على غير العادة بدأت كتابة هذا العمود بالمقلوب، إذ بدأت أولاً بكتابة العنوان الذي سارعت إلى تسجيله أولاً بعد فراغي مباشرةً من مطالعة كلمة أستاذنا الدكتور عبد الله علي ابراهيم التي خطها أمس بأخيرة «الأحداث» وتناول فيها بالتقريع بعض مواقف المجلس الوطني «البرلمان» ومنها ما أنا بصدده في هذه العجالة، وقد راقني جداً وصف الدكتور للمجلس الوطني بأنه «لُبطي» كبير وأضيف من عندي و«متدرع بلاوي» ليس هو صاحبها الأصيل ورغم ذلك غالباً ما يكون فيها ملكياً أكثر من الملك، بل أن بعض مواقفه «الشليقة» هذه التي يبتدرها هو، تناقض تماماً دوره كبرلمان والذي يفرض عليه أن يرفضها إذا جاءته من الحكومة ولكن للعجب تجده هو من يتبناها ويبادر بها وينوب عن الحكومة ويقوم مقامها أو بالأحرى «يشيل عنها وش القباحة» فيختلط حابل السلطة التشريعية بنابل التنفيذية ويحتل رئيس المجلس الوطني موقع وزير الدفاع ويصبح كل شيء في غير مكانه، ولا ندري سبب هذه «الشربكة»، أهي عن قلة خبرة ودراية بأعمال البرلمانات وأدوارها والخطوط الفاصلة بينها وبين الحكومات، وهذا مستبعد على الأقل من جانبي الشخصي، أم أنها بسبب أن كل «السلطة في يد الجبهة» و«كلو عند الانقاذيين صابون» ولا فرق بين المجلس الوطني ومجلس الوزراء، وهذا هو الأرجح عندي.... لم يكن مسعى المجلس الوطني بالأمس لفرض حالة الطوارئ الذي أثار دهشة الدكتور عبد الله علي ابراهيم لما ينطوي عليه من تناقض فاضح لا يليق بالأداء البرلماني الرصين، لم يكن هو المسعى الأول الشاذ لهذا المجلس، وإنما حفلت أضابيره وشهدت قبته ما يشيب له الولدان من كثرة المواقف الخاضعة والمستسلمة تماماً لطلبات الجهاز التنفيذي مهما اشتطت وتلبية رغباته وبأعجل ما تيسر مهما كانت قاسية على الشعب، وهل هناك أقسى على الشعب من أن يفرح نوابه المفترضين ويهللوا ويصفقوا للزيادات التي أعلنتها الحكومة من على منصته وتحت قبته، فماذا تنتظر يا دكتور من مجلس كهذا بعد هذا غير أن تتوقع أن يبادر هو بالسعي قبل وزارة الدفاع والقادة العسكريين وقادة الأجهزة الأخرى لفرض حالة الطوارئ، فهذا على الأقل مسعى مقبول منه في ظل ظروف الحرب التي تشهدها البلاد حتى وإن بدا فيه عسكرياً أكثر من العساكر، فالأعجب من ذلك ليس فقط إنابته عن العساكر واستباقهم في شأن هو من أخص اختصاصاتهم يتشاورون فيه مع الرئيس، بل أن رئيس البرلمان من قبل «ركب مكنة رئيس» وأعلن اطلاق يد الجيش في النيل الأزرق، فهل بعد اختلاط الأمور وتداخل الوظائف لهذه الدرجة التي طالت حتى الحق الخاص بالرئيس بقى هناك شيء يثير الدهشة والعجب، إذن إذا ترك البرلمان مهامه وأعماله وانخرط بحماس في ممارسة عمل المؤسسات الأخرى فلا دهشة ولا غرابة ولا عجب، «عادي بالزبادي»...