٭ ليس عمر أحمد البشير بدعاً من شعبه.. هذا الشعب الأبي الذي يطيق كل شيء إلا الحقارة.. ويأسره المعروف وتستعبده الحسنة ويخجله التواضع.. وعمر من أصلاب وأرحام هذه الأمة السودانية.. تعلَّم في حياته كل شيء إلا «الخوف» والشواهد كثيرة لا يحتويها سِّفرٌ كامل.. فعندما ثارت شعوب المنطقة في وجه حكامها ورددت شعارات «الشعب يريد تغيير النظام» قال عمر في لقاء جماهيري معلقاً على من قال إن الشعب السوداني «المعلِّم» سيثور ضد البشير!! قال: «لو الشعب خرج ضدنا فسنخرج له في الشوارع ليرجمنا بالحجارة..» وراهنت المعارضة الممثلة في تحالف جوبا على الشارع فخذلها الشارع حتى رفع الأستاذ محمد إبراهيم نقد لوحته أو لافتته الشهيرة «حضرنا ولم نجدكم!!». ٭ وبالأمس القريب وتحديداً يوم الخميس كان الرئيس عمر البشير في طريقه لحي أم القرى شمال الكدرو ليشارك في تجهيز المرحوم «خاله» حامد محمد الزين الذي وافاه الأجل المحتوم صباح ذلك اليوم.. ومن ثم تشييعه إلى مقابر شمبات غرب مركز البحوث والاستشارات الصناعية، ولما كان يؤدي في تلك اللحظات واجباً اجتماعياً وليس عملاً رسمياً فقد كان يستغل السيارة الخاصة بالسيد عبد الرحيم محمد حسين لا تسبقه صافرة النجدة ولا يضم موكبه العربات الرئاسية السوداء التي تحمل شعار الجمهورية، وتصادف مروره مع وقوع حادث مروري بمنطقة كوبر داهمت فيه سيارة مسرعة تلميذات عائدات إلى بيوتهن من المدرسة.. وتجمهر المواطنون احتجاجاً على عدم استجابة السلطات المختصة لمطالبهم المتكررة بوضع لوحات تحذيرية ومطبات صناعية في المكان الذي تكررت فيه مثل هذه الحوادث.. ووسط الجماهير المحتشدة واحتجاجاتهم الصاخبة ترَّجل البشير من السيارة ودخل وسط المظاهرة وطلب منهم الهدوء، ووجه بالاستجابة الفورية لمطالبهم، وانتظر وسط الناس «وهو لاحق جنازة» حتى اطمأن إلى سير الإجراءات، وغادر المكان والجماهير تهتف «سير سير يا بشير»، هذه الواقعة عظيمة الدلالة، فقد كان تلفزيون ال «بي. بي. سي» يحاور من استوديوهاته كمال كمبال تية و د. خالد المبارك وبالهاتف ياسر عرمان و د. إبراهيم غندور عن احتمال أن تتبع الجماهير السودانية وتقتفي أثر الجماهير العربية في ثوراتها ضد حكامها، وعندما أمَّن عرمان وتية على إمكانية حدوثها وبشَّرا بذلك قال لهما المذيع لكن الجماهير السودانية لا ترفض البشير .. وكانت الجماهير المحتشدة في كوبر قد نسيت غضبها والتفت حول قائدها تهتف بتأييده في ذات يوم الخميس، فإذا ما تذكرنا إن اندلاع ثورة تونس كانت بسبب إهانة «امرأة شرطة»!! لبائع متجول، فإن دهس أربع طالبات يعتبر مسبباً كافياً لاندلاع ثورة شعبية.. بل عدم حصول المعارضة «أحزاب جوبا» على ترخيص لتسيير موكب ليس سبباً كافياً لإلغاء المسيرة، فقد كان بالإمكان أن تخرج مسيرات عفوية لتقول لا للحرب!! لكن هذه المعارضة لا جماهير لديها لتقنعها بالخروج.. ولا منطق يجتذب الذين يقفون على الرصيف لينضموا لمظاهرات المعارضة.. فقد تنامى وعي هذا الشعب بحيث لا يمكن أن يُساق بروح القطيع بعد اليوم.. وهذا لا يعني بالضرورة أن الأمور «عال العال» .. وأن «المعيشة معدن»!! وان «الحالة ساكوبيس!!» فالغلاء يخنق متوسطي الدخل ناهيك عن محدودي الدخل.. ويسحق الفقراء دون شك.. والحكومة ليست غافلة أو جاهلة بهذه الحقائق، وهي تحاول جاهدة أن تخفف معاناة الجماهير.. لكن والحق يقال لا تبدأ بنفسها.. وهذا ما نتوقعه عقب إعلان تشكيلة حكومة الجمهورية الثانية التي نتوقع أن تختط منذ إعلانها سياسة تقشفية صارمة تظهر من خلال تقليص حقائبها وخفض مصروفاتها وتشديد النكير على المفسدين وتضييق الخناق على «الهلِّيبة وكل الما عندهم قشَّة مُرَّة» وتعيد ضبط السوق بإجراءات عملية وأخرى قانونية ضد المتلاعبين. فالشعب يريد تحية الرئيس.. وعلى الرئيس رد التحية بأحسن منها. ٭ خذوا أسلحتكم حذركم، فالذي حدث نهار الخميس من استيلاء معتوه على سلاح شرطي وما صاحب ذلك من مطاردة وإطلاق نار في شارع النيل الحيوي، يرسل إشارات خاطئة، بل ومشجعة للمتربصين والمتهورين، و «نحنا ما ناقصين». وهذا هو المفروض.