في يونيو من العام 2011 وقع مساعد الرئيس الدكتور نافع علي نافع ورئيس «الحركة الشعبية - قطاع الشمال» اتفاقاً اطارياً في أديس أبابا لمعالجة الأوضاع في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، بحضور كبير وسطاء الاتحاد الافريقي ثابو أمبيكي ورئيس الوزراء الأثيوبي ملس زيناوي. وتضمن اتفاق « نافع - عقار» نقاطاً عدة الالتزام بمبادئ اتفاقية نيفاشا، ووثيقة الحقوق المدنية الواردة في دستور السودان الانتقالي، واحترام التنوع السياسي والثقافي والاجتماعي، وحقوق الانسان وقواعد القانون. والتزم الطرفان بتحقيق التنمية المتوازنة في ولايات السودان المختلفة، وأكد الاتفاق أن المشورة الشعبية حق ديمقراطي ودستوري لمواطني جنوب كردفان والنيل الأزرق، لابد من إكمال خطواته، مع بقاء الحركة الشعبية حزباً سياسياً في الشمال. بعد يومين من توقيع الاتفاق عقد المكتب القيادي للمؤتمر الوطني اجتماعا في غياب الرئيس عمر البشير، الذي كان يزور الصين حينها،وتحفظ المكتب على بعض نقاط الاتفاق، ومنها أنه ليس من صلاحية المؤتمر الوطني تحديد قانونية حزب سياسي وتسجيله،باعتبار أن ذلك من سلطة مسجل الأحزاب. وبعد يوم عاد البشير من بكين وتناول الافطار في منزله وركب السيارة مع صديقه وزير الدفاع الفريق الركن عبد الرحيم محمد حسين لأداء صلاة الجمعة في مسجد النور بالخرطوم بحري، وعقب الصلاة أطلق رصاصة الرحمة على الاتفاق. أثلج هذا التطور صدور رافضي التقارب والحوار مع من يعتبرون الوجه الآخر من «الحركة الشعبية» الحاكمة في الجنوب،ودقوا الطبول فرحا،والمزامير طربا،لكن الحرب اشتعلت في جنوب كردفان ثم النيل الأزرق ودفع ثمنها مئات الآلاف من بني جلدتنا وأهلنا الابرياء العزل في الولايتين ونزحوا من ديارهم وتيتمت أسر فقدت الوالد والولد ،بينما بعض نافخي الكير في الخرطوم الذين لم تطالهم نيران الحرب ولم تلفحهم حرارتها وظلوا مع أسرهم في مأمن حتى من رائحة البارود، يطالبون بالحسم والضرب والعبارات التي ما قتلت ذبابة. المواجهات لم تتوقف وظل يدفع ثمنها القابضون على الجمر من النساء والأطفال والشيوخ،حتى صار نحو نصف مواطني جنوب كردفان خارج ديارهم ،يواجهون ظروفا صعبة خاصة الذين في مناطق التمرد،حيث يحاصرهم الجوع والرصاص،دعاة الحسم لا يهمهم ذلك ولم يكلفوا أنفسهم زيارتهم للوقوف على أوضاعهم حتى لا يتحدثوا عن أمر هم بعيدون عنه روحا وجسدا،تدفعهم حساباتهم وتقديراتهم الخاصة. البندقية لا تحل قضية بل هي وسيلة لتعبيد الطريق نحو التسوية السياسية،فكيف لعاقل رفض الحوار والدعوة الى الدمار والدماء،ولمصلحة من؟،اذا كانوا يكرهون مالك عقار وعبد العزيز الحلو وياسر عرمان فهذا مفهوم،فهؤلاء ليسوا شعب جنوب كردفان والنيل الأزرق،وكراهية ثلاثة لا ينبغي أن يدفع ثمنها ملايين. حسنا فعل المكتب القيادي للمؤتمر الوطني باقرار الحوار لتسوية الأزمة في المنطقتين،ولكن هناك من يريدون تحويل القضية الى اشخاص ويريدون تخوين بعض أعضاء الوفد المفاوض مع الجنوب رغم أنهم لم يتخذوا قرار الحوار ولم يشاركوا فيه،وليتحلى دعاة الحرب بالشجاعة ويطعنوا في الفيل لاظله ،وليسموا الأشياء بمسمياتها بدلا عن التعمية،و«الدغمسة». من لا يريدون السلام والحوار عليهم ترك العاصمة ومقاعدهم الوثيرة وقصورهم المنيفة وليلبسوا لامة الحرب ويتجهوا الى هناك،يريدون أن يقاتلوا بألسنتهم وأقلامهم ويجنوا ثمرات بلا عرق ولا دماء،هذه مسؤولية اخلاقية ودينية،لا ينبغي التعامل معها بهذه الطريقة التجارية،في سبيل الحصول على مكاسب سياسية محدودة،فاتقوا الله في وطنكم وأهلكم.