يغادر السيد النائب الاول للرئيس البلاد غدا متوجها الى العاصمة المصرية،فى زيارة يعدها المراقبون اكثر من هامة؛لانها تأتي فى اطار زمني لا يقبل «الرمادية» فى العلاقات بين القطرين الشقيقين. فمصر لم تستعد بعد مضي نحو« 9» اشهر على الثورة هدوءها التأريخي بعد، والتوافق بين القوى السياسية والحزبية على ارض الكنانة لم يتشكل بعد. فمنذ نجاح ثورة 25 مايو، اظهرت الجماعة المصرية انقساما حادا ازاء مختلف القضايا التي تحتاج لاجماع من القوى التى دعمت عملية التغيير، ومنها التعديلات المطلوبة على الدستور المصري وقانون الاحزاب و?انون مباشرة الحقوق السياسية وموعد الانتخابات نفسها، بالاضافة الى التسامح الذي يبديه المجلس العسكري الحاكم تجاه رموز المرحلة السابقة، مما يمهد الطريق بحسب مناصري التغيير الشامل لعودة الحزب الوطني من الابواب الخلفية لكراسي الحكم. ولقد ظل السودان من جهته يراقب الاوضاع عن كثب منذ تفجر الثورة، وابدت الخرطوم حرصا بالغا على دعم عملية التغيير هناك، وكان البشير اول من هنأ الشعب المصري بالتخلص من نظام مبارك، وتبعت زيارة البشير زيارات رسمية وشعبية، شملت مساعد الرئيس فى القصر والحزب الحاكم د. نافع علي نافع، ووزير الخارجية د. على كرتي، كما استقبلت الخرطوم رئيس الوزراء المصري فى اولى زياراته الخارجية وبمعيته وفد كبير من اعضاء حكومته. ورأى مراقبون ان هذه الزيارة وسابقاتها تعكس اهتماما بالغا من قبل الخرطوم بما يحدث فى القاهرة، وان الاهتمام ينبع من حرص السودان على وضع اساس متين للدولة الجديدة فى مصر، لذا فان حرص الخرطوم على اجراء الانتخابات الرئاسية والانتخابات التشريعية، يأتي اتساقا مع رؤية الحكومة السودانية، بضرورة ان تواكب التطورات فى القاهرة عملية التغيير التى تمت. وافاد المستشار الاعلامي السوداني فى مصر بابكر حنين بان النائب الاول يلبي دعوة من الحكومة المصرية لمناقشة القضايا المشتركة، مشيرا ان الدعوة لامست فى ذات الوقت رغبة لدى علي عثمان طه للاطلاع على الاوضاع هناك ما بعد الثورة، وبحث العلاقة بين القطرين مع القيادات الرسمية والشعبية. وتأتي زيارة طه الى القاهرة متأخرة عن الموعد المضروب لاكثر من شهرين، فقد تأجلت من الاسبوع الاخير ليوليو الماضي، بطلب من الحكومة المصرية لاسباب لم تعلن عنها القاهرة رسميا، لكن المستشار الصحفي لرئاسة الجمهورية السودانية، عماد سيد أحمد، قد كشف حينها لوسائل اعلام عربية ان الزيارة تأجلت بعد اتصال هاتفي تم بين نائب الرئيس ورئيس الوزراء المصري الدكتور عصام شرف، اتفق فيه الجانبان على التأجيل لمزيد من الاعداد والترتيب للزيارة والتي يشارك فيها مجموعة من وزراء القطاع الاقتصادي، لدعم التواصل بين البلدين. غير ان صحيفة ?روزاليوسف» المصرية نقلت حينها عن مصادر حكومية هناك ان سبب التأجيل يعود الى التطورات السياسية السالبة الممسكة بخناق البلد، فى ظل التباينات بين مواقف القوى السياسية، بالاضافة الى الاشتباكات والعنف الذي شهدته القاهرة. واعلن القطران حينها أن برنامج الزيارة كان يستهدف اتخاذ عدة خطوات عملية للتعاون بين البلدين خاصة في الاتفاقيات التي أبرمت بينهما في اجتماع اللجنة المصرية السودانية الاخير بالخرطوم فى حضور عصام شرف. وكان من المقرر أن يرافق عثمان طه عدد من الوزراء هم علي كرتي وزير الخارجية، وجلال يوسف الدقير وزير التعاون الدولي، وكمال عبيد وزير الاعلام، وعبد الحليم المتعافي وزير الزراعة، وعبدالوهاب عثمان وزير الطرق والجسور، ومحمد المختار حسن وزير الدولة بوزارة مجلس الوزراء، والفاتح علي الصديق وزير الدولة بوزارة المالية، وفضل عبدالله فضل وزير الدولة بوزارة التجارة الخارجية، بجانب امين حسن عمر الوزير برئاسة الجمهورية. لكن وفد النائب الاول الى القاهرة لم يتم اعلانه حتى كتابة هذه السطور. غير ان من المتوقع ان يضم ذات الوج?ه التي اعلنت للزيارة السابقة بالاضافة الى وزير الكهرباء والسدود أسامة عبدالله والذي ينتظر ان يوقع مع نظيره المصري حسن يونس غدا الثلاثاء عقد تنفيذ مشروع الربط الكهربائي بين البلدين. بيد ان الملفات التي يحملها طه الى القاهرة هذه المرة ربما تكون مختلفة، وذلك بحسب ماصرح به مدير مكتب المؤتمر الوطني بمصر د. الوليد سيد، فقد قال سيد ل» الصحافة» اول من أمس، ان النائب الاول سيجري مباحثات حول العديد من القضايا المشتركة وتشمل حلايب والمياه، مع رئيس المجلس العسكري الانتقالي المشير طنطاوي ورئيس الوزراء عصام شرف، علاوة على اطلاع القيادة المصرية على تطورات الاوضاع السياسية فى السودان. وكشف سيد ان السفارة السودانية اعدت ملفات تتعلق بكافة القضايا المشتركة،وذلك بهدف تعزيز العلاقات بعد التطورات التي ?دثت فى مصر. واعتبر رئيس المؤتمر الوطني فى القاهرة الزيارة تكملة للجهد الرسمي الذي بدأه البشير ود. نافع على نافع لدفع العلاقات بين البلدين. ورأى المستشار الاعلامي للسفارة السودانية فى القاهرة بابكر حنين ان زيارة طه تأتي دعما لمسيرة الثورة المصرية والتغيير الذي تم فى البلاد، مشيرا الى خصوصية العلاقة بين القطرين الشقيقين والتأثيرات البالغة لكل منهما على الاخر. وقال حنين هاتفيا ل» الصحافة» من القاهرة: فى اطار المساندة السودانية الرسمية والشعبية لخيارات الشعب المصري كان لابد ان يبرز دور قيادي بحجم علي عثمان طه النائب الاول للرئيس. واعتبر بابكر حنين « حضور النائب الاول فى هذا التوقيت يشكل دعما للقطر المصري، فى طريقه لتحقيق الديمقراطية عن طريق الانتخاب». واشار المستشار الاعلامي السوداني فى القاهرة الى ان هذه الزيارة تعد «سانحة طيبة لكي يستمع الاشقاء فى البلدين لبعضهم عن قرب، لان ليس من سمع كمن رأى». ومضى حنين لتأكيد أهمية مردود مثل هذه الزيارات فى ان يستمع الاشقاء مباشرة الى ما يحدث فى القطرين، وقال ان النائب الاول سيستمع للاخوة فى مصر ويسمعهم مايجري فى السودان. وابان المستشار الاعلامي ان هناك بعض القضايا المشتركة بين القطرين ربما قد تناقش ومنها حلايب والحريات الاربع، فضلا عن كل القضايا التي يمكن ان تجد مناقشتها استجابة من الحكومة المصرية. لكن حنين فتح الباب امام مناقشة قضايا اخرى وقال: ربما تنظر الزيارة فى قضايا اخرى، وهو امر متوقع. ولفت مستشار السودان الاعلامي فى العاصمة المصرية الى الظرف الذي تتم فيه زيارة الوفد السوداني بقيادة النائب الاول للرئيس الى القاهرة، وقال ان الربيع العربي الذي تعيشه المنطقة يمثل افضل الظروف التي يمكن ان يلتقي فيها اهل الجوار الواحد?من اجل تبادل الافكار التي تصلح لعملية تداول السلطة بسلام فى اجوائه. وقلل المستشار الاعلامي بابكر حنين من فرص مناقشة ملف مياه النيل باستفاضة خلال هذه الزيارة، واشار الى وجود تعاون كامل ووثيق بين البلدين حول المياه، موضحا ان السودان يتفهم مسببات القلق المصري» اذ ان المياه تمثل عصب الحياة للمصريين»، مبينا ان الاجهزة المعنية بالملف فى البلدين بقيادة وزارات الرى تعمل بتفاهم وانسجام،لان من يقف على رأسها على الجانب السوداني وزير يجد كل الاحترام والتقدير من الاشقاء لمقدراته وخبراته العملية الكبيرة. ومن على الجانب الاخر تنتظر القاهرة ان تعطي مخرجات هذه الزيارة دفعة قوية لما اتفق عليه من خلال اجتماعات اللجنة الوزارية العليا فى مايو الماضي،ويشير الخبير المصري فى الشئون السودانية المصرية هاني رسلان الى ان زيارة النائب الاول تتزامن مع الخطوات المتسارعة لفتح الحدود والمعابر بين البلدين تسهيلا لحركة التجارة والسلع والبشر، لافتا الى ان الاجراءات الجديدة بشأن المعابر اتاحت لاول مرة امكانية التنقل بين الاسكندريةوالخرطوم بالسيارات. واكد رسلان ان مصر حكومة وشعبا موحدة ازاء اهمية تدعيم العلاقات بين البلدين من اجل مصالح الشعبين. وتوقع ان يناقش الطرفان فى القاهرة اتفاقية الحريات الاربع، لان بلاده لم تنفذ ما يليها بشأن الغاء القيود على دخول السودانيين، لكنه اشار فى المقابل الى التيسيرات الكبيرة التي تتم عند منح تأشيرة الدخول للسودانيين. مرجعا التعثر الواضح الذي يلازم هذا الملف المهم الى المخاوف المصرية من حدوث تدفقات لمهاجرين من دارفور ومناطق النزاع نتيجة لعدم الاستقرار، ورأى رسلان ان هذه التدفقات قد تكون فى غير صالح العلاقة بين البلدين?نظرا لان اغلب المهاجرين لايملكون مهارات او رؤوس اموال، مما يجعل من وجودهم ضغطا امنيا وسياسيا على الحكومة المصرية،فضلا عن التوترات الاجتماعية المحتملة لعدم توافر الظروف المعيشية المناسبة. غير ان الرجل عاد وقال : هذه قضية عارضة من الممكن حلها. واضاف: من الممكن ان يتم التوصل بين البلدين لتفاهمات حول هذه القضية،إن تم التطرق اليها، سعيا وراء تعزيز العلاقات وازالة العوائق امامها. ومن المتوقع ان تتطرق المباحثات الى ملف اخر يعد الاكثر حساسية بين الخرطوموالقاهرة،وهو ملف مدينة حلايب المحتلة. وبحسب ما اعلن مدير مكتب الوطني فى مصر، وما راج فى وسائل الاعلام فان ملف حلايب سيكون احد الملفات التي سيناقشها النائب الاول مع الاشقاء فى مصر. وربما ما يدعم من ذلك ان المعابر التي تم الاتفاق عليها مؤخرا بين البلدين وضعت كامل الجانب السوداني من الحدود جنوب الخط» 22»، وهو ما يعني اعترافا ضمنيا سودانيا بمصرية حلايب المتنازعة. وقد رأى رسلان فى حديثه الهاتفي مع « الصحافة» ان من الاوفق للبلدين الوصول الى تفاهم حول حلايب دون اللجوء للتحكيم كما تطالب جهات سودانية مختلفة، واضاف: الحل الثنائي اقرب للواقع وللعقل والعاطفة!!. وفضل الخبير المصري ان يبرز الموقف الشعبي لبلاده من قضية حلايب لكي يدعم ما ذهب اليه، فقد قال ان العقل الجمعى لدى المصريين يرفض» تعريض الارض المصرية للتحكيم الدولي»!!. وزاد رسلان: الامر به نوع من الحساسية لدى المصريين. لافتا فى هذا الاطار الى ان مصر لم تذهب الى التحكيم الدولي لاثبات احقيتها فى « طابا»، وان مصر ذهبت لتحديد موقع علامة حدودية. ورغم ذلك يذهب رسلان الى ان حلايب المحتلة لا يجب ان تظل حجر عثرة بين البلدين الشقيقين، وان من الممكن العودة الى ما كان قائما، خاصة وان «المنطقة فقيرة الموارد». ورأى الخبير فى العلاقات السودانية المصرية ان المخرج الوحيد من الأزمة يكمن في جعل حلايب منطقة تنمية مشتركة.