أما فاروق حسني فهو وزير الثقافة المصري الذي أثار جدلا كثيفاً في الأوساط الثقافية والدينية طوال فترة وزارته الممتدة، كان أغلبها حول التناول السالب للقيم الإسلامية عبره شخصياً، مثل انتقاده لظاهرة النقاب التي انتشرت أخيراً وبقوة في المجتمع المصري التي وصفها بالانتكاس والعودة للوراء وتقليد من كانت مصر لهم قدوة في يوم من الأيام من أهالي الجزيرة العربية، أو قضايا أثيرت حين نشرت أو كرمت المؤسسات الثقافية التابعة له كتابات احتوت على اساءات لثوابت اسلامية عقدية وأخلاقية تحت غطاء حرية الفكر والأدب. وأما بنيامين نتنياهو فهو رئيس وزراء الكيان الصهيوني المحتل الذي تولى الوزارة في دورته الأولى حينما ناصر الناخبون اليهود حزبه المعروف بتكتل الليكود «الذي يضم طيفا واسعا من الجماعات اليهودية المتعصبة» وكان أن فاز في الانتخابات على حزب العمل بقيادة اسحق رابين رداً على سنوات مسيرة السلام التي خاضها، ويتولى رئاسة الوزراء حالياً بعد ان فاز في الانتخابات الصهيونية الاخيرة حينما ناصره نفس الناخبين اليهود ردا على اخفاق حزب كاديما برئاسة ايهود اولمرت في النجاح في عملية تدمير قطاع غزة كما يجب. وأما كنيس فاروق فهو كنيس يهودي كان قائما بالقاهرة القديمة بحي الجمالية ضمن أزقة حارة اليهود، وأشتهر بكنيس موسى بن ميمون، وقد تحول الكنيس الى خراب بعدما هجره أهله ضمن هجرة الجالية اليهودية بمصر التي لحقت بأخواتها في عملية الغزو والاستيطان وإقامة الدولة القومية لليهود على اراضي العرب ومقدسات المسلمين في فلسطين، وقد تمت عملية ترميم هذا الكنيس ضمن عمليات ترميم تجرى منذ سنتين للآثار اليهودية «وهي أحد عشر كنيسا مقابل الجالية اليهودية المتبقية في مصر التي يقدر أنها تعد بالعشرات، فيما عده المراقبون محاولة من الوزير حسني لكسب رضاء اليهود وحلفائهم الغربيين للفوز بمقعد رئاسة اليونسكو، بعد اتهامه بمعاداة السامية على خلفية تصريحات أدلى بها الوزير ثم تراجع عنها» في إطار مشروع ترميم القاهرة التاريخية الذي دشن منذ سنوات، وهو احد مشاريع فاروق حسني الكبرى التي أكد انه بقي في الوزارة لإكمالها رغم استقالته التي قدمها ولم يقبلها منه الرئيس حسني مبارك. وعندما حان موعد افتتاح الكنيس نشب خلاف بين المجلس الأعلى للآثار المصرية والطائفة اليهودية حول تنظيم حفل الافتتاح وتوجيه الدعوات، حينما اصرت قيادة الطائفة على توجيه الدعوة لسفير ومسؤولي دولة الاحتلال الصهيوني باعتبارهم أوصياء على الكنيس، بينما تمسك المجلس بأحقيته في رعاية الكنيس باعتباره أثرا يهوديا مصريا..!! وكانت النتيجة أن تم حفل الافتتاح في غياب الجانب المصري وحضور سفيري ومسؤولي دولة الاحتلال والولايات المتحدهالامريكية في القاهرة، وفي أجواء سادها الشرب والرقص أثارت حفيظة جيران الكنيس من المسلمين الذين منعتهم السلطات من الخروج من منازلهم يوم الاحتفال للطريق الذي رصف ونظف من أجل سواد عيون السادة الضيوف..!! وأما كنيس نتنياهو فهو الكنيس المعروف بكنيس الخراب نسبة لتدميره على يد دولة الخلافة العثمانية في المرة الاولى بعد واحد وعشرين سنة من بنائه في القرن الثامن عشر، ومرة أخرى في نفس عام إعادة بنائه عام 1948 للميلاد، وذلك أثناء معارك النكبة على يد القوات الأردنية، ويزعم اليهود أن حاخاماً لهم تنبأ عام 1750 أي بعد الهدم الاول، أن يوم اعادة افتتاح الكنيس هو يوم إعادة بدء بناء هيكلهم المزعوم على انقاض المسجد الاقصى «وقد كذب لأن الكنيس بني للمرة الثانية بعد نبوءته»، وقد بني هذا الكنيس وسط أبنية اسلامية وملاصقا للمسجد العمري المغلق حاليا، وعلى بعد عشرات الامتار من المسجد الاقصى المبارك في حارة إسلامية كانت تعرف بحارة الشرف قبل أن تهوَّد بعد كارثة 1967م لتصير حارة اليهود، وبني كنيس الخراب في ظروف مشابهة لظروف صنوه في القاهرة مع بعض المفارقات المضحكة المبكية، ففي نفس فترة العقد الماضي أُجيزت الخطط لبنائهما، وفي نفس السنوات القليلة الماضية بدأ العمل فيهما، وفي نفس الشهر افتتحا، وهما يشتركان في كونهما محاولة لإثبات الحق التاريخي لليهود في نطاق دولتهم الحلم من النيل الى الفرات، لكن المفارقة العجيبة تأتي عند ملاحظة عملية الفعل ورد الفعل التي تمثلت في ظروف وحيثيات الافتتاح، فبينما افتتح اليهود في مصر كنيس القاهرة بمعزل عن الجانب المصري ردا على ما بذلته الحكومة المصرية من جهود «لابراز المعالم اليهودية في القاهرة القديمة» فإن اليهود في فلسطينالمحتلة وقتوا الافتتاح بعد أن حثت دول المبادرة العربية السلطة الفلسطينية بالمضي قدما في المفاوضات «التي سميت بغير المباشرة» اذعانا للضغط الامريكي رغم رفض وتعنت نتنياهو لشرطهم السابق بوقف الاستيطان. ولا أعتقد أن أحدا يجب أن يلومهم على ذلك.. !! والمفارقة أيضا تتجلى في أن الحكومة المصرية تحاول أن تحفظ لليهود إرثا زهدوا فيه وهجروه في الوقت الذي يحاول فيه اليهود المغتصبون تلفيق إرث لا يجد سندا تاريخيا علميا على حساب الإرث الاسلامي في القدس الشريف، حيث يطل كنيس الخراب الذي بني بارتفاع أربعة وعشرين متراً وبقبة بيضاء ضخمة باعتباره معلما منافسا لقبة الصخرة التي كانت الرمز الوحيد في مشهد المدينة المقدسة القديم. إن المقارنات السابقة كلها، ما هي إلا فقط عملية لترتيب الأحداث لتصل لفهم يمكنك من خلاله تفسير ما حلَّ بنا من نوازل وما صار اليه حالنا من مهازل، حتى لا يكون رد فعلنا الأبدي كلما ألمت بنا الكوارث، أن تبحَّ أصواتنا في الدعاء على اليهود المجرمين والتظاهر ضدهم في الميادين.