٭ نشرت «الصحافة» في العدد رقم «0966» بالصفحة الثالثة بتاريخ الأربعاء 41 مارس الجاري خبراً، بأن وزارة المالية والاقتصاد الوطني والبنك المركزي يعدان برنامجاً اصلاحياً للاقتصاد من المرتقب يتم تنفيذه حال اجازته من جهات الاختصاص، حيث أوضح الخبر أن البرنامج تعكف على إعداده لجنة مشتركة من وزارة المالية والبنك المركزي. ٭ وبوصفي اقتصادياً واظن ان غيري الكثيرين من الاقتصاديين استغربوا لهذا الخبر لأسباب موضوعية ألخصها في الآتي: ٭ أولاً: ان الموازنة العامة الحالية ومعها البرنامج الثلاثي للانقاذ الاقتصادي تمت اجازتهما من الجهاز التنفيذي والتشريعي في شهر ديسمبر الماضي، وبالتالي فإن عمريهما في التطبيق شهرين فقط، فهل بالفعل فشلا ولم تصدق كل الافتراضات والتقديرات التي وردت بهما للدرجة التي جعلت قيادة الادارة الاقتصادية تصرح في أجهزة الاعلام بأن هنالك برنامجاً اصلاحياً ثالثاً خلافهما في مرحلة الاعداد بنفس الأطقم التي أعدت الموازنة العامة وبرنامج الانقاذ الاقتصادي اللذين فشلا في اول شهرين من جانبي السياسات المالية والنقدية؟! إذن ما هو الضمان بأن نفس المجموعات التي قامت بإعداد الموازنة الحالية والسياسات النقدية اللذين اتضح من تطبيقهما في أول شهرين أنهما يحتاجان لإسعاف ودعم عاجل يتم إعداده بنفس المؤسستين المالية والنقدية؟! وبالتالي فإن المنطق يقول ما دام تطبيق الموازنة الحالية والبرنامج الثلاثي للانقاذ الاقتصادي ثبت بالتطبيق العملي فشلهما إذن على قيادة الادارة الاقتصادية أن تغير منهجية عملها وتسند إعداد برنامج الاصلاح الاقتصادي الذي اعلن عنه لجهة جديدة؟! مثلاً تكوين مجموعة عمل طوارئ من كافة وزارات وأجهزة القطاع الاقتصادي، كما فعلت آخر حكومة في عهد الديمقراطية الثالثة بإعداد برنامج الإنقاذ الاقتصادي الرباعي الذي كان مفترض أن ينفذ في مطلع يوليو 9891م، أو أن تكلف الإدارة الاقتصادية القطاع الاقتصادي بهيئة المستشارين بوزارة رئاسة مجلس الوزراء لكي يحشد الكوادر المؤهلة الاقتصادية المنضوية داخله وتوفر لهم سكرتارية من وزارة المالية والاقتصاد الوطني والبنك المركزي لإعداد هذا البرنامج الاصلاحي، وبعد ذلك تنظر في أمر مناقشته وإدخال التعديلات عليه في اللجنة الفنية والوزارية للقطاع الاقتصادي، ثم في مجلس الوزراء والمجلس الوطني حسب ترتيب مناقشات واعتماد السياسات العليا الاقتصادية للدولة والتشريعات المصاحبة لها. ٭ ثانياً: كما هو واضح لكل من وهبه الخالق عز وجل عقلاً داخل رأسه فوق كتفيه، فإن المرحلة الحالية التي تمر بها البلاد لا تتحمل بتاتاً اية سياسات أو قرارات تزيد الايرادات العامة بالطرق السريعة المعروفة من الضرائب غير المباشرة، مثل زيادة فئات ضريبة القيمة المضافة والجمارك ورسوم الانتاج، خاصة أن متوسط معدل التضخم الشهري وصل الى «22%»، مع معدل عطالة وبطالة معترف به رسمياً وسط خريجي الجامعات المسجلين في لجنة الاختيار حتى العام الماضي في حدود «64%» دون أدنى معلومة عن كم تمثل نسبة المسجلين من إجمالي الخريجين العطالى، ودعك من العطالة والبطالة وسط خريجي المراحل التعليمية المختلفة والفاقد التربوي الذين نشاهدهم بالآلاف في الشوارع يبيعون مناديل الورق وبعض الخردوات الخفيفة، اضافة لمئات الصبيان الذين يجرون امام العربات عند اشارات المرور لمسح الزجاج الامامي والخلفي في مناظر محزنة جداً لم نتعود على مشاهدتها من قبل ربع قرن من الزمان. ٭ في العدد رقم «263» من صحيفة «إيلاف» بالصفحة الاولى بتاريخ الاربعاء 92 فبراير 2102م، نشرت تصريحات لأحد قيادات اللجنة الاقتصادية للمجلس الوطني، أوضحت بالارقام تدهور متوسط نصيب الفرد من «006 إلى 007 ألف جنيه» في عام 0991م، حيث انخفض الى «052 إلى 004 ألف جنيه» في عام 1102م، وبالتالي حتى يعود نصيب الفرد لما كان عليه قبل «02» عاماً، يجب أن يكون الاقتصاد نامياً بنسبة «001%» لمدة «51» عاماًَ حتى سنة 6202م إن استطاعت الحكومة تحريك الاقتصاد بمثل هذه المعدلات العالية للنمو سنوياً. ودون شك هذه مؤشرات اقتصادية مهمة وخطيرة جداً يجب أن يضعها المكلفون حالياً بإعداد برنامج اقتصادي إصلاحي جديد، خلافاً لما هو وارد في الموازنة العامة الحالية المجازة وبرنامج الإنقاذ الاقتصادي الثلاثي. ٭ كما أيضاً عليهم مراعاة الأرقام التي صدرت قبل اكثر من خمس سنوات بالصفحة السادسة بصحيفة «السوداني» بالعدد رقم «044» الصادر بالثلاثاء 02 يناير 7002م، ضمن الاعلان الصادر عن ديوان الزكاة بتحديد النصاب الشرعي للزكاة الذي حدد بالأرقام أن الحد الادنى لتكلفة الحوائج الاصلية لتكلفة المعيشة للاسرة المتوسطة بمبلغ وقدره «2.543» جنيهاً في الشهر. وبموجب ذلك تقرر أن تؤخذ الزكاة من الذين تصل مرتباتهم الشهرية الى «4972.» جنيهاً «بالجديد» وهذا معناه ان ديوان الزكاة قبل خمس سنوات أعفي كلاً من كان دخله مليوناً وخمسمائة وثلاثة واربعين ألف جنيه «بالقديم» من الزكاة؟! وطبعاً إذا ما وفقا لهذه التقديرات أخذنا في الاعتبار ان متوسط معدلات التضخم في حدود «22%» سنوياً، تكون تكلفة المعيشة للاسرة المتوسطة في حدود «0006» جنيه «بالجديد» أو ستة ملايين جنيه «بالقديم» في الشهر؟! وعلى الذين يضعون البرنامج الاقتصادي الاصلاحي الجديد من وزارة المالية والاقتصاد الوطني والبنك المركزي، أن يضعوا هذه الأرقام في حسبانهم، مع مراعاة أن متوسط اعلى المرتبات اليوم الشهرية بالخدمة المدنية في حدود «0001» ألف جنيه «بالجديد» أو واحد مليون جنيه بالقديم، ما عدا وكلاء الوزارات الذين زيدت مرتباتهم سبعة أضعاف ما كانت عليه خلال العامين الأخيرين، وايضاً بالطبع هنالك مرتبات المحظوظين العاملين بحوالى اثنين وعشرين مرفقا حكومياً بالحكومة الاتحادية الذين يتمتعون بهياكل أجور ومرتبات ومخصصات تصل في بعض هذه المرافق لاكثر من عشرين ضعفاً مقارنة بزملائهم بالوزارات الاتحادية، نتيجة للتشوهات وقرارات المحاباة للبعض في الأجور والمرتبات التي صدرت خلال العقدين الاخيرين، وادت لتشوهات خطيرة جداً في هياكل الأجور والمعاشات الاستثنائية لوكلاء الوزارات خلال العام الحالي في الحكومة الاتحادية. وطبعا كل وكلاء الوزارات وقيادات الخدمة المدنية السابقين معاشاتهم الشهرية مع باقي العاملين معهم في حدود «003» جنيه، بينما قرارات التشوهات الأخيرة قفزت بمعاشات بعض المحظوظين أخيراً لبعضهم لعشرة اضعاف دون أدنى مبرر مقنع. ٭ على الذين يضعون أو يقومون بإعداد برنامج الاصلاح الاقتصادي الجديد أن يراعوا التصريح الصادر من العضو المنتدب لشركة سكر كنانة بالصفحة الاولى ب «الصحافة» بالعدد رقم «9866» بتاريخ 31 مارس 2102م بأن سعر جوال السكر من المصنع أقل بنسبة «05%» من سعره بالسوق، وأن النصف الآخر من فرق هذه القيمة تأخذه الحكومة رسوماً وضرائب حكومية. وبالتالي عليهم عدم الحديث عن دعم السكر أو مجرد التفكير في زيادة الرسوم والضرائب المفروضة عليه أكثر مما هو مفروض حالياً، والذي حسب ما هو معلن يصل لضعف سعره من المصنع؟! أما كثرة الحديث عن دعم المواد البترولية فقد سبق أن فندتها بالأرقام الدراسة الرقمية المقنعة التي نشرتها العديد من الصحف لأحد الضباط المهندسين السابقين من الزمان الطيب، والذي اوضح فيها بالتفصيل وبالارقام العائد للدولة من تكرير برميل من البترول من المواد البترولية المتنوعة على أساس أعلى سعر متوقع له وهو «051» دولاراً اميركياً، وأوضح حجم الربح الصافي للدولة من ذلك. ٭ أما الحديث عن دعم الكهرباء بعد أن صارت أغلبيتها بالتوليد المائي، وبالرغم من ذلك فإن السعر المحدد لها يعتبر الاعلى بين كل الدول الافريقية والعربية المجاورة لنا، للدرجة التي يصل فيها لحوالى خمسة اضعاف سعرها للمستهلك في جمهورية مصر العربية والتي بسبب ذلك تنافس منتجاتها الصناعية منتجاتنا المحلية بشدة، زد على ذلك فإن أهل السودان هم الوحيدون بين شعوب المنطقة العربية والافريقية الذين يشترونها رغم ارتفاع تكلفتها بنظام الدفع المقدم دون أدنى التزام قانوني رغم شرائها بالدفع المقدم ان تكون متوفرة أو أن يكون لهم الحق في أي تعويض في حالة تلف مدخلات انتاجهم أو معداتهم بسبب انقطاعها أو تذبذب امدادات تيارها بنظام حكم القوي. ٭ ثم على الذين يقومون بإعداد برنامج الاصلاح الاقتصادي الجديد المعلن عنه بالصحف مراعاة الموقف الحرج الحالي لصادراتنا الزراعية بسبب ارتفاع تكلفتها مع الدول المنافسة الاخرى، وهنا أحاديث بالارقام عديدة تطول الكتابة عنها في هذا المقام؟! أما بالطبع الحديث عن عدم مقدرة منتجاتنا الصناعية على المنافسة محليا ودعك من المنافسة الخارجية مع السلع الصناعية المنتجة من دول اخرى من مصر الى الصين، فلا يحتاج لاثبات أو أرقام؟! وبالتالي يجب عدم التفكير بتاتاً ونهائياً في فرض اية رسوم جديدة مثل ما أعلن من مقترح فرض ضريبة القيمة المضافة بنسبة «51%» على السلع الرأسمالية ومدخلات الانتاج وقطع الغيار وخلافه. وسبق أن صدر مرسوم جمهوري من السيد النائب الأول لرئيس الجمهورية بإعفاء خمس قوائم من السلع الرأسمالية من ضريبة القيمة المضافة، ونشرت في حلقة سابقة الاشادة بهذا المرسوم الذي اعاد الاستقرار لقطاع الاستثمار، وطالبت رئاسة الجمهورية بإصدار المزيد من الاعفاءات بمراسيم سيادية للسلع الرأسمالية وقطع الغيار ومدخلات الانتاج ولوازمه مثل مولدات الكهرباء الاحتياطية لمنشآت الاستثمار، لإعادة الاستقرار لمناخ الاستثمار الذي شوهته كثيراً سياسات وقرارات تغول عقليات الجباية خلال العقدين الاخيرين، لأن صدور مثل هذه المراسيم السيادية المفصلة أهم بكثير جداً من إصدار قانون جديد للاستثمار لا يتم الالتزام به كما هو حادث اليوم. ٭ قرأت في الفترة الأخيرة في بعض الصحف لبعض الإخوة الاقتصاديين مقالات أو تصريحات تنادي برفع الدعم عن السكر والمواد البترولية، وكم كنت اتمنى لو اثبتوا لنا بالارقام حجم هذا الدعم الذي نفته قمة قيادات صناعة السكر ببلادنا؟! وبما أنني أؤمن بحرية الرأي والرأي الآخر خاصة أننا نناقش الاقتصاد وهو علم البدائل المتجددة في ظل ديناميكية المتغيرات الاقتصادية، فإنني اتوجه لهؤلاء الإخوة من الاقتصاديين وهم قلة لا تتجاور اصابع اليد الواحدة بهذه الاسئلة كالآتي: ٭ أولاً: خلال الثلاثة والعشرين عاماً الأخيرة فإن الادارات الاقتصادية ببلادنا زادت لنا سعر رطل السكر من «521» قرشا «واحد جنيه وربع الجنيه» الى «0052.» «الفان وخمسمائة جنيه بالقديم» بمعدل زيادة وصلت الى الفي مرة ضعف سعره حتى نوفمبر 9891م أو بنسبة مئوية وصلت الى «000 250.» «مائتان وخمسون ألفاً» فهل انصلح حال اقتصادنا أو توقفت عجوزات الموازنة العامة؟! ٭ ثانياً: خلال نفس الفترة منذ نوفمبر 9891م زادت اسعار جالون البنزين من «54.» «اربعة جنيهات ونصف الجنيه»، لتصبح اليوم «0058.» «ثمانية آلاف وخمسمائة جنيه بالقديم» بنسبة زيادة وصلت الى «0091.» ألف وتسعمائة جنيه مرة ضعف سعره أو الى «000 190.%» «مائة وتسعون الفاً في المائة. وأيضاً زاد سعر جالون الجازولين من «52.» جنيهان ونصف الجنيه، ليصبح اليوم سعره «0056.» ستة آلاف وخمسمائة جنيه «بالقديم» ما يعادل «0051.» ألف وخمسمائة جنيه مرة ضعف سعره، اي زيادة بنسبة «150.000%» مائة وخمسون ألفاً في المائة؟! فهل انصلح حال الاقتصاد أم توقفت عجوزات الموازنات العامة؟ ٭ ثالثاً: لماذا لا تتجه مقترحات هؤلاء الإخوة الاقتصاديين مع التوجه العام المتنامي بالبلاد، بضرورة تخفيض الصرف السيادي وعلى مرتبات الدستوريين التنفيذيين والتشريعيين على المستويات الاتحادية والولائية والمحلية من سياديين ومستشارين ووزراء ووزراء دولة ومعتمدين ووزراء ولائيين ورؤساء لجان بالمجالس التشريعية ورؤساء مجالس قومية بالولايات وخلافهم، الذين قدر عددهم بحوالى ثلاثة آلاف فرد؟ وطبعا أولى خطوات تخفيض صرفهم تبدأ بنشر جداول مرتباتهم الأساسية وبدلاتهم المتنوعة ثم مخصصاتهم من تذاكر سفر وعربات وهواتف وسكن وكهرباء، ولبعضهم ربما تشمل الأكل وتعليم الاولاد، ولهم كلهم العلاج بالداخل والخارج.. الخ، حتى يعرف أهل السودان حجم تكلفة ما يأخذونه حقيقة وفعلياً بالأرقام الموثقة بالصرف المراجع لعام 1102م. ٭ أتمنى أن يراعي برنامج الإصلاح الاقتصادي الجديد المعلن عنه، الاهتمام بتخفيض كبير لجوانب هذا الصرف في المقام الأول والأخير، بدلاً من زيادة معاناة اهل السودان. «نواصل إن شاء الله»