قرظت قبل يومين موقف وزارة الخارجية من قرار مجلس الأمن الدولي الأخير «2064» الذي تبنى خريطة طريق أقرها مجلس السلم والأمن الأفريقي لتسوية النزاع بين دولتي السودان،واعتبرته عقلانياً ،ورغم أن القرار "ماكر وخبيث" لكنه حوى نقاطاً إيجابية لصالح الخرطوم مثل ادانة احتلال هجليج وتشكيل لجنة تقصي حقائق حول تخريب منشآت النفط مما يؤسس لحصول السودان على تعويضات في مرحلة لاحقة،وثمة نقاط أخرى غير "مبلوعة" لدى الحكومة أبرزها الاعتراف ب "الحركة الشعبية- قطاع الشمال" والعودة الى اتفاق اديس ابابا الاطاري بشأن ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق «اتفاق نافع - عقار»،وبالطبع لا يمكن أن تحصل على كل ما تريد وهذا شأن التسويات،وما يجب الانتباه له في هذا القرار الأممي أنه صدر بالاجماع ما يحرم الخرطوم من المناورة بتناقض وتقاطع مصالح دول دائمة العضوية في مجلس الأمن. حكومتنا بدت متفاجئة من موقف الاتحاد الأفريقي كأنها ضمنت مواقفه الى جانبها في كل الأحوال،ولم تتحسب أن هناك من لديه تأثير ومصالح مع دول أفريقية مهمة أكثر من السودان،واذا كان بعض قادة الحكم تفاجأوا فلا ينبغي أن يكون من بينهم وزير الخارجية ، لأنه من دعا مجلس السلم الافريقي لاجتماع طارىء لمناقشة احتلال هجليج ،وكان حزينا وهو يتحدث في الاذاعة الجمعة الماضي عن موقف الأفارقة ،لا تبكوا على اللبن المسكوب ،فالأفارقة ساندوا الحكومة في أكثر من قضية ليس آخرها ملف المحكمة الجنائية الدولية فلا تفقدوهم،وتدفعوهم في اتجاه آخر ،تواصلوا معهم ولا تهملوهم،ركزتم على الدول العربية فماذا جنيتم،وازنوا في علاقاتكم ولا تيأسوا فهذه واحدة ولكن في الطريق الكثير. وبدا وزير الخارجية واقعيا بل وصريحا وشجاعا عندما انتقد الأصوات في حزبه وبعض المسؤولين في مستويات مختلفة سارعوا بمناهضة خريطة الطريق الأممية لانهاء النزاع السوداني الجنوبي، وقال ان البعض ظل يردد بعدم انصافها للسودان دون دراية بايجابياتها والمكاسب التي تحصلت عليها الخرطوم ، وزاد "في ناس بتقول بلو واشربو مويتو لحدي مايغرقونا بالبيبلو وبشربو ده". وهو يقصد بعض المسؤولين منهم في المحليات ومواقع ليس من شأنهم الحديث عن الملفات الخارجية والسيادية فيهربون من مهامهم الرئيسية ،و يتدخلون فيما لا يعنيهم بتصريحات ملتهبة فيفسدون على البلاد وتدفع تبعا لذلك ثمنا غاليا،فقد ظلوا منذ صدور قرار مجلس الأمن 1574 في العام 2004 يرددون "بلوه واشربوا مويته" وظلت القرارات الدولية تنهمر علينا حتى بلغت 20 بالذي صدر أخيرا،وما ابتل الا الوطن بحماقاتهم وقصر نظرهم،وقد أحسن كرتي تنبيههم ،حتى ينصرفوا الى شؤونهم،وليتركوا الخبز لخبازيه. وزارة الخارجية مطالبة بحملة دبلوماسية فاعلة ترافقها حملة اعلامية ذكية،لمواجهة تغيير في المزاج الدولي وتحول في المواقف الأفريقية تجاه قضايا السودان،بعد قرار مجلس السلم الأفريقي الأخير ،وطلب رئيسة مالاوي جويس باندا من الاتحاد الأفريقي منع الرئيس عمر البشير من حضور القمة الأفريقية التي تستضيفها بلادها في يوليو المقبل،وتهديدات قيادات أوغندية مؤخرا بمساندة الجنوب عسكريا ضد السودان. ودوليا فقد طالب القس الأميركي فرانكلين الرئيس باراك أوباما باستخدام السلاح الجوي الأميركي لتدمير القواعد الجوية للسودان. ودعا الكاتب الفرنسي جيرارد برونير الذي يعتبر خبيرا في الشأن السوداني وهو مقيم في أديس أبابا في "نيويورك تايمز" الصادرة أمس إلى إعطاء فرصة للحرب بين السودان وجنوب السودان، بل وفي داخل السودان نفسه، معللا دعوته بأن من شأن ذلك إيجاد حلول عبر القتال لا تتوفر عبر اتفاقات السلام التي سرعان ما يتم نقضها، تاركة آلافا من الأطفال والنساء يتضورون جوعا حتى الموت. وعلل الكاتب قوله بأنه عندما يقتل بعض الجنود بعضا في المعركة، فإن النتيجة تكون أقل تدميرا بشكل كبير من ترك آلاف الأطفال والنساء يتضورون جوعا حتى الموت، وهم ينتظرون مفاوضات سلام لا يلوح في الأفق وربما لن يأتي أبدا. ستتصاعد الحملة ضد السودان مع بدء العد التنازلي للانتخابات الرئاسية في الولاياتالمتحدة،ومع التنافس الغربي مع الصين على الموارد والنفوذ في القارة السمراء،وسيستغلون استمرار الحرب في ولاية جنوب كردفان وآثارها الانسانية، وسيستخدمون في حملتهم خطابا سياسيا غير موفق في الخرطوم يتجاوز الجنوب الى الأفارقة،فوحدوا الجبهة الداخلية حتى لا يُخترق الوطن،واضبطوا رسالتكم الاعلامية،.. يقول نزار قباني : يا سادتي لم يدخل الأعداء من حدودنا لكنهم تسللوا كالنمل من عيوبنا.