الإمام الشافعي ورأيه في الموسيقى قال الامام الشافعي لتلميذه يونس.. يا يونس: دخلت بغداد: قال: لا. قال: يا يونس، ما رأيت الدنيا ولا رأيت الناس، نعم من بغداد الحافلة بمعطيات العلم والأدب والفن، تسربت أنغام الموسيقى من بين أصابع إبراهيم الموصلي وابنه إسحاق وتلميذهما زرياب.. من هذه المدينة نفسها تنطلق اليوم أعمال ملتقى بغداد الأول للموسيقى، ايماناً منا بأن الموسيقى رسالة محبة وسلام ولغة مشتركة بين البشر تنطق بلهجات مختلفة تقترب حيناً وتختلف حيناً آخر، لا يعوق فهمها والاستمتاع بها والتأثر بمعطياتها، تباين اللغات والقوميات والأبعاد الجغرافية، وفق هذا المنظور استطعنا بشيء من السهولة الاتفاق أنا وزملائي أعضاء اللجنة العراقية للموسيقى وذهبنا معاً لتحديد محور ملتقانا تحت عنوان «العود بين التقليد والمعاصرة» بقصد التأكيد بأن العلاقة بين التقليد والمعاصرة يمكن النظر إليها بوصفها علاقة تواصل وتكامل وديمومة، وهي بالتالي علاقة فنية أو قيمة لها شروطها ومقوماتها، لا كما يراها البعض على انها علاقة متباعدة ومتنافرة إلى حد القطيعة والافتراق. كما وقع اختيارنا على آلة العود بحثاً وعزفاً، لتأكيد أهمية هذه الآلة في إشعاعها العالمي ورمزيتها لكونها أهم الآلات الموسيقية العربية على مر العصور، ومنذ أن تم اختيار الشكل الأول لهذه الآلة والطريقة الفريدة لاستخراج النغم من قسمة أوتارها، ظل العود من الآلات المفضلة لدى الموسيقيين الهواة والمحترفين، وتبعاً لذلك اعتمدها الفلاسفة والمنظرون في رسائلهم الموسيقية منذ القرن الثالث الهجري «التاسع الميلادي» وفي مقدمتهم يوسف يعقوب الكندي الذي احتل مكاناً رحباً ضمن هذه المرحلة من خلال رسائله التي تعالج تسوية الأوتار التي كانت تضبط على أبعاد رباعية وتسمى «التسوية العظمى». أما الفيلسوف الفارابي فقد تعمق في طريقة تقسيم دساتين العود وشرحها تفصيلياً. هذا وقد ذهب ابن سينا إلى اضافة وتر خامس بشكل نظري من أجل الحصول على الديوانين الكاملين، وللأرموي دور بارز في هذه الحقبة من تاريخ العود. وقد رسم في كتابه «الأدوار» عنق العود والأوتار وثبت على كل منها المراكز الخاصة بها من درجات السلم الموسيقي بالحروف الأبجدية التي كان يستعملها العرب علامات موسيقية. ويبقى أثر زرياب وأسلوبه واضحاً على آلة العود، اذ أضاف وتراً خامساً، كما ابتكر مضراباً «ريشة» من قوادم النسر. العود العود آلة موسيقية شائعة الاستعمال، وفي تاريخه واختراعه أقوال كثيرة اختلف فيها المؤرخون وتباعدت مذاهبهم وتباينت استدلالاتهم التي وقعت في سرد لأساطير وروايات وحكايات تبدأ ولا تنتهي منذ العصور القديمة وإلى يومنا هذا، وبعيداً عن الاستطراد نجد في مقولة الفيلسوف الفارابي مدخلاً رحباً وتعريفاً للعود وتاريخه وأهميته، حيث يقول في كتابه الموسيقى الكبير «آلة العود من الآلات الوترية المألوفة منذ القدم عند الأممالشرقية لا تضارعها آلة موسيقية أخرى في سهولة استعمالها وفخامة الأنغام الخارجة منها ومطابقتها لأنواع الأصوات الإنسانية، غير أن هذه الآلة تفقد كثيراً من أهميتها متى أهمل اختيار مقوماتها ودقة الصناعة فيها». وعندما نريد أن نبحث في التوجهات الحديثة التي اعتمدت في تطوير العود، ينبغي لنا الوقوف بعض الشيء للرجوع قليلاً إلى الماضي لمعرفة المراحل التي مر بها والمتغيرات التي طرأت عليه على مدى تاريخه، بعد أن تعددت أسماؤه وتنوعت أشكاله وكثرت أغراضه التي تأثرت بالحضارات وتلونت بالثقافات التي تعاقبت على مسيرته، بعد أن خلف رجاله في كل هذا الميدان ما لا ينفذ من مبتكرات الأذهان ومبتدعات العقول، وزخرت بذلك كتبهم وأسفارهم التي أصبحت مرتسماً لمناهجه وأساليب العزف عليه، وبهذا يذكر لنا التاريخ أخبار المغنين والملحنين والعازفين على هذه الآلة التي أدى المختصون بها دوراً فعالاً ومؤثراً في أزهى الحضارات وأبهاها، وقد انتقل العود في مراحل تاريخه من ابن مسجح وطويس وسائب خاثر وابن سريج ومعبد إلى منصور زلزل وإسحق الموصلي وزرياب. كذلك نلاحظ الدور الفلسفي البارز الذي أداه أشهر الفلاسفة والمفكرين الذين يتقنون العزف على آلة العود، واتخذوا منه وسيلة لبيان وشرح نظرياتهم في التنظير الموسيقى. ويتبين لنا هذا بوجه خاص عندما نطلع على الأوصاف الدقيقة التي جاءت في عروض دراساتهم ومؤلفاتهم، ويمكن تسمية هذه المرحلة بالنسبة لتاريخ العود ب «المرحلة التنظيرية».