من كان يتوقع أن يعترف المؤتمر الوطني بالقوى السياسية التقليدية منها والحديثة التي لها رؤية محددة في طريقة الممارسة السياسية التي ينتهجها المؤتمر الوطني، وطريقة تعامله مع القوى السياسية بمزيد من العنجهية التي باعدت المسافة بينهما وقللت فرص التلاقي التي كان من المفترض ان تكون افضل من القائمة الآن، والتي ظهرت فيها المحاصصة بشكل واضح لا يغيب عن فطنة اي مواطن يتابع تطورات الاحداث في السودان، وبصفة خاصة التشكيل الحكومي المرتقب الذي اصبح يتباعد يوما بعد يوم. وكما هو معلوم فإن الانقاذ الوطني عندما قامت كان لها رأي واضح في القوى السياسية التقليدية، خاصة حزبي الامة والاتحادي الديمقراطي، وحددت الانقاذ خلال تطورها الدستوري في بادئ الأمر المشاركة الفردية لرموز الاحزاب دون مشاركة احزابهم، ومنهم من قبل هذا الامر مثل الدكتور حسين ابو صالح من الحزب الاتحادي الديمقراطي الذي كان نائباً في برلمان 1986م عن الحزب في دائرة شندي، وشغل عدة مناصب وزارية في حكومات الفترة الحزبية ولكن قبل المشاركة مع الانقاذ الوطني، وشغل منصب وزير السكان والتشييد ثم الرعاية الاجتماعية ثم الخارجية. ولم يكن حزب الأمة القومي برئاسة السيد الصادق المهدي بعيدا عن المشاركة، فقد تولى المرحوم عثمان عبد القادر عبد اللطيف في عهد الانقاذ الوطني عدة وزارات منها الاشغال والنقل، والمعروف أن عثمان عبد القادر عبد اللطيف أحد نواب حزب الأمة القومي في برلمان 86م عن دائرة ود رعية في ولاية الجزيرة، وشغل منصب حاكم الإقليم الاوسط الذي كان يضم ولايات الجزيرة وسنار والنيل الأبيض والنيل الازرق. ولكن عثمان عبد القادر عبد اللطيف تفوق على الدكتور حسين سليمان ابو صالح ووصل الى منصب نائب الأمين العام للمؤتمر الوطني الذي كان يشغله الدكتور حسن الترابي في ذلك الوقت. ولكن المؤتمر الوطني اكتشف أن المشاركة الفردية لرموز الاحزاب لا تحقق الغرض المطلوب من حفظ التوازن وعدم تكالب القوى الداخلية والخارجية عليه، وفرض ما لا يرضاه أو يتعارض مع سياساته ويقلل من سلطته على البلاد، فبدأت مرحلة جديدة من الانفراج السياسي، وهي المشاركة الحزبية والتخلي عن سياسة المشاركة الفردية لرموز الأحزاب. وقادت صحيفة «أخبار اليوم» ومؤسسها الاستاذ احمد البلال الطيب حملة ضخمة وهي تبشر بعودة قيادات سياسية كبيرة للمشاركة في الحكومة، مثل الزعيم المرحوم الشريف زين العابدين الهندي الذي قاد من القاهرة برنا?ج المشاركة في الحكومة من أجل السودان وليس من أجل الانقاذ الوطني، وكان الجميع يتابعون عبر صحيفة «أخبار اليوم» وصول «وفد المقدمة» من المعارضة الذي تابعه الجميع يوما بعد يوم الى ان وصل وتمت المشاركة، وبالتالي ضمنت الحكومة دخول الحزب الاتحادي بأعلى مستوى من المشاركة، وهو الأمين العام للحزب ونائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية ونائب دائرة الحوش بولاية الجزيرة في البرلمان عام 1986م. ولم يبق لحكومة الإنقاذ الوطني سوى مشاركة حزب الامة، وعملت لذلك من الداخل إلى أن استطاعت أن تظفر بمشاركة مبارك الفاضل، وهو من أسرة المهدي وشغل منصبي وزير التجارة ووزير الداخلية في حكومة الصادق المهدي قبل انقلاب الانقاذ في عام 1989م، ولكن مبارك الفاضل جاء بطموحات، خاصة أنه يزعم أنه من المؤسسين للتجمع الوطني المعارض الذي تكون في القاهرة عقب وصول الإسلاميين الى السلطة، وحاول فتح خطوط مع بعض الجهات التي تراها الانقاذ معادية، وحاول لي ذراع الحكومة، لكن الحكومة أطاحته من القصر الجمهوري الذي كان يشغل فيه منصب مساع? رئيس الجمهورية. وحاولت الحكومة أن تجعل من القادمين مع مبارك قيادات حزبية، حتى لو خرج واحد لا يكون له تأثير، فجعلت الزهاوي إبراهيم مالك رئيساً للتنمية والاصلاح، وجعلت مسار ونهار والصادق الهادي رؤساء لأحزاب الامة الفيدرالي والقيادة الجماعية والامة الوطني، واحتفظت بالحزب الاتحادي والدقير واحمد بلال واشراقة في حزب واحد. ولكن المؤتمر الوطني اكتشف أن هذه المشاركة لا تحقق الغرض أيضاً، بعد التطورات التي حدثت في البلاد، مثل انفصال الجنوب والتطورات الاقليمية في البلدان العربية وما عرف في وسائل الاعلام بالربيع العربي الذي اطاح عدداً من الروساء مثل مبارك في مصر وبن علي في تونس والقذافي في ليبيا. ورغم أن دكتور نافع علي نافع نائب رئيس المؤتمر الوطني للشؤون السياسية والتنظيمية أكد أن الربيع العربي جاء في صالح المؤتمر الوطني والسودان بصفة عامة، في إشارة إلى أن الربيع العربي قد أزاح مبارك والقذافي وقد كانا دوما ضد مصلحة السودان، وإن كان القذافي قد تفوق على مبارك بدعم حركات التمرد في الجنوب ودارفور، وبالتالي فإن الربيع العربي قد ازاح هماً كبيراً عن السودان، وخفف الضغط السياسي الإقليمي والدولي عليه، وقد كان مبارك والقذافي جزءا من هذا الضغط، وايضا انشغال القوى الدولية بهذه التطورات في بلدان الربيع العر?ي. ويبدو أن المؤتمر الوطني لم ينظر إلى الجوانب الايجابية للربيع العربي التي في مصلحته ونظر إلى الجوانب الاخرى التي قد تشكل تهديداً مباشراً أو غير مباشر لسلطته، فقد اجتهد كثيراً من أجل إدخال الحزبين الكبيرين في الحكومة ذات القاعدة العريضة وان لم ينجح المؤتمر الوطني مع حزب الامة إلا أن تباشير النجاح مع الجزب الاتحادي لاحت في الأفق القريب جدا، ولكن الأهم من هذا هو مشاركة نجلي السيد الصادق المهدي «العقيد عبد الرحمن» ونجل السيد محمد عثمان الميرغني «جعفر الصادق» في الحكومة مساعدين او مستشارين لرئيس الجمهورية، وهذ? ستكون اوقع من المشاركة السياسية للحزبين، لأن جموع الانصار في دارفور وكردفان والجزيرة وبقية مناطق السودان تعتبر الأمر مشاركة كبرى، لأن السيد عبد الرحمن نجل الصادق المهدي مشارك في الحكومة، وبنفس القدر تعتقد جماهير الختمية في الشرق والشمالية وبقية مناطق السودان مشاركة نجل السيد الميرغني في الجكومة مشاركة مباركة من السيد الميرغني، وبالتالي يضمن المؤتمر الوطني بعض الولاء المؤقت لجماهير الانصار والختمية، بفضل مشاركة عبد الرحمن والسيد جعفر الميرغني، ويضمن زعماء الأمة والاتحادي فترة تدريبية رئاسية لنجليهما تعدهم? للفترة القادمة التي تُعاد فيها الديمقراطية للبلاد. لكن الشيء الذي غاب عن المؤتمر الوطني أن الربيع العربي حركته قوى شبابية دون قيادات سياسية، أو كانت من أسبابه على الاقل ان لم تسرق هذه الثورات في نهاية المطاف مثلما يحدث الآن في مصر لحماية الثورة من الاختطاف. ومن أهم ما يعالجه المؤتمر التنشيطي للمؤتمر الوطني اليوم والحكومة المختارة غداً، الاهتمام بقضايا الشباب والاقتصاد والحريات العامة، وفتح مجال المشاركة واسعاً من أجل بناء أمة ناهضة لسودان واعد.