تذكرت هذه القصة المفيدة وأنا أتابع وصول وفد المقدمة لحركة التحرير والعدالة الموقعة على وثيقة سلام دارفور في الدوحة.. وهو ما تقاعست عنه حركات أخرى لا تزال الفرصة متاحة أمامها للانضمام لركب السلام، ولما كان المرء لا يكرم في داره ولا يهان فإنَّ السيد أحمد عبد الشافع نائب رئيس الحركة الذي يقود الوفد لا يحتاج منَّا إلي ترحيب خاص، فهو إنما عاد لأهله وأرضه ووطنه عزيزاً مكرَّماً بلا بغضاء ولا شحناء، وأن كبير مفاوضي الحركة السيد تاج الدين بشير عضو الوفد، وقد أبلى بلاءً حسناً في تلك المفاوضات المرهقة، جاء ليشرف?مع زميله الدكتور أمين حسن عمر على جدول التنفيذ، وان الاحتفاء بالوفد وحسن استقباله سيجيء من قبيل الترحيب بعودة الغائبين عن أهلهم وديارهم، وستنحر للوفد الذبائح «كرامة وسلامة»، وسيجد الوفد القلوب المفتوحة والأيادي المبسوطة «والانبساط بسلامة العودة» قبل أن يشرع الجميع في التنسيق للترتيبات المختلفة لوضع الاتفاقية موضع التنفيذ، وذلك بالالتقاء مع كبار المسؤولين بالدولة وفعاليات المجتمع الدارفوري بالعاصمة وولايات دارفور. ٭ «الله إن جاب كتَّالك بيجيب حجَّازك» مثل شعبي مفعم بالتفاؤل، ويدعو لعدم القنوط من رحمة الله حتى لو كانت رقبتك تحت السيف أو في حبل المشنقة.. فأهل السودان عامة وأهل دارفور خاصة بعدما احتربوا وسالت دماؤهم وجدَّوا «الحَّجاز»، فقد كان وراء هذا الانجاز الكثير من الرجال الأخفياء مَنْ بذلوا أموالهم ووقتهم وجهدهم، فكانوا خير معين للوساطة القطرية التي تحمَّلت العبء الأكبر لإنجاح العملية التفاوضية، ولم تتوقف عند التوقيع والحفل المراسمي، بل زادت عليه بتحمل القسط الأكبر من عملية إعادة الإعمار بتبرع أميرها السخي «حف?ه الله». ولعل البعض لا يعلمون جهد بعض الذين لا نريد أن نقصم ظهورهم بذكر أسمائهم، فالله يعلمهم وسيجزيهم أجر ما قدموا نظير ما بذلوه من صدقات ومعروف وإصلاح بين الناس، وسيزيدهم من فضله بإذنه .. وهم سودانيون لا يرجون جزاءً ولا شكورا. ٭ وبوصول وفد المقدمة يكون العد التنازلي لعودة رئيس الحركة د. تيجاني سيسي قد بدأ، ونأمل أن يكون قريباً جداً.. وعندها سينعم أهل دارفور بالسلام والأمن والرخاء .. وستكون التحديات كبيرة وكثيرة، وأولها جذب الحركات التي لم توقع وتشجيعها للانضمام لمسيرة السلام، وربما يكون بعضهم في انتظار أن «يشوفوا شيل التمساح في ديل »!! فالمشككون ينفخون في نار نقض العهود «لكن الله غالب» ٭ ولا يحبذ أي حادب تطبيق سياسة الدجاجة الصغيرة الحمراء «فالناس شركاء في ثلاثة الماء والكلأ والنار» كما يقول الحديث الصحيح.. ولا يتمنى عاقل أن تمضي مسيرة سلام دارفور وهناك من يحمل سلاحاً من أبنائها «لأن القاتل والمقتول في النار»، فلتتصل الجهود لإقناع الممانعين للانخراط في العملية السلمية الجارية الآن، وليتسع صدر الموقعين على الاتفاقية بدون إفراط ولا تفريط لقبول الآخرين متى ما وضعوا السلاح. وألا نقول لهم الفول فولي زرعته وحدي وحصدته وحدي وسآكله وحدي .. فحكومة القاعدة العريضة فيها متسع للجميع «إلا من أبى». ٭ ومرحباً بعبد الشافع ونيام.. عوداً حميداً.. وكلنا في انتظار د. سيسي لإطلاق صافرة البداية. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وهذا هو المفروض.