تجد الحكومة السودانية نفسها مرةً أخرى امام المجتمع الدولي وجهاً لوجه، وهي التي ظنت انها وبمباركتها انفصال الجنوب في يوليو الماضي ستكون في منأى من تحركات لوبيات الضغط الغربية كما ظنت انها ستكسب أصواتا كثيرة لطالما ارتفعت تنادي بممارسة شتى انواع الضغوط على السلطة الحاكمة في السودان . ويتضح الان وبصورة جلية ان ثمة قضايا تُركت لتكون فزاعة للمجتمع الدولى يرفعها في وجه الخرطوم في الوقت الذي يشاء . وسرعان ما أتى هذا الوقت متكئاً على قضايا تُركت عالقة لتُشكل نواة يستعين بها للمجتمع الدولي لجعل الحكومة السودانية تحت الضغط المستمر . ويذهب متابعون الى ان السياسات الداخلية التي ظلت الخرطوم تتبعها منذ أكثر من عقدين تسببت في جعل الحكومة السودانية في حالة مواجهه لا تنقطع مع المجتمع الدولي ، وهو ما لم يخفه القائمون على أمر العباد في السودان الذين ظلوا على الدوام يرفعون شعارات تحدى للعالم الخارجي ، فيما لم يستبعد المحلل السياسي عمر حمد حاوي ان تؤدي تلك المواجهات الدولية في نهاية الأمر الى اسقاط النظام القائم الآن راهناً حدوث ذلك بتكاتف تلك الضغوط مع سياسات محلية تصر الحكومة على اتباعها، وقال حاوي ل « الصحافة » « هناك قضايا داخلية تجد تفاعلا من قبل المجتمع ، وهي قضايا جعلت النظام شبه معزول وبالتالي في حالة تعرض دائم للضغوط والحصار « . في الوقت الذي لم تخفِ الولاياتالمتحدةالأمريكية مضاعفتها الضغوط على الخرطوم اذا ما استمرت الأخيرة في رفضها قبول مساعدات انسانية لمواجهة خطر المجاعة في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، وذكر برينستون ليمان في تصريحات صحفية، ان بلادة تخشي احتمال حدوث مجاعة واسعة في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق ، وانها في الطريق نحو مضاعفة الضغوط على الخرطوم لقبول مساعدات وإلاّ ستواجه عملية إغاثة دون موافقتها . وبدا ان الضغوط متبادلة وان كانت من نوع آخر حيث تحدث ليمان عن مواجهتهم ضغطاً كبيراً لبحث سبل نقل المساعدات عبر الحدود السودانية، وقطعاً دون موافقة الحكومة في حال لم يفتح الباب لدخول دولي ، ويتوقع ان يُمارس ضغط أمريكي عالي المستوى من قبل نائب وزير الخارجية « بيل بيرنز» الذي سيشارك في قمة الاتحاد الأفريقي خواتيم الشهر الحالى من أجل حشد دعم اقليمي لمكافحة أزمة الغذاء ، وقال ليمان نعلم ان الحكومة ستعارض ذلك، لكن اذا كنا نريد فعل شئ قبل مارس وفي حال فشل الاتحاد الافريقي في ذلك بحلول نهاية يناير سنصبح في موقف خطير . ويبدو ان الحكومة السودانية لا تبدي كثير اهتمام بالوعيد الأمريكي لان ما تتخذه واشنطن ذريعة لممارسة ضغوطها قد تجاوزه الزمن الحكومي، ووفق المتحدث باسم وزارة الخارجية العبيد أحمد المروح فان الخرطوم لا تلقي بالاً لتصريحات المسؤولين الأمريكان التي يتخذونها مطية لفرض مزيد من التدخل في الشأن المحلي، وقال مروح ل« الصحافة » ان مواقف السودان الأخيرة الخاصة بالسماح للمنظمات الأممية بتقديم الغذاء لفاقديه وجدت الاشادة من قبل المجتمع الدولى والاتحاد الأوربي حيث عبر ممثل الاتحاد الاوربي في الخرطوم أمس عن اشادته بتلك الخطوة شريطة ان تكون خطوة أولى تتبعها خطوات أُخر . وكانت الخرطوم تأمل من اعلان اعترافها بدولة الجنوب ان تنال رضا المجتمع الدولي لكنها وحتى الان لم تجنِ سوى مزيد من الضغوط الدولية جراء الأزمة المتفاقمة في جنوب كردفان وليس آخرها قرار مجلس الامن 2003 الذي تم بموجبه تمديد مهمة بعثة حفظ السلام في دارفور « اليوناميد لعام آخر وبصلاحيات واسعة اعترضت عليها الحكومة السودانية بشدة وقتذاك، ولعل مشكلة جنوب كردفان والنيل الأزرق احدى ما قطفته الحكومة بعد اعلان انفصال الجنوب ، ويرى محللون ان الحرب الدائرة هناك نتاج طبيعي لعدم التوصل الى اتفاق سياسي بين الاطراف المختلفة ، واللافت ان الاتحاد الأوربي هو الآخر عبر عن قلقه أمس الاول ازاء تصاعد التوتر في العلاقات بين السودان وجنوب السودان في ولايات جنوب كردفان والنيل الأزرق كما حمّل الحكومة السودانية مسؤولية حماية المدنيين على أراضيها . لكن الحكومة تتهم مجموعات ضغط موالية للادارة الأمريكية تعمل داخل أروقة الاممالمتحدة بالاضافة الى نشاط عدد من الاطراف» المنخرطة في سلوك عدائي ضد السودان ، بتحريك الملفات السودانية داخل أروقة مجلس الأمن والمجتمع الدولي من أجل استصدار قرارات دولية قد تؤدي في الختام الى تدخل قوات دولية في السودان ، وهو ما لم يستبعده الدكتور عمر حاوي الذي اشار الى امكانية التدخل الدولي في البلاد كنهاية حتمية لكمية الضغوطات الموجهة على الحكومة الاّ انه في ذات الوقت يعتبر ان التدخل الخارجي بأشكالة التقليدية المباشرة قد ولى زمانه واضحى ليس من المناسب الارتهان على نتائجه في الوقت الحالى، وتابع « هناك نوع مستحدث من التدخل فيما يُعرف بالدبلوماسية الناعمة والحصار الاقتصادي وايقاف عمليات التمويل وغيرها من الأفعال التي تحدث آثاراً أكثر عمقاً « ، مضيفاً ان الحكومة في مرحلة متقدمة من الانغلاق نحو الذات ومتجهة نحو المزيد من العزلة، وزاد حاوي قائلاً « ان الكرة الان في ملعب الحكومة بمقدورها ان تُفشل تلك السياسات الخارجية الخانقة عبر تغيير اسلوب المواجهة واتاحة مزيد من الحريات، بالاضافة الى اتخاذ حزمة من التدابير الاصلاحية ووضع حد للصراع الدائر في المناطق المتاخمة لدولة الجنوب « . في الاثناء ، تنفي الحكومة تعرضها الى عزلة دولية إلاّ اذا كانت مفروضة من الولاياتالمتحدة، أما ان كانت مفروضة من الدول الاوربية أو الأسيوية أو بقية دول امريكا فهي مجرد افتراضات لا أساس لها من الصحة. ويرى العبيد مروح ان أمريكا تسعي الى ترويج فكرة عزلة الحكومة السودانية من أجل خدمة أجندتها الخاصة وذلك جزء من الحرب التي تشنها على السودان ، مبرراً الأفعال الأمريكية لكي تفرض مزيدا من العقوبات ، كما ان لواشنطن هدفا آخر، يعتقد مروح انه يقف وراء مساعيها المعادية للخرطوم، وتريد ان تسوق العالم في ذلك الاتجاه حتى تبرر عدم ايفائها بما وعدت به تجاه الحكومة السودانية .