الهوية والراعي المقيم الذي يحمل كل التضاريس والمعالم البائنة والمتباينة في سلوك إنسان النيل العربي الزاخر بالمكتسبات العرقية والدينية الراسخة كالطود المنيف، ولا يتسنى لي أن اتطفل على منظومات الأقلام التي خطت ما هو صحيح، وأن أسجل اعجابي بهذا الراعي، ولا أستطيع أن ألفظ الأقلام التي اجتهدت لكي تؤرخ وتستقصى بعد المساحات الاجتماعية التي وثقت كقصص تروى أو اجتهادات تستنتج فتكون اشارات ودلالات على أحوال هذا الراعي الذي هو انسان هذا النيل الشامخ، فأسرتني كل حركاته وسكناته على كل الأصعدة وعلى مر الحقب التاريخية والسياسية والاجتماعية والنشأة التي سبقت حتى تكوين المجتمعات كوحدات هيكلية تدور في عوالمها وأفلاكها المعالم المنقوشة كلوحة لدافنشي أو سمفونية لبتهوفن عزفتها الأيام بأصابع هذا الانسان المحوري الذي يدور في كل بحر ويصفي به كل غور، لكن كيف السبيل أن تسطع هذه الترجمة في سماء الدهر ونكون ترجمانا لهذه الأرض، فكلما اضاءت شمعة هذا الانسان خبت قناديلها الأنسام، مع أن هذا النيل وهذه الصحراء وهذا السهل جاد بالعقول الأسطورية التي تزن بفيضها الأمم، ولكن ما العقل وما الارادة حين تكون في محور ذاتها أي سماواتها الكسب فأيها الفانون إلى عبق الفناء قد تحبرت أحرفي من فيوض لمحات بصائركم المرتجلة الشموخ، سنحتمي بالعقل وليت أحفادك أيها الراعي يستنيرون بمنارات أهل الفضيلة الذين اصطفوا للصلاة وهم ينادون بالاصلاح للشأن وهل للشأن باب؟ بلى وكلا للشأن باب وألف باب فانتقوا لهذه المحاريب باب. انسان النيل كم هو متكيف وكم هو قنوع وطموح بنفس الوقت، فيمكن للراعي بأن يحلم أن ينشئ مذبحة أبقار في يوم من الأيام، أو يصبح عموداً فقرياً للصادر من اللحوم على نطاق القطر، ويمكن أن يحلم المزارع البسيط بأن يكون صاحب أفخم ثلاجة لحفظ الفواكه! الأحلام هنا يا سادة واقع، فجغرافية السلوك النفسي والمرئي تكهن ذلك النور بتحسين الظن على مر الأيام، فأتعجب لأن يبحث البعض عن الحريات وهي كامنة في دمائهم، ولكن من يبحثون عن الحريات في ظل هذا النظام مقيدة حرياتهم بوسائل البحث كغايات، فليست كل الأعين ترى الحقائق، وقد جبنا على عدم التوافق ولم نستفد من نوعية الرأي ونوعية التوجه على جميع أطرافهم، ولم ندر قدر هذه النعمة ألا وهي التنوع، فهنا في هذه الأرض يكمن التنوع بجميع أسلحته وأبدلنا خسراناً بالتفرقة في كل المجتمعات السياسية والاجتماعية والدينية، مع أن هذا التنوع سلاح لا يعلى عليه من سطوة يسطو بها إنساننا على كل الأمم اقليمياً ودولياً في معشر المعشر، بكل العزم مضت الجهود نحو خمسينيات وعشريات وعشرينيات أثمرت بما هو ممكن وغير ممكن، ويحزننا أمر الضربات التي توجع من الداخل، فالتي موجهة لنا عن بعد أمر طبيعي لبزوغ فجر هذه الأمة والطاقات الجبارة التي كونتها المعالم المختلفة، فلكم أود أن تقف العقول على إنماء العقول وحفظها بمواد حافظة من التخرب، فقد تعثرت قراءات هلغروفية القرن على ألسن الأغلبية، فالعقل إما أن يجنح وإما أن يرشد، ونشكر كل من أسهم في هذا الايقاع ايقاع المزمار الذي يحمله كل راعٍ والرعاية مطلقة الاحتواء لا تقتصر على أحد، فالفرد جزء من الكل، والكل تجمع للفرد، ولم يأتِ أي فرع أكله من هذه الشجرة العتيقة، ولم أشر بالبنان على أي من الفروع، وليعلم كل أحدٍ أي منقلب ينقلب، ورأيي بوصفي راعياً من بعض الرعاة ألا أكون عصبياً يمسك بالعصا من نصفها، فعندما أمسكها من نصفها تكون لي مآرب أخرى غير أن أتوكأ عليها أو أهش بها غنمي.