استنكرنا بشدة وبكل قوة ما وقع على أرضنا الحبيبة من اعتداء غاشم وغادر على منطقة هجليج، فضح بصورة واضحة ما يكنه النظام الحاكم البغيض في دولة الجنوب من عداء ضد دولة السودان. هذا العدوان الغاشم الذى أدانه المجتمع الدولي والاقليمي ممثلاً في مجلس الامن والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية والمنظمات الاسلامية والدول العربية الصديقة والشقيقة. هذا العدوان الذى لا يرده وفق منظور القانون والعرف الدولي الا المعاملة بالمثل واستعمال القوة لرد العدوان، بل وأكثر من ذلك الحق في القيام بأعمال عدوانية داخل الأراضي الجنوبية في ممارسة حقيقية وطبيعية لحق الدفاع عن النفس الذى تبيحه الاعراف الدولية والدبلوماسية. ومن هذا المنطلق والحقائق على أرض الواقع فإن هذه الدولة العظيمة امام مسؤوليات جسام دبلوماسية وعسكرية وقانونية واقتصادية، فهذه المسؤوليات الكبيرة التي يجب أن تتصدى لها الدولة والمجتمع بكل الحزم والحسم، لا بد أن تسير جنباً الى جنب لا يتأخر أو يتوانى فيها قطاع عن الآخر. ولا بد للمجتمع ان يكثف ويوسع من دائرة الانتاج والتنمية لمقابلة هذا الواقع الذى سيستمر طويلاً في مواجهة اشبه بالاستنزاف، وهي بلا شك مواجهة صعبة، ولكنها وليست مستحيلة لتحقيق النصر، فلنحسن فيها تبادل الأدوار وتنساق التصريحات الداخلية والخارجية على حد سواء، تاركين ما يخذل وما يشغل دولاب الدولة من التعطيل والتسيب. ويجب ان تقوم كل مؤسسة وكل وزارة بما يليها من مهام دون تداخل ودون التغول على صلاحيات وزارة أخرى، ولا بد للدبلوماسية السودانية من تحرك فاعل تجاه المنظومات الاقليمية والدولية، فلا نترك بابا الا وطرقناه، نقارع الحجة بالحجة ولا نسكنين ولا نلين، نسمع كلمتنا لكل الدنيا عبر القنوات الفضائية الداخلية والعالمية في العالمين العربي والافريقي جنوباً والآسيوى والعالمي. وبعد هذه المقدمة الضرورية اريد أن أعكس وجهة نظرنا السياسية حول القرارات الإقليمية والدولية التي صدرت من الاتحاد الإفريقي ومن مجلس الأمن حول الحرب القائمة بين الدولتين، والنداءات التي أطلقها الرئيس الامريكي بالرجوع الى طاولة المفاوضات لحل وحسم القضايا الشائكة، ونقول إن الشروط التي وضعتها دولة السودان للرجوع الى مائدة التفاوض، فإن البداية بالملف الأمني هو شرط جدير بالأهمية، وهو ملف استراتيجي يجب ومن البداية أن يتصدر المفاوضات، وأظنه كذلك، لحساسيته وانعكاساته الخطيرة على مجريات الاحداث على الجهات الغربية مع حدود دولة جنوب السودان. ولكن السؤال المنطقي ماذا يشمل هذا الملف من أجندة؟ وما هي الأولويات فيه؟ أهي قضايا ترسيم الحدود أم قضايا أخرى، هذا بالاضافة الى القضايا الأخرى التي لا تحتمل التأجيل. وفي تقديرى أن سقف الشروط السابقة الآن يجب ان يرتفع بعد العدوان الغاشم علي هجليج الذى خلف دماراً بيئياً ومالياً كبيراً. وعليه فإنني أقول يجب اضافة شرط آخر للشرط المذكور لبدء المفاوضات، وهو التعويض عن حجم الدمار الذى لحق بمنطقة هجليج البترولية واعطاؤه أهمية قصوى، بجانب الملف الامني. أو يمكن تقديمة قبل الملف الامني ان اقتضت الضرورة السياسية والتكتيكية والاستراتيجية، أقول هذا الكلام وفي ذهني الآراء القانونية الأخيرة التي طرحت حول الموضوع التي تنادى بضرورة الذهاب الى المنظمات الاقليمية والدولية، دون تحديدها، للمطالبة بالتعويض، وهذا الخطوة من الناحية القانونية الدولية لا تجد سنداً يدعمها لصغرها. وعليه فأولاً يجب المطالبة بالتعويض عن الخسائر، ويأتي من التفاوض مباشرة مع دولة الجنوب بعد تقييم وتقدير الخسائر باعتباره شرطاً للوسيط الدولي لكي لا يتكرر العدوان، ويكون ذلك بإشراف جهات دولية محايدة ادانت العدوان مباشرة. ولا بد من استغلال هذه الفرص المتاحة للسودان دبلوماسياً. وكنت اتوقع زيارة ماكوكية لوزير الخارجية أو مساعديه لزيارة الدول الفاعلة في المنظومة الدولية أمريكا، الصين، لندن، دول الاتحاد الاوربي، الهند وكينيا في شكل إطلاق حملة دبلوماسية فاعلة تشرح للعالم ما حدث من اعتداء على كرامة الأراضي السودانية وحدودها من دولة جارة طامعة في اراضٍ ليست لها، بل وتريد تدمير اقتصاد دولة أخرى مما يعد خرقا واضحاً لقواعد القانون الدولي والاعراف التي تحكم الاممالمتحدة، وكان للسودان عبر الدبلوماسية أن يخاطب الجمعية العامة للامم المتحدة في خطوات استباقية للدبلوماسية تشكل حائط صد منيع تنكسر عنده كل محولات تلك الدولة البائسة للنيل مقدرات هذا البلد. وكنت اتوقع أن يقوم المفكرون السودانيون بتنظيم حملات دبلوماسية مع وزارة الخارجية، وإقامة ندوات اكاديمية واحدة بحيث يكون الخطاب الفكري واحداً في كل المحافل الدولية لتقوية الحجة ورفد الإجهزة الاعلامية الدولية والاقليمية بنظرتنا نحن لا بوجهة نظرهم هم، حتى نقيم الحجة عليهم وتكسب التعاطف الدولي. إن الحديث في الاعلام الداخلي بأن الاتحاد الافريقي أو مجلس الأمن لم يكونا وسيطين محايدين في النزاع الذى حدث بين الدولتين لا يجدى كثيراً، أو أن الافتراض الدائم أن المنظمات الدولية والاقليمية تعمل ضد السودان من منطلق الوساوس أو الهواجس، فهذا مما لا يليق بنا بوصفنا دولة رائدة في المنطقة ولها دبلوماسية فاعلة. ولابد من استغلال الفرص المتاحة السياسية والدبلوماسية والقانونية في الاتحاد الافريقي أو مجلس الامن. ومن المعلوم قانوناً أن مجلس الأمن لا يستطيع استصدار قرارات بفرض عقوبات على بلد ما دون اللجوء للنظام الاساسي الذى يحكمه، والمرور بخطوات قانونية معروفة ومعلومة لكل متخصص في القانون الدولي أو دبلوماسي مارس العمل في تلك المنظمات بمجلس الأمن، ولا يمكنه اليوم ولا غداً أن يفرض عقوبات على السودان أو أية دولة أخرى من منطلق أن مجلس الامن جهة سياسية تكيل بمكيالين، ولها نوايا عدوانية ضد السودان. فهذا قول المستسلم الذى لا يريد أن يعلم أن مجلس الامن من المعلوم في قواعد القانون الدولي بصدد إصدار قرار بموافقة الدول الاعضاء أو استخدام حق الفيتو لذات الدول. انظروا لقرار مجلس الامن في كل الدول التي صدرت ضدها قرارات ذات اهمية مثل العراق وليبيا وأخير سوريا، فهل صدرت مباشرة ام بعد تقديم تقارير تفيد بالتقدم الذى احرز بالملفات، وهذا التقدم أو التأخير هو ما تستغرق عنه التحركات الدبلوماسية المكثفة في هذه الملفات. والقرار المحال من الاتحاد الافريقي باعتباره ذراعاً إقليمياً لمجلس الامن يجعل ما صدر من قرارات مقيداً بما تسفر عنه من تقدم محرز في هذا الجانب أو ذلك. وافتراض ان مجلس الامن أو الاتحاد الافريقي يضمر شيئا ضد السودان، أمر يمكن للدبلوماسية السودانية ان تتجاوزه بمزيد من التحرك الدبلوماسي الرشيد والواعي، عليه فإنني ادعو الى اطلاق حملة دبلوماسية نشطة على كافة المؤسسات الاقليمية والدولية، للعمل على تغيير النظرة والمشاركة الفاعلة في تجنيب السودان ما سيأتي من قرارات دولية، على الرغم من أن هذه الخطوات ستكون متأخرة ولكن أن تأتي متأخراً خيراً من ألا تأتي، فلا بد من الاستفادة من اصدقاء السودان من الدول الكبرى الصين روسيا وحتي أمريكا، ولا بد من التأثير على القرار والنفسية الاميركيه بمخاطبة مراكز اتخاذ القرار، ولا بد من توصيل وجهة نظرنا لهم دون وسيط يتحدث باسمنا، ولا بد من تحييد القوى الدولية التي تضمر عداءً ضد السودان. وتبقى الاسئلة دائرة: أين دور وزار ة الخارجية في الاحداث الاخيرة؟ أين الدبلوماسية؟ لماذا دائماً نجلس وننتظر قرارات مجلس الأمن التي تصدر ضد السودان دون محاولة لتغييرها أو صدها، ثم نأتي لنفترض التآمر، لماذا دائماً نتوهم أن مجلس الأمن يتربص بالسودان لاستصدار قرارات ضد سيادته؟ لماذا لم تقم الخارجية بوضع خريطة طريق بعد العدوان مباشرة والدفع بها للاتحاد الافريقي ومجلس الأمن في ما يعرف بالدبلوماسية الاستباقية، وانتظرنا حتى طرح علينا الاتحاد الإفريقي ومجلس الأمن خريطة طريق؟ اين دبلوماسية المكاسب والارباح في سياستنا الخارجية. وذكر الناطق الرسمي باسم الخارجية أن القرار ذهب لمجلس الامن وأصدرته اللجنة الفرعية للأمن والسلم التابعة للاتحاد الإفريقي والتي تضم «15» دولة والخاص بخريطة الطريق، الأمر الذي يثير الاسئلة التي بأذهاننا: كيف خرج هذا القرار؟ وأين كان السودان عند استصدار هذا القرار؟ ولماذا نرمي باللائمة على الاتحاد الافريقي أو مجلس الأمن؟ ودعوتي موجهة إلى القائمين على أمر وزارة الخارجية وعلى رأسهم الأخ السيد الوزير علي كرتي، بعدم تفويت الفرصة المقدمة للسودان على المنابر الدولية، واستخدام كرت الرهائن لكسب مزيد من الدعم اللوجستي والسياسي، ولا بد من الذهاب إلى النرويج وبريطانيا في رحلات ماكوكية للعمل على تغيير الذهنية الغربية من خلال فتح قنوات الاتصال المباشرة مع الدول الغربية.