تداولت الألسن في مجالس الأنس ردحاً من الزمن -ليس بقليل -ما تناولته بعض الأقلام الصحفية في الفترة الماضية تعليقاً على الصور التي التقطها مصور صحيفة السوداني لبعض نواب المجلس الوطني خلال واحدة من جلساته وهم في أوضاع رأتها عينه ما بين غافٍ أو نائمٍ وتركت للناظر حرية تفسير تلك المشاهد. ولكن لم تتحمل عيون بعض الكتاب إلا أن تبدي المساوئا فكتبوا ما حمل وصفاً مستفزاً لهؤلاء النواب ورسموا بالكلمات والحروف صورة مشوهة لمؤسسة البرلمان. فدفعتني نفسي للرد عليه بمبادرة شخصية مني لا تكليفاً من تلكم المؤسسة ولا تأدية لواجب او رد لدين بل الرغبة والسعي المهني لإدارة حوار جاد ومسئول حول قضية موقف سلوك شخص ما تجاه مؤسسة ينتمي لها سواء كان الانتماء لها بحكم الوظيفة العامة أو وظيفة النيابة البرلمانية.. لقد اعتمدت الآراء حول تداعيات تلك الصور على مشاهد شخص آخر فوضعت صور لأعضاء هذه المؤسسة المحترمة وبنت عليها لتنتقد أداءهم البرلماني التشريعي والرقابي وما يقومون به من عمل أخطأوا فيه أو أصابوا - واول ما يتبادر للذهن تساؤل مشروع هو هل يمكن لكاتب او صحفي محترف أو لباحث جاد وملتزم أن يعتبر أن الصور الفوتغرافية تعكس واقعاً شفافاً لعملٍ برلماني ضخم ؟وكيف يمكن اختصار تجربة تستحق التقييم بعمق وتأني ودراسة قدحاً ومدحاً في لقطة رقمية تحسب بالثانية ؟- لا اشك في القدرة على الأجابة الصحيحة لأي عاقل مستنير -فهذه هي الحقيقة التي لاجدال فيها . لان التقييم لابد أن يكون بعد بحث وتقصي ودراسة وتحليل وبكل التجرد والنزاهة لذلك فان قضية نوم النواب لابد ان تعالج بكل المهنية والموضوعية .لا بمثل هذا التناول الذي مس النائب وحصانته الموضوعية والقانونية . في تقديري يمكن لأي طبيب أو باحث نفسي أن يسود الصحائف عن قضية نوم البشر والسبات والغفوة الطبيعية التي لايمكن مقاومتها لحاجة الجسم وكيمياء الطبيعة الإنسانية . ما حدث من داخل قبة البرلمان للبعض ومن وجهة نظر شخصية بحتة أقول بمنطق الأشياء أن صورة فوتوغرافية للحظة ما لعضو برلماني اخذ منه الرهق والتعب وفي طقس شديد السخونة - غالبه النعاس أو حتى النوم لهنيهة ما لسبب ما (مثل المرض والعلة أو غفوة لحاجةٍ قدرها الخالق لأقل من ثانية لم تفت على محدثها متابعة ما يجري حوله من نقاش يبدأ عند الحادية عشر صباحاً وينتهي في الثانية ظهراً وقد يستمر حتى المساء في أحيان كثيرة -بجدول كثيف مزدحم بموضوعات ضخمة منها الرد على مسائل مستعجلة وطلب إحاطة أو الاستماع لبيانات وزراء تحتوي أرقاماً وتفاصيل ومعلومات قد تكون متضمنة سرداً طويلاً رتيباً يهم بعض المتخصصين في اللجان ذات الصلة ولايعني البعض في التفاصيل الدقيقة نعم رغم قناعتنا بمسئولية النائب في متابعة كل ما يجري حوله داخل القبة قانونياً وسياسياً ولكن تلزمنا الإشارة إلى إشكالية نعاني منها جميعاً في شكل طرح وعرض البيانات وتقديم المعلومات في السودان وفي معظم الدول النامية حيث لم نصل حتى اللحظة للبرلمان الالكتروني ولا الحكومة الرقمية التي تقدم بياناتها بأحدث وسائل التقنية ،والحاسبية بشكل جاذب ومحفز لأنشطة الدماغ والأعصاب ويشد الحواس والانتباه باستخدام معالجات البور بوينت وشاشات العرض المصورة لان إبهار الصورة وجاذبية العرض محفز للسمع والعين وللدماغ. ولعل رتابة العرض والتقديم التقليدي بتلاوة الكلمات تساعد على الملل والملل يحفز على تراخي الأعصاب والارتخاء العضلي والذهني أحياناً وهذه آفة المعلومات عندنا وتلك قضية أخرى .ولكن ليس بالغفوة أو النوم يمكن تقيّيم عمل مؤسسة البرلمان في دورها الرقابي والتشريعي المتكامل . إن من بين نواب الشعب من يعانون من تداخل سخونة الطقس خارج المبنى مع برودة الجو داخل القبة فيصيبهم بعض الفتور ويغالبهم النعاس ولكن لايمنعهم ذلك من إدراك ما حولهم و شخصيا اعرف أناساً تحسبهم نياماً وإذ بك تجدهم يقظين متابعين يفاجئونك بالمعلومة كاملة الحواشي كذلك هناك من يحتاجون للتركيز العالي بقفل العين للحظات أو من يعانون من مشكلة في السمع تستدعي إمالة الرأس أو الكتف فيبدو للناظر كأن الشخص نائم غافٍ. كنت أمني نفسي وغيري أن تتناول الصحف وأن يبتدر رواد الكتابة وأصحاب الأعمدة بالحديث عن دور البرلمان وأهميته في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ بلادنا وان تفتح الصحافة المستنيرة نافذة وتقود ثورة تغيير في عملية التفكير البرلماني من خلال تقييم دور البرلمان بدراسة لوائحه والوقوف على عمل لجانه أو حتى طريقة الانتخاب والاختيار للنواب والمرشحين لدخول مثل هذه المؤسسات لفائدة مستقبل هذه الأمة الرائدة . ليس عيباً أن نقول وندعو عقول ناخبينا وقلوبهم لنقود ثورة تغيير لننتخب الشباب لدخول البرلمان شباب عمراً وصحة ليواصلوا مسيرة هؤلاء النواب العظام الذين نال رهق المسئولية الحزبية والسياسية والتنفيذية من صحتهم وعافيتهم -كان الأجدى أن تنبري الأقلام لتخط الكلمات عن أهمية قيادة تغيير في المفاهيم الانتخابية وضرورة الاهتمام بالصحة المهنية للفرد والاهتمام بالرياضة للعضو البرلماني والسياسي وكذلك يمكن أن ندير حواراً بعقل مفتوح وشفاف عن توقيت الجلسات وإمكانية عقدها مساءً وطبيعة الموضوعات وكيفية تناولها في بلد حاد الجغرافية والمناخ والطقس كالسودان وليس أن نجنح للإساءة والتجريح في مؤسسة البرلمان العريقة بمجرد نشر صور لبعض الاعضاء وهم في حالة يسألوا عنها على المستوى الشخصي لا التنظيمي . وإذا عقدنا مقارنة بسيطة بين ما يحدث في البرلمان السوداني وبعض البرلمانات الأخرى ذات الديمقراطيات العريقة من قذف بالأحذية وتلاكم بالأيدى وتدافع بالرأس والقدم بين الأعضاء داخل القبة بل بصقٍ وتعدي في بعض البرلمانات الصديقة - هل مس هذا السلوك الشخصي جوهر عمل البرلمانات لان هذا يعتبر سلوكاً تنظمه لوائح عمل البرلمان وهو سلوك مرفوض تماماً قد يؤدي لحرمان العضو من منصبه نهائياً ولكنه لا ينتقص من هيبة البرلمانات كمؤسسات محترمة .. فالبرلمان أو مجلس النواب أو مجلس الشعب هو هيئة تشريعية تمثل السلطة التشريعية في الدول الدستورية، حيث يكون مختصا بحسب الأصل بجميع ممارسات السلطة التشريعية وفقا لمبدأ الفصل بين السلطات.،ويتكون من مجموعة من الأفراد يطلق عليهم اسم النواب أو الممثلين. ويكون التحاقهم بالبرلمان عن طريق الانتخاب والاقتراع العام باستخدام الأساليب الديمقراطية. ويتم اختيارهم بواسطة افراد الشعب المسجلين على اللوائح الانتخابية في عملية انتخاب أو اقتراع عام سري ومباشر.، ويكون للبرلمان السلطة الكاملة فيما يتعلق باصدار التشريعات والقوانين، أو إلغائها والتصديق على الاتفاقات الدولية والخارجية التي يبرمها ممثلو السلطة التنفيذية.ويطلق على البرلمان تسميات مختلفة حسب كل دولة مثل «المجلس الوطني او مجلس النواب» - «المجلس التشريعي» - «مجلس الشعب» - «مجلس الأمة» أو الجمعية الوطنية.. والمؤسسة هي هيكل قانوني اجتماعي واقعي يتمتع بخصائص تنظيمية وتتكيف بوعي مع المحيط الذي يدور حولها وبالتالي المجلس الوطني هو مؤسسة برلمانية تؤطرها نظم ولوائح عملها فلائحة تنظيم أعمال المجلس الوطني هي الفيصل الرئيس في تحديد مهام واختصاصات المؤسسة وتحمل في ذات الوقت لوائح تنظم عمل النواب الذين ينتمون لها ويمنحون حصانة قانونية وموضوعية لتكييف تصرفاتهم لاتجعلهم ملوكاً ولكن تحفظ هيبتهم ووقارهم كشخصيات عامة . ولذلك تجد أن كل الدساتير والقوانين الوضعية في السودان اعترفت أن المجالس النيابية تضطلع بوظائف ومهام جسيمة وخطيرة، فهي من تسن القوانين التي تحدد معالم السياسات الحكومية على الصعيد الداخلي والخارجي ،كما أنها تراقب سياسات الحكومة الداخلية والخارجية من النواحي السياسية والمالية والاقتصادية الاجتماعية والثقافية.،فلذلك أعطى الدستور السوداني مجموعة من الحصانات لأعضاء البرلمان وذلك من اجل أن يمارسوا أعمالهم دون اية قيود تحد من حريتهم وتحفظ لهم الاستقلالية بالشكل الذي يبعدهم عن أي تهديد أو وعيد أو ضغط يمارس عليهم، والحيلولة دون إعاقتهم عن متابعة أعمالهم على أكمل وجه دون أن يمنع ذلك من مساءلتهم في قضايا أخرى نظمها القانون ترفع بها تلكم الحصانة وذلك باب كبير ليس هذا مكانه . ولان أي حق يقابله واجب فإن الشق الآخر من الحصانة نجده في ضرورة حماية النائب من التجني عليه وخرق إمتيازاته عند تناول أداء أعضاء المؤسسة التشريعية خاصة من أجهزة الإعلام بحيث يخرج كثير عن النقد الموضوعي إلى الإستخفاف والتجريح لذلك فإن من الأجدى والأجدر للباحثين وقادة الرأي أن يتكرموا بزيارة للبرلمان السوداني - قبته ولجانه ومكتبته العامرة بتاريخ ممتد حسن السيرة وحاضر ملئ بالصعاب والانجازات ومحاولات الإصلاح- و يمكن لكل باحث عن الحقيقة التزود من مكتبته ومن قادته ومن أمانته العامة خبرائها ومستشاريها بتجربة برلمانية راسخة تحتاج منا ومنكم للتقييم الموضوعي - ولغير القادرين على الزيارة الشخصية يمكنهم الاطلاع والدخول عبر بوابة موقع المجلس الالكترونية www.parliament.gov.sd أو صفحاته في الفيس بوك واليوتيوب وتويتر ..ويكون عندها الحساب ولد وبالأرقام لان من شهد ورأى ليس كمن سمع وقرأ. أرجو المعذرة فلم أجد أفضل من بيت الاغنية المشهورة للاستشهاد به فهي أيضاً صورة ذهنية راقية : إجلي النظر يا صاحي الصاحي كالنعسان الطرفو نائم وصاحي مع تقديري [email protected]