تعتبر عادة ختان الإناث من العادات السالبة والمتجذرة في الحياة الاجتماعية لغالبية السكان لارتباطها بالدين والطهارة والإناث، وبالرغم من ذلك تبذل العديد من المؤسسات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني الكثير من الجهود لمنع ممارسة عادة ختان الإناث، ووضعت من أجله الكثير من السياسات لمناهضته من خلال الحملة الاعلامية للقضاء على ختان الإناث في اطار الحملة الاعلامية القومية لحماية الاطفال التي اطلقها المجلس القومي لرعاية الطفولة في عام 2007م، والاستراتيجية القومية للقضاء على ختان الإناث خلال جيل 2008 2018م، واقامة ورشة ختان الإناث عادة ام عبادة للعلماء والاعلام باتحاد الصحافيين بالتعاون مع وزارة الرعاية والضمان الاجتماعى واتحاد الصحافيين واليونسيف واستخدام الحملة الثقافية المحلية «سليمة» في عام 2008م من أجل تعزيز القيم الاجتماعية الإيجابية. وتناول الموضوع ضمن الإطار الواسع لحماية الطفل، وكانت قد اصدرت ولايات جنوب كردفان، القضارف، جنوب دارفور والبحر الاحمر قوانين لمنع وتجريم ممارسة ختان الإناث. وفي ورقة «الوضع الراهن لختان الإناث في السودان» التي قدمتها منسق برنامج الختان بالمجلس القومى لرعاية الطفولة أميرة أزهري فضل الله، فقد كشفت معدتها أن تقديرات منظمة الصحة العالمية تؤكد أن هناك ما بين 100 و 140 مليون امرأة وبنت في العالم تعرضن لشكل من أشكال ختان الإناث. وتنتشر هذه العادة بنسب عالية في دول القرن الافريقي وفي السودان ومصر وشرق وغرب أفريقيا، مع ظهور بعض الحالات في أجزاء من الشرق الأوسط. وكشفت الورقة أن نسب انتشار ختان الإناث «تشويه الأعضاء التناسلية للإناث» في الولايات من خلال المسح الصحي الأسري عام 2010م كانت في الشمالية 83.3%، نهر النيل 83.4%، البحر الاحمر 76.5%، كسلا 78.9%، القضارف 50.4%، الجزيرة 66.6%، سنار 67.4%، النيل الأزرق 48.7%، شمال كردفان 70.5%، جنوب كردفان 66.1%، شمال دارفور 60.5%، جنوب دارفور 60.9%، غرب دارفور 46.0%، الخرطوم 64.8%، النيل الأبيض 71.7%. واشار اختصاصي النساء والتوليد د. سعد الفاضل فى ورقته حول الرؤية الطبية للختان الإناث، الى المضاعفات والامراض التى تنتج عن عملية الختان. وكشف عن دراسة بهذا الصدد اوضحت ان العدد الاجمالى للمريضات اللائي يترددن على العيادة بلغ 12615 مريضة، يصل عدد المختونات منهن الى حوالى 9006 مريضة بنسبة تصل الى 71%، وصلت نسبة الفرعونى منها الى 63%، وكانت نسبة الحضور الناتجة عن عملية الختان قد بلغت لدى 914 مريضة 7.2% «واحدة من كل 13 مريضة مترددة على العيادة». وفيما يختص بنوعية المضاعفة ذكر الفاضل ان هنالك مضاعفات على المدى القصير واخرى البعيد، مبينا ان على المدى القصير وجدت حوالى 18 حالة نزيف دموى كثيف، بجانب 20 حالة حبس بول حاد و14 التهاب حاد بالجرح اصابة واحدة مباشرة لمجرى البول وناسور بولى بنسبة بلغت 6%. وعلى المدى البعيد اوضحت الدراسة ان هنالك 338 حالة تكيس مهبلى جهنى، و228 عدم قدرة على مباشرة الحياة الزوجية، و63 حالة بسبب الالتهاب المزمن، و19 حالة عقم و14 حالة تشتت بولي بسبب الفتحات، و8 حالة عدم امكانية الكشف المهبلى مما يؤخر تشخيص الاورام بنسبة كلية بلغت 94%، وقال ان هذه المضاعفات التى كشفت عنها الدراسة مضاعفات خطيرة وذات اهمية صحية كبيرة، مؤكدا ان بعضها يشكل تهديداً لحياة المرأة والاخرى تؤدى الى عاهات مستديمة. وبالرغم من الجهود المبذولة لمحاربة هذه الظاهر، يرى د سعد الفاضل انها مازالت تمارس بنسب كبيرة، وقال ان الدراسة التى اجرتها منظمة الصحة العالمية فى ست دول بينها السودان، شملت 28393 سيدة حضرن للوضوع ويحملن جنينا واحداً فى الفترة من نوفمبر 2001- مارس 2003م، وبالمقارنة مع المشاركات كشفت الدراسة زيادة فى نسبة الولادة القيصرية بنسبة وصلت الى 30%، ونزيف ما بعد الولادة بنسبة 70%، بجانب زيادة حالات وفيات الاطفال اثناء وبعد الولادة. وتبين من الدراسة ان ختان الإناث يتسبب فى زيادة موت الاجنة والاطفال حديثى الولادة بنسبة 10 20 موت اضافى فى كل 1000 حالة ولادة. وأشار الفاضل فى ورقته الى ان هنالك فتيات فى عمر صغير نسبياً «اقل من 30 سنة» يعانين من العقم الاولى، وارجع ذلك الى انسداد الانابيب «قناة فالوب» بدون وجود سبب، وبعد الفحص بمنظار البطن الجراحى تبين ان النساء المختونات اللاتي يعانين من العقم الاولى توجد لديهن نسبة اكبر من انسداد القنوات والالتصاقات الحوصية وآثار الالتهابات كلما ارتفعت درجة الختان، واختتم حديثه بأن هذه العادة تؤدى الى الاذى وضرر الإناث فى حاضرهن ومستقبلهن. واشار الشيخ عبد الجليل النذير الكارورى فى ورقته «السنة وختن البنين وعفو البنات»، الى ان القرآن لم يسكت فى شأن الختان، لأنه صريح فى اعتماد الفطرة مذهباً، وبالتالى أرجعوه الى عدم تغيير الخلق، موضحا ان فى القرآن تلازماً بين الخلق والخلق «فطرة الله التى فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن اكثر الناس لا يعلمون»، وقال تعالى «يقص الحق وهو خير الفاصلين» «الانعام 57» ومنه التمس فرقانا يبين الفرق فى امر الختان، ميبنا ان الناظر فى اختلاف الاولين والمعاصرين فى ختان الإناث يجده يدور حول ادلة النفى والاثبات، وأكثره يعول على سند الاحاديث تضعيفا وتقوية، حيث ضعفها اهل الاختصاص الا حديث خصال الفطرة، وحديث «إذا التقى الختانان» فاختر ما سميناه التنسيق وتقوية بالشواهد، فانتهى بنا وحسب هدى الرسول صلى الله عليه وسلم فى الشأن الاجتماعى ان التوجيه بالتخفيف، ووجدنا ان ختان الإناث عرفته الجاهلية. ويرى شيخ الكارورى أن اهل العلم يجعلون الاصل فى العادة الاباحة والاصل فى العبادة المنع الا من شرع، غير أن المشكلة فى الختان انه متوسط بين العادة والعبادة حتى نستطيع الفرق بينهما، ووضع الاصل، مشيرا إلى العادة والعبادة فى الشأن الاجتماعى فى امر الختان تحديدا، وفى زمن تقدم فيه علم التشريح والصحة بما يظهر وظائف الاعضاء بما يظهر فقه الوقاية، اما الاصل فيبقى النص «وأما ما ينفع الناس فيمكث» مشيرا الى ان المسح الديموغرافى لعام 1989-1990م الذى استقصى موضوع ختان الإناث فى شمال السودان وبمقارنة النتائج الخاصة بمسح الامومة، نجد ان نسبة التغيير فى الممارسات بين الفترتين قليلة 89% فى عام 1989 مقابل 90% لعام 1990م، كما ان هنالك تغييراً فى النوع الفرعونى من 73% الى 64%، فى حين ان الذى يعرف بالسنة زاد من13% الى 22%، عليه فإن نسبة التأييد للختان بين المسبحين قد قلت مما يوحى بأن المواقف تتغير. وفي ما يختص بالاضرار الصحية والنفسية المترتبة على ختان الإناث اشار الكارورى الى ان هنالك اخطار بدنية ونفسية مباشرة تلحق بالمرأة نتيجة لهذا الغلو، منها الصدمة الجراحية بما فيها من الم وخوف قد يؤثر على مستقبل الطفلة النفسى، بجانب النزيف الحاد الذى قد يودى بحياة الطفلة، وكثير من الامراض. اما الاثار الاجتماعية من مضاعفات الختان فتتمثل فى عدم التحكم فى البول الذى بدوره يؤدى الى الانطواء وعدم المشاركة فى الانشطة الاجتماعية. وهذه الاضرار تعتبر ظلماً عظيما فى حق الخالق بتغيير الخلق، وفى حق المخلوق بايقاع الضرر، والواقع ان اى مدخل لممارسة الختان قد ينتج منه تجاوز يحقق بعض الاضرار، فكم باسم السنة ترتكب المغالاة ويتم التحريف. والمخرج فى هذا الأمر بالبيان العلمى والعملى بالقول الفصل بين الدين والتقليد ومتابعة الحكمة التى بها تتسق المرويات وتضرب ببعضها او يضعفها بالشرع بإذن فى الجراحة التى تزيل التشوه لا التى تحدثه، عند ذلك لا جناح عليها في ما فعلت بنفسها من معروف، كما انه لا اذن لأخرى يقال ان عندها شهوة تريد كسرها بالختان، فليس من حكمة عندنا طلب ذلك. وفي ما يختص بالمعالجة القانونية قال الكارورى: لا ادعو لسن قوانين تحظر الختان، فقد صدر القانون منذ سنوات عدة لكنه لم يفلح، فالمطلوب هو المزيد من الوعى ولا بأس من اجراءات زاجرة وحافزة ناصرة عليه، ومحاولة فهم النصوص فى ضوء حكمة الشرع ومعطيات العصر خاصة الصحية، والا فإن الكثيرين من الأولين والآخرين قد قللوا من شأن ختان الإناث او منعوه، منهم ابن عبد البر فى التمهيد، ومن المتحدثين الشيخ حسنين مخلوف مفتي الديار المصرية، ومن شيوخ السودان الشيخ حمد ود أم مريود الذى دعا لعدم ختن النساء فى وقت مبكر. وقد ناقشت ورقة «سليمة» «البديل الناجع لتعديل السلوك السلبي حالة ختان الإناث» التي قدمتها دكتورة سميرة امين احمد «منظمة اليونسيف»، ضرورة التسريع بالتدخل عند جميع اشكال ممارسة ختان الإناث في السودان، واوضحت ان ما قبل حملة سليمة كان التركيز على انواع الختان «أربعة» وبعض النشطاء والاسر كانوا يدعون الى تقليل الاذى بالموافقة على انوع القطع، وكانت استمرارية الممارسة باشكال مختلفة تحت مسميات مقبولة اجتماعيا وغير مصنفة علميا «النوع الرابع» واستمرت المعدلات عالية 98 90%، وتوقعت الورقة بحلول نهاية عام 2012م ان تصل الرسالة الاساسية لحملة سليمة الى ما لا يقل عن 80% من السكان، وان يتم استبدال كلمة «غير مستحبة اجتماعيا» بكلمة «سليمة» في ما لا يقل عن 50% من المجتمعات المستهدفة. ونوهت الورقة الى دور الحوار في اقناع الآخرين بالتدخل عند هذه العادة ودور قادة المجتمع في هذا الامر والشباب ايضاً. ومن جهته قدم د. ربيع عبد العاطي مستشار وزير الاعلام ورقة بعنوان «دور الاعلام في محاربة ختان الإناث» اشار فيها الى ان ممارسة ختان الإناث في المجتمع السوداني، تقليد يدفعه العرف والعادات في مختلف بقاع السودان، دون ان تضطلع الجهات العلمية والإعلامية بعمليات الاحاطة والتوعية بالأضرار الناجمة عن ذلك التقليد، خاصة أن اللائي تخصصن حسب العرف في اجراء عمليات الختان لا يلتزمن بقاعدة واحدة، وانما يتم الامر بشكل عشوائي يلعب فيه الاجتهاد دوراً كبيراً، مما ينعكس سلباً على مستقبل الانثى الصحي والنفسي والجسمي، ويؤثر على أعضائها التناسلية تشويهاً وتغييراً لما فطرها الله عليه. وتبعاً للآثار الخطيرة التي تسببها هذه الظاهرة لنصف المجتمع، نبَّه عبد العاطي الى ان الدور الاعلامي والتوعوي حول هذه الظاهرة يبقى دوراً محورياً يشترك فيه العلماء وخاصة الأطباء من خلال تجاربهم الحقلية والحالات التي تعاملوا معها، وكذلك لا يقل دور العلماء في مجال العقيدة الدينية وما تعارفت عليه المجتمعات الإسلامية وما ظهر من أضرار تلزم بالتعاون بين أهل الخبرة والتجربة الفقهاء، واستصحاباً للنتائج التي أفرزتها الدراسات حيث تتغير الفتوى وتتبدل الاحكام عندما يكون الضرر عاماً والنتائج كارثية. لافتاً الى ان الدور الاعلامي في الاحاطة والتوعية ينبعث من المعلومات المتفق عليها بين اعمدة المجتمع وخبرة المهنة الطبية على ضوء الإفرازات الضارة التي حدثت من ممارسة ختان الإناث، ويبقى الدور الإعلامي دوراً اساسياً للتبصير بكافة الإحصاءات والحالات التي تحصل عليها المختصون والآثار الخطيرة التي تنعكس على حياة المرأة وصحتها النفسية والجسمية نتيجة لممارسة هذه العادة، خاصة أن هناك إجماعاً بين العلماء والأطباء بأن ما يسمى الختان الفرعوني الذي تشوه فيه الأعضاء التناسلية للمرأة، يسبب ضرراً كبيراً لا يمكن تلافي آثاره، وقال عبد العاطي إن الجميع ذهب الى عدم جوازه ان لم يكن تحريمه، وهذه الرؤية المتفق عليها بين الاطباء وعلماء الدين ينبغي ان تحفز وتشجع الإعلاميين بمختلف وسائطهم، لتصميم رسائل واضحة وقابلة للنشر على اوسع نطاق لكل شرائح المجتمع السوداني عن طريق معلومات قادرة على تشكيل رأي عام من شأنه ايقاف هذه الظاهرة، ومضى شارحاً: أما المسميات الأخرى لختان الإناث التي ظلت مثاراً للخلاف بين الاطباء والعلماء حسب الآراء الفقهية فهي امر يتطلب حواراً جاداً بين اهل الفقه والتجربة للوصول الى صيغة متفق عليها، شريطة منع أية اضرار وضمان عدم وجود أية آثار مستقبلية على صحة المرأة، وهذه الرؤية لا تتم الا بالخضوع لما أفرزته التجربة، ذلك لأن الفقه الاسلامي فقه واسع تقوم اصوله على المصلحة وازالة الضرر، وقال ربيع: عند اثبات الضرر لا أعتقد أن الرسالة الإعلامية ستكون مضطربة، كما لا اعتقد أن فقهاء الامة سيصرون على أمر اثبتت التجربة أنه ضرر محض وليس فيه اقل درجة من المنفعة. وأوصى د. ربيع عبد العاطي من خلال ورقته بتمليك متخذي القرار وعلماء الدين حصيلة تجربة الاطباء والنتائج التي توصلوا اليها بشأن ما اكتشفوه من مخاطر بفعل الظاهرة، خاصة في ما يتصل بالجوانب الصحية والنفسية للمرأة، والمتاعب التي تجابهها في حياتها وأثناء حملها وانجابها، وغير ذلك من جوانب تهدد جنينها، مع التعرض لمختلف الحالات التي مرت عليهم. ودعا عبد العاطي إلى أن تحتل ظاهرة ختان الإناث مساحة مقدرة بأجهزة الإعلام لما تفرزه من آثار على نصف المجتمع، وهو الذي يؤثر مباشرة على النصف الآخر، مع اهتمام الجهات المختصة بالدولة والمجتمع وخاصة منظمات المجتمع المدني بتوفير المعلومات اللازمة لأجهزة الإعلام والمساعدة على نشرها، لتبصير المجتمع والحفاظ على سلامته درءاً للمخاطر التي تنجم عن ممارسة الظاهرة دون ضوابط متفق عليها، وبالعشوائية التي كشفت عنها الشرائح التي تضررت. ونادى د. ربيع بتعاون الجهات الصحية خاصة الاطباء مع العلماء، لتيسير نقل الرسالة الإعلامية للجمهور، وعقد شراكات متضامنة مع جميع المتهمين لصياغة رسالة متفق عليها، تلتزم بالترويج لها الوسائط الإعلامية.