يتجمهر عدد من الرجال بعمامات أنيقة أمام ديوان منزل بإحدى قرى الجزيرة، وهم يهدفون الى ارجاع جزء من «شيلة» الزواج، فالاسرة المقبلة ابنتها على الزواج قد شاع في القرية أنه قد وصلتهم «الشيلة» بزيادة عما حددته اللجنة الشعبية لتكاليف الزواج. ورغم أن الريف السوداني اشتهر بالبساطة والقناعة، لكن رياح التغيير التي طالت المدن منذ قديم الزمان كان لا بد أن تعبر بها، فمناسبات الزواج في القرى كان لها طعم آخر وذوق آخر، فأصاب الريف ما ألم بالمدينة من ارتفاع لتكاليف الزواج، الأمر الذي دعا اللجان الشعبية في كثير من قرى الجزيرة الى اقرار عرف بتحديد تكاليف الزواج وصل الى تحديد عدد معين من قطع الملابس في «الشيلة». يقول الباقر سلمان رئيس اللجنة الشعبية بقرية الكمر الجعليين: «إن ارتفاع تكاليف الزواج حدا بهم الى اقرار هذا العرف، هذا بجانب أن خصال أبناء المنطقة لا ترتضي ان يتم زواجهم بأقل مما قام به من سبقوهم» معدداً محاسن هذا العرف في المساواة في جانب التكلفة، مما يوقف ارتفاع التكاليف ويجعلها مناسبة للأغنياء والفقراء، مضيفاً أن أي شخص في القرية يريد أن تزيد تكلفة زواجه أن يحتفظ بهذا المال ليصرفه على بيته في المستقبل، كاشفاً عن انه قبل أيام أعادت اللجنة الشعبية أواني وأثاثات منزلية كانت قادمة مع «شيلة»، وأعادت أيضاً فيما مضى الكثير من الملابس التي تزيد عن العدد الذي تفرضه اللجنة الشعبية، مشيراً إلى ضرورة دعم الشباب ليكملوا نصف دينهم، الأمر الذي يرفع كثيراً من الضرر عن المجتمع، وسط انتشار الكثير من الظواهر السالبة للشباب التي تؤثر على المجتمع مباشرة، خاصة المجتمعات الريفية التي تتسم بمحافظة صارمة. مجدي عبد الدافع سكرتير رابطة شباب حلة حمد الحلاويين قال: «إن قرى الجزيرة تأثرت كثيراً بالأزمات التي حلت على القطاع الزراعي بالسودان الذي يعتبر العماد الاساسي للجزيرة، مما أفقر كثيراً من المزارعين وهاجر على إثره الشباب الى المدن لكسب لقمة العيش، وأخذت الفجوة تتسع بين الاغنياء والفقراء». واردف: «وهذا يجعل الكثير من الشباب غير قادرين على مجاراة تكاليف الزواج التي تسن في الغالب بعرف اجتماعي يعتمد على مناسبات الزواج التي تقوم وتكاليفها، والمبالغة في هذه التكاليف يزيد عزوف الشباب عن الزواج»، مؤكداً أن سن أعراف اجتماعية تحدد تكاليف زواج مقبولة هو أمر جيد ويسد الباب امام من يريد زيادة هذه التكاليف، متهماً من جانب آخر النساء بأنهن يهدرن المال أكثر من الرجال، وأن «ونسات» النساء بالبذخ الذي يحدث في بعض المناسبات هو الذي يؤسس لزيادة تكاليف مناسبات الزواج، الأمر الذي يجعل مناسبة الزواج حالة من حالات التباهي والتفاخر وليس الفرح بالمناسبة بحد ذاتها. وكما هو حال الريف في الجزيرة جلست المعلمة احلام مصطفى على «البنبر» بتمهل تحت ظل نيمة مدرسة القرية الشاهقة، لتبدأ حديثها ل «الصحافة» بكثير من الحنين لزمن مضى كانت فيه مناسبة الزواج «قولة خير» واحتفال «عرضة» وسياط ترفع في كبد السماء، مشيرة الى موقفها المؤيد لسن أعراف توقف المباهاة ببذخ مناسبات الزواج، مقترحة حملة تعم كل القرى ، منبهة إلى أن كثيراً من الظواهر الدخيلة التي لها علاقة مباشرة بالعزوبية انتشرت في الريف، مما يستدعي من قبل القادة المحليين وجوب محاصرتها، خاصة أن قضايا الريف الاجتماعية ظلت لفترة طويلة بعيدة عن أعين الإعلام.