تأخرت الأحزاب السودانية التقليدية في الاستفادة من المناخات الايجابية المتوفرة في السودان بعد اتفاقية نيفاشا وتوظيف أجواء الحريات النسبية في بناء الكيانات الحزبية والتمدد التنظيمي في أوساط الشباب والمرأة والقطاعات الفئوية والتوسع الأفقي والرأسي في بناء مؤسسات المجتمع المدني مع تفعيل النشاط الإعلامي الحزبي ،فانشغلت الأحزاب بصراعاتها الداخلية والتعاطي مع الأحداث اليومية بعيداً عن التخطيط الاستراتيجي والعمل المؤسسي وظل الحراك الديمقراطي لمعظم الأحزاب أسير اجتهادات فردية بعيدة عن النشاط المدروس والمنظم . ويبقى التعلل بسنوات الاستبداد الطويل في العهود الشمولية وما لاقته الأحزاب المعارضة من تضييق وحرمان من العمل السياسي وتجفيف لمنابع التمويل بالمصادرة والمحاربة الاقتصادية . . حجة غير مقنعة للمراقب السياسي فمهما بلغت سطوة وسائل القمع تبقى هناك مساحات واسعة للعمل التنظيمي السري الذي تجيده الحركات الإسلامية في العالم العربي بأكثر مما تعرفه الأحزاب اللبرالية واليسارية . . وربما تكون جماعة الإخوان المسلمين في مصر خير شاهد . . فرغم تعرضها لأبشع أنواع القمع والقهر السياسي في عهد ثورة يوليو ،إلا أنها خرجت من السجون الناصرية لتعيد تمددها الشعبي في عهد الرئيس أنور السادات وتنشط في نشر الدعوة حتى سيطرت على أغلب النقابات المهنية المصرية في التسعينيات ،وتمكنت رغم آلة القمع من إحراز نتائج متقدمة في الانتخابات البرلمانية السابقة رسخت دور الإخوان كرقم صعب عصي التجاوز ومنافس كبير للحزب الحاكم بمصر في مختلف المحافظات والقرى والنجوع . . هذا بخلاف حزب الوفد ذي الشعبية والتاريخ اللبرالي منذ ثورة 1919م، حيث تضاءل تأثيره الجماهيري بعد الحقبة الناصرية وتلاشت شعبيته برحيل نخبة الباشاوات الإقطاعيين وشيخوخة مناصريهم في ظل التحولات الاجتماعية والديمغرافية التي صنعتها ثورة 23 يوليو 1952م . ولعل من نجاحات الحركة الإسلامية في السودان هو رهانها على الشباب منذ عهد المصالحة الوطنية مع النظام المايوي غير آبهة بالسخرية من إدارة البلاد على طريقة اتحاد الطلاب في عهد الإنقاذ، حيث انتهجت تنظيم المؤتمرات الشعبية في استقطاب اليافعين وتجنيدهم في معسكرات الدفاع الشعبي والشرطة الشعبية والخدمة الوطنية الإلزامية وغيرها من المنظمات المدنية والعسكرية فأثمر ذلك عن أجيال من الشباب قوى عودهم واشتد ساعدهم عبر عقدين في عهد الإنقاذ . . وبلا شك أن الرهان على الشباب سيكون رابحاً في حسم المعركة الانتخابية القادمة خاصة وان نسبة مقدرة منهم تدلي بأصواتها في الاقتراع للمرة الأولى في انتخابات تعددية حرة . توقعت الجماهير أن تجر أحزاب المعارضة حكومة الإنقاذ نحو صناديق الاقتراع الحر مع ضمان المراقبة الدولية لتأكيد نزاهة الانتخابات الديمقراطية وخاب ظنها حين طالبت المعارضة بتأجيل إجراء الانتخابات بحجج لا تكاد تقنع الشارع المعارض فضلاً أن تحظى بتأييد الشعب المتأهب لاختيار حكامه وممثليه في البرلمان .