الجدل حول حقوق المرأة ليس أمراً جديداً في مصر حيث بات دائراً منذ مطلع القرن العشرين. والآن حتى في عام 2010م لم يكن هناك إجماع حول الدور الذي يجب أن تلعبه المرأة في المجتمع فقد حملت القضية إلى دائرة الضوء مرة ثانية عندما صوَّت مجلس الدولة المصري وهو محكمة مفوضة لتسوية النزاعات المتعلقة بممارسة السلطة العامة بأغلبية ساحقة على منع القاضية من العمل في كرسي القاضي. ولكن المحكمة الدستورية العليا قضت بعد أسبوع بعدم دستورية الحكم وألغته. وقد كان مدهشاً أن ترى كثيراً من النساء وقد اعترضن على فكرة أن تكون المرأة قاضية، فالدعوة لحقوق المرأة لا تضرب على وترٍ حساس بالنسبة لكثير من النساء المصريات. فما يراه ناشطو الحقوق عدم مساواة تراه النساء المصريات ببساطة باعتباره فوارق بين الرجل والمرأة، وقد بات هذا التفكير مغروساً بشدة في عقول الأجيال من النساء المصريات «وفي أذهان الرجال بالطبع». فمعظم النساء قد تعلمن أن مكانهنَّ الطبيعي هو البيت. ويجب علينا تغيير هذا المفهوم إن كان لنا أن نعلي من مرتبة النساء في المجتمع المصري، فآلاف الفتيات المصريات اللاتي يواصلن حالياً تعليمهنَّ العالي سّيَقرْنَ في النهاية في البيت ولن يؤثرن السعي وراء الحصول على مهنة. فإن كان هذا هو اختيارهنَّ الحر وليس نتيجة اعتقاد بأنهنّ وضيعات فلن يكون لأي شخص قضية في أن ينصحهنَّ بما يفعلن. وعلى أية حال لن يكون مقبولاً إذا تعززت بمرور السنين فكرة أن النساء لن يكنَّ أبداً ناجحات كالرجل في أية وظيفة محددة، ففي بعض الكليات مثل كلية طب جامعة الإسكندرية نجد أن أكثر من نصف الطلاب من البنات ولم يمنع هذا كثيراً من الأساتذة أن يقولوا لهنَّ متعجبين: (ما الذي أتى بكنَّ جميعاً هنا في المقام الأول؟ فأنتنَّ فقط تشغلن المقاعد وتستنزفن الموارد وفي النهاية تتزوجن وتقبعن في البيوت). فبالنسبة للبنات اللاتي ينوين السعي وراء مهنة يكون الأمر محبطاً ومهيناً، فقد قالت لي طالبة في عامها الخامس بكلية الطب: (ظللت أسمع ذاك الكلام نفسه لمدة خمس سنوات الآن واعتدت أن اتصالح معه ولكنه مزعجٌ ومستفز، وكان عليهم أن يشجعونا، فالتمييز بين الجنسين يجب ألا يكون له شأن بالكفاءة). للأسف أن كثيراً من النساء «والرجال» لا يفكرون بهذه الطريقة، فمن الطبيعي والمتوقع بالنسبة للرجال أن ينظروا لأنفسهم باعتبارهم أعلى منزلة في مجتمعٍ أبوي. ولكن تكون المأساة عندما تتفق النساء معهم على هذه النظرة، فكثير من النساء يبغضن فكرة أن يتلقين العلاج بواسطة طبيبة أو أن تجرى لهنَّ عملية بواسطة طبيبة جرَّاحة «إلا أن يكنَّ في حاجة لاختصاصي أمراض نساء». فالرأي السائد هو أن الرجال يكونون أطباء بأفضل من النساء ولا ينظر لهذا باعتباره كراهية للنساء لكن باعتباره اختلافاً طبيعياً بين الرجال والنساء. فمثلما أن الرجل هو الأفضل في الطب كذلك المرأة هي الأفضل في تربية الأطفال والحفاظ على تركيبة الأسرة. وهناك أسباب مشابهة تفسر لماذا لا يمكن أن تكون المرأة قاضية، فقد باتت النساء لمدة طويلة يسمعن من الرجال أنهنَّ أقلّ قدرة منهم في اتخاذ القرارات الصعبة، وبالتالي فإنهنَّ يفكِّرن بهرموناتهنَّ وعواطفهنَّ أكثر من التفكير بعقولهنَّ أو يسمعن أن التوتر الناتج عن دورات الطمث والتوتر السابق للحيض يؤثر في قدرتهنَّ على التفكير بوضوح، وهذا ما ذهبن لتصديقه أخيراً. وليس لهذه المعتقدات شأن حتى بالعمر، فالفتيات والمسنَّات من النساء يشتركن في هذه الأفكار. وكثير من النساء المصريات لا يقبلن هذه «الاختلافات» فحسب ولكنهنَّ يعتقدن أنهنَّ أفضل وضعاً من أية امرأةٍ غربية. إنه وبفضل برامج هوليوود والتلفزيون الأمريكي فإن المصريين وكثير منهم لم يكن لهم أبداً اتصال حقيقي بالغرب ينظرون للمرأة الغربية باعتبارها امرأة منحلّة ومفتقرة للأخلاق والشرف حيث يتم تقييم جسدها بدلاً عن عقلها وقدراتها. فلا غرو مع هذه الأفكار الراكزة أن ينظر الكثيرون لمجرد فكرة حقوق المرأة بحسبانها مفهوماً دخيلاً فرضته القوى الغربية الفضولية التي تحسد المجتمعات غير الغربية وتريد أن تجرد النساء من شرفهنَّ وملابسهنَّ. ويزعم الكثيرون تلقائياً أن أي ذِكْر لتحرر المرأة يعني دعوة للنساء ليخلعن ملابسهنَّ «ويتجولن سافراتٍ في الشوارع»، وبهذا التصور السلبي «أو المتخلف» لحقوق المرأة لن يتم إحراز أي تقدم. إن النداءات لحقوق المرأة مع أهميتها لن تحقق أي شيء من تلقاء نفسها، فالشيء الضروري هو تغيير الموقف تغييراً جذرياًً للتفكير العام، ورغم أن هذا التغيير لا يمكن أن يتحقق بين عشية وضحاها لكنه ليس مستحيلاً. إن الأم لديها تأثير على تطوير تفكير أطفالها أكثر من تأثير الأب، وينبغي على الأم أن تجعل من نفسها قدوة لأطفالها، فالتغيير يبدأ داخل الأسرة حيث يجب أن يتعلم الأخ والأخت أنهما متساويان. لقد أخبرتني أستاذة تعمل في كلية طب الإسكندرية أنها ترى «أن ترك النساء يتحركن خارج البيت يعتبر خطأً، فينبغي على النساء أن يوقفن العمل ويرجعن إلى واجباتهنَّ الأساس». وهذا تحديداً نوع الأنموذج الذي لا يحتاج إليه الأطفال والطلاب. وأنا لا أحاول التعميم، فبالطبع هناك استثناءات كثيرة وإلا لن يكون هناك جدال حول حقوق المرأة نستهل به النقاش. ملاحظة أخيرة: ربما يقول الكثيرون ممن ليس لهم معرفة بمصر إن الإسلام هو السبب الأساس لغياب حقوق المرأة في مصر، وهذا ليس صحيحاً لأن المواقف السائدة المتعلقة بالمرأة وأحكام التمييز بين الجنسين تتجاوز كل الحدود الدينية ويشترك فيها كثير من مسيحيِّي مصر أيضاً.