** رغم الاحداث والمناشط والتطورات السياسية المتلاحقة التي تمر بها البلاد حرصت كل الحرص على اجابة دعوة عامة من مركز راشد دياب للفنون لحضور منتداه الاسبوعي بعنوان «عشق الوطن» والذي أقيم بالتعاون مع الاتحاد الوطني للشباب السوداني، ويعود ذلك الحرص لسببين اثنين : اولهما الشعور الملح الذي بدأط يحاصرني و الكثيرين من الحادبين بضرورة إيجاد مفهوم حقيقي و مقنع وبديل لمصطلح الوطن يختلف عن المفهوم السائد والذي ورثناه كجيل من (الاجيال القريبة السابقة لنا) ان جاز التعبير، مفهوم مغاير للمفهوم الذي بين أيدينا لأنه صار غير معبر عن مصالح وامال وطموحات أهل هذا البلد الطيب الذين كلما تكاثرت عليهم المصائب والنوازل _التي تسارعت وتيرتها في أيامنا هذه_ازدادت قناعات شرائح واسعة ومستنيرة منهم بضرورة احداث تغيير جذري لرؤيتنا لماهية الوطن. ثانيهما أنه لدي رغبة قديمة في حضور احدى منتديات المركز حيث لفت نظري منذ انشائه في السنوات القليلة الماضية نشاطه المستمر والذي بدا جاذبا للكثيرين وشمول ذلك النشاط لكافة مناحي الحياة ومحاولته تناول أغلب القضايا الثقافية والفكرية التي تشغل الناس. **عند ولوجك لمدخل مركز راشد دياب للفنون للمرة الاولى يلفت نظرك اتساع المكان بمسرحه المفتوح وبجمالياته المتناسقة التي تجعلك تتساءل عن سر خلو مباني البلد عامة والمنشآت المشابهة خاصة من مثل هذه اللمسات الجمالية المبسطة والمستوحاة من التراث المحلي وهي في نفس الوقت على درجة من الرقي والاناقة، هل هي مجافاة لروح الجمال متجذرة فينا أم أن مثل هذا العمل يحتاج لفنان يحمل درجة الدكتوراة ؟ على العموم الرجل تشكيلي عالمي وليس أدل على ذلك حلته التي يرتديها والتي اجزم أنها تثير اعجاب أي من مريدي الزي(البلدي). **بدأ النقاش في المنتدى بعد فاصل غنائي_ كعادة سالبة في طريقها لتصبح مكونا اجباريا لكافة برامجنا الاعلامية والثقافية و الاجتماعية وحتى السياسية على السواء !!_ ثم طرح المضيف ثلاثة أسئلة لتكون محورا للنقاش ماهو الوطن، وما دورنا تجاه الوطن، وماذا ننتظر من الوطن ؟ ومن الواضح أن السؤالين الأخيرين لن يكونا محل خلاف، فأي انسان يتوقع منه أن يقدم كل ما يستطيع تقديمه لوطنه وينتظر هو بدوره كل ما يرجوا أن يجد منه، أما السؤال الأول فهو محوري ومنه تتفرع أسئلة أخرى مهمة مثل هل الوطن هو الأرض أم الأهل أم ... أم... ؟ ولو سار النقاش في هذا الاتجاه لكانت النتيجة أفضل . **اذا افترضنا أن الأرض التي قدر الله أن يولد فيها انسان ما، أو وجدت نفسها فيها مجموعة بشرية ما، هي الوطن الذي يجب على الفرد أو المجموعة الذود عنه والتمسك به و اظهار كل معاني الحب و الولاء له، فإن هناك أسئلة وظواهر لا بد من الاجابة عنها لاثبات هذه الفرضية و اذا استحال ذلك فإن الباب لا بد أن يفتح لنقاش عميق وطويل لايجاد فرضية أكثر قبولا. **في قريتي الصغيرة وفي صباي كنت ألاحظ هرولة وسرعة الغنم عند عودتها من المرعى الى حظائرها مساء عكس تباطؤها للخروج من الحظائر للرعي صباحا،عادت هذه الملاحظة للذاكرة عند سفري خارج البلاد لعدة دول حيث يهرول أهلها بالنزول من الطائرة عند وصولهم لبلدهم في لهفة بينما يتكرر نفس المشهد عند رحلة العودة مع أهل بلدنا، سبحان الله هل هذه الخصلة المشتركة بين الانسان والحيوان في الحنين للبلاد دليل على أن الظاهرة فطرية حيث يشعر المرء بالراحة النفسية بين أهله الذين نشأ بينهم وأرضه التي لا يحس فيها بأنه منقوص الحقوق (مثله والحيوان سواء) ، أم أن هذه الظاهرة دليل على وجوب الخضوع للأمرالواقع وموالاة بلدك هكذا خبط عشواء مهما ساءت أو حسنت نظمه وقيمه وأوضاعه العقدية والثقافية والأخلاقية والسلوكية. **اذا كان الولاء أوالانتماء يكون للارض كقيمة مادية فبماذا نفسر ظاهرة هجرات اختيارية كبيرة لمجموعات سكانية ضخمة في شكل قبائل بكاملها واحيانا شعوب تركت أوطانها (بالمفهوم التقليدي) لتستقر في أراض أكثر صلاحية من حيث الفائدة الاقتصادية و ملائمة المناخ كما حدث في هجرات القبائل العربية خارج الجزيرة العربية أوهجرات الممالك النوبية من شمال السودان لوسطه مثلا؟،هل نحن أسلاف لقوم باعوا قيمهم الوطنية؟ أم ان الارض عنصر ضروري لوجود الانسان لكنه محايد الى درجة بعيدة بحيث يمكن التضحية بالحنين الى المراتع مقابل المصالح الحيوية للمجموعة في أراض أخرى ؟. **واذا كان الولاء أوالانتماء يكون للأهل والعشيرة أوالعرق فكيف نفسر ظاهرة الهجرات الفردية والأسرية الاختيارية أيضا من المجتمع الأم الى مجتمعات أخرى وبصورة نهائية؟ ومثال لذلك (اللوتري) واخيرا بعض المغتربين الذين استوطنوا الخليج ويتمنون الفرصة ليتجنسوا مع العلم أن الحديث هنا عن الفئات التي لا تعاني من أي نوع من أنواع ضيق الفرص أو التضييق هنا وهم بالمناسبة أكثر من المتوقع منهم من رحل ومنهم من ينتظر(واسألوا الشباب ان شئتم)،هل هؤلاء بلا وطنية؟ أم أن بعد الدار ولأسباب وجيهة.... خير من القرب؟. **ان الله حين خلق الناس وجعلهم شعوبا وقبائل ينتشرون في بقاع الأرض انما ذلك ليتعارفوا فيما بينهم أي ليميزوا ويفرقوا بعضهم من بعض كأعلام ،لا لتكون القبلية والشعوبية واستيطان الارض تمييزا للناس كهوية لأن الهوية لاتقوم الا على المعتقدات والقيم والمعارف والتقاليد المشتركة، والهوية بشكلها هذا هي المكون الحقيقي للروح الوطنية التي يمكن أن يضحي الانسان من أجلها بدمه وروحه اذا كانت تعبر عن اشواقه حقا. ** ان الله سبحانه وتعالى قد انعم علينا بالاسلام وهو الدين الخاتم الذي يصبغ هوية كل من انتمى اليه بصورة جذرية بحيث توحده مع الاخر المسلم ولو اختلف معه عرقا أو لونا أو جهة, وهو نفس الاسلام الذي مدنا بالخصال التي نفاخر بها بين الناس وهو نفس الاسلام الذي جمع أغلب مكونات هذه البلاد التي انتشر فيها على التعايش والتسامح الذي مازلنا نعيش بعضا منه،وهو الهوية الوحيدة التي تضمن لنا ان تمسكنا بها (كمسلمين) مواصلة الاندماج والتماسك والمنعة وتحقيق المصالح الحيوية وسعادة الدنيا ةالاخرة.أما اذا شوهنا هويتنا الاسلامية تحت دعاوي التعايش مع الاخر غير المسلم فإننا سنخسر خسارة مزدوجة القيم التي تميزنا بها و القيم التي وحدتنا كمسلمين على مر التاريخ، ودونكم التصدعات العنصرية التي انطلقت،وفي نفس الوقت فإننا لن نكسب الاخر المغاير لان (الحقيقة غير المرة التي لا بد ان يعي لها البعض)انه لم ولن نكون جزءا من نسيج واحد في يوم من الايام.