انعقد في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور بين يومي العاشر والثاني عشر من شهر يوليو 2012 مؤتمر دارفور بتنظيم من أركان السلطة الاقليمية التي تتكون من السادة الولاة الخمسة لولايات دارفور مع وزرائهم ومفوضيات وخدمة مدنية، وقد حضر المؤتمر كما جاء في أجهزة الإعلام ما لا يقل عن ألف شخص وهو مؤتمر نوعي لأنه ثاني مؤتمر ينعقد في السودان لدراسة امكانات الحل لقضية وطنية ملأت الدنيا وشغلت الناس، فمنذ مؤتمر المائدة المستديرة في 1956 لمناقشة قضية جنوب السودان في عهد الراحل سر الختم الخليفة رئيس وزراء الحكومة الانتقالية عقب سقوط حكومة الراحل الفريق ابراهيم عبود، لم ينعقد أي مؤتمر داخل البلاد حتى جاء مؤتمر مبادرة أهل السودان الذي انعقد في كنانة لبحث سبل الحل لقضية دارفور ونحمد الله سبحانه وتعالى على هذه الخطوة الثانية في عودة مناقشة قضايا السودان داخل السودان ثم في موقع الحدث. هذا هو المؤتمر الرابع لقضية دارفور وكل مؤتمر ينتهي برفع القرارات والتوصيات والسؤال أين تذهب تلك القرارات ناهيك عن التوصيات التي قد تخضع لاعادة النظر، وهذه المؤتمرات تكلف مبالغ طائلة كان في الامكان الاستفادة منها في اعمار وتطوير الخدمات الاساسية من تعليم وصحة وبنيات تحتية لولايات دارفور من طرق واتصالات وزراعة وصناعة ونسأل أين ذهبت قرارات مؤتمر أبوجا الذي جاء بالسيد أركو مناوي إلى مقعد مساعد رئيس الجمهورية؟ وقبل هذا استقباله عند وصوله البلاد استقبالاً جماهيرياً كبيراً في الساحة الخضراء قيل ان ذلك الاستقبال كلف مليارات الجنيهات وأخيراً خرج السيد مني أركو مناوي من القصر وذهب إلى جنوده في دارفور وجلس تحت ظل شجرة قال انها أفضل له من ظل المكتب في القصر الجمهوري الذي لم يستطع فيه ولمدة ثلاثة أشهر من مقابلة السيد رئيس الجمهورية وهو مساعده، فمن يا ترى يضع هذه المعوقات؟ من هو صاحب المصلحة والنفوذ القوي الذي يريد استمرار الحرب والقتال في دارفور؟ وأخيراً يودع مني أركو مناوي القصر وتنتهي اتفاقية أبوجا بعد كل تلك الجهود والأموال التي صرفت في وأثناء المباحثات في نيجيريا، وبعد أبوجا جاءت مبادرة أهل السودان في كنانة وذهب إليها خيرة أبناء الوطن فقدموا مبادرة أخذت اسم (مبادرة أهل السودان) ورفع المؤتمر قراراته وتوصياته واستمعنا إلى السيد رئيس الجمهورية يتحدث عبر وسائط الاعلام في خطاب موجه للأمة السودانية عن ما اتخذته الدولة من قرارات حيال قضية دارفور بناء على مخرجات مبادرة أهل السودان، ولكن يبدو ان تلك القرارات لم تجد طريقها للتنفيذ أو ربما رأت ولكن ببطء وتحفظ، وبصورة لم تستجب لطموحات أهل دارفور فاستمر القتال وبذلك اضطرب الأمن وساد عدم الاستقرار فجاء مؤتمر الدوحة الذي استمرت فيه المباحثات والمشاورات لثلاثين شهراً أي عامين ونصف العام ولا شك ان التكلفة كانت عالية من تذاكر السفر بالطيران ذهاباً وإياباً، ونثريات، واقامة في الفنادق وترحيل داخلي وموائد غداء وعشاء، فجاء منبر الدوحة بالسلطة الانتقالية لدارفور تحت رئاسة الدكتور التجاني السيسي، وهي سلطة من اسمها (انتقالية) مناط بها نقل دارفور من حالة الحرب إلى السلام، ومن حالة الاضطراب إلى الاستقرار، ومن حالة الدماء إلى الاعمار ومن حالة الفوضى إلى الأمن وهكذا ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هل تستطيع السلطة الانتقالية القيام بذلك؟ والاجابة عن هذا السؤال صعبة لخشية الله تبارك وتعالى في حالة الكذب وخشية السلطة الحاكمة في حالة الصدق، وحديث الدكتور السيسي أمام المجلس الوطني في الشهر الماضي كاد ينعى فيه كل تلك الجهود، فسافر مضطراً إلى الدوحة راعية المباحثات علها تتدخل وأظنها تدخلت ومن نتيجة تدخلها قيام مؤتمر أهل دارفور هذا في الفاشر، إذن ما هي المعيقات؟ ومن يضع العراقيل؟ من هم الذين يستفيدون من استمرار الحرب في دارفور وإلى متى يودون استمرار هذا الحال؟ وقد شهدنا يوماً أثناء حكومة الوحدة الوطنية قبل انفصال الجنوب والتي تكونت بموجب اتفاقية نيفاشا للسلام كيف احتمى وزراء الجنوب في تلك الحكومة بعاصمة الجنوبجوبا بالانسحاب من الحكومة، ولا شك أن عقبات شديدة أجبرتهم على اتخاذ تلك الخطوة، ونلحظ ان قضية دارفور ومنذ اندلاعها في العام 2003 وعمرها الآن تسع سنوات دارت لها أربعة مؤتمرات وهي أبوجا، ومبادرة أهل السودان، ومنبر الدوحة وأخيراً أهل دارفور، وقد لا يكون الأخير ولكنا نريد له أن يكون الأخير، كما شهدت القضية تدويلاً تحت أسباب مختلفة وقوانين دولية متنوعة ثم قوات دولية تحت اسم (قوات الأممالمتحدة لدارفور) والغرض منها أن تحفظ السلام ولكنها عاجزة عن أن تحمي نفسها، ونشهد اضطرابا في أمن السفر بين نيالاوالفاشر حتى ان واليها يطلب مساعدة هذه القوات الأممية ان تنقل له عبر طائراتها طلاب الولاية إلى الفاشر وعددهم سبعمائة شخص، ولا ندري كيف الحال في بقية طرق الولاية التي تربط مدنها بقراها. وشهدت قضية دارفور في هذه الفترة الوجيزة - تسع سنوات - عدداً من المبعوثين للأمم المتحدة وللاتحاد الافريقي منهم السيد سالم أحمد سالم الأمين العام لمنظمة الوحدة الافريقية سابقاً وقبل تحويلها إلى الاتحاد الافريقي اليوم ومعه إيان الياسون عن الأممالمتحدة وبعدهما جاء جبريل باسولي كما شهدت دارفور زيارات شخصيات دولية مرموقة ومنهم الجنرال كولن باول وزير خارجية الولاياتالمتحدة ثم كونداليزا رايس وهي كذلك وزيرة للخارجية الامريكية في عهد بيل كلينتون ووزراء خارجية بريطانيا وفرنسا والمانيا، وزيارة أمين عام الأممالمتحدة كوفي انان وغيرهم وباختلاف الأغراض المرتبطة بالمصالح والصراعات الدولية للهيمنة وبسط النفوذ. ان طريق الانقاذ الغربي لو اكتمل بناؤه لأنقذ الغرب من ويلات كثيرة ولكن الذي حدث وعطل تنفيذه غير معلوم بل جاء بحكمة اطلقها الدكتور علي الحاج وهي (خلوها مستورة) وليته لم يطلقها ولماذا تكون مستورة والضرر كبير على دارفور خاصة والوطن عامة، وربما جاء تطبيق (خلوها مستورة) على عدد من أنواع الفساد ومنها قضية الأقطان وقضية مدحت عبد القادر في وزارة العدل، وقضية وزارة الارشاد والأوقاف في هيئة الحج والعمرة والتي أطاحت بالوزير الدكتور أزهري التجاني، والثانية مع هيئة الأوقاف وأطاحت بالوزير الدكتور خليل عبد الله، وبعض الدوائر الرسمية تمنع أجهزة الاعلام المقروءة من الخوض فيها، وفي ذلك تشجيع على الاستمرار في الفساد في مواضيع تخص الجميع وليس فئة معينة وغيرها من القضايا التي قد يكون لها في يوم من الأيام ضرام. ولابد من السؤال عن طموحات حملة السلاح من أبناء دارفور وهل الاستمرار في القتال سيؤدي إلى الوصول إليها؟ أفلا ينظرون إلى أهليهم في معسكرات النزوح وكيف يعانون فيها؟ أفلا يبصرون حال مواطني دارفور في معسكرات اللاجئين وعددهم بالآلاف في دول الجوار عند تشاد وافريقيا الوسطى؟ وكيف يقيمون قطعهم للطرق الداخلية في ولايات دارفور ومنعهم للسفر والتواصل والتجارة البينية وحجبهم وصول المؤن والغذاء ومستخرجات البترول، وتعطيل الزراعة والدراسة وحرق وهدم المنشآت القائمة بدلاً عن صرف تلك الأموال المتوفرة لديهم في تحسين الخدمات وفي اعادة التعمير، واستقرار التعليم ورفع كفاءة الخدمات الصحية وامدادات المياه وبرامج تربية المواشي والأنعام كثيرة في دارفور مع التفكير الجاد في هل الذي يقومون به الآن فيه مصلحة لهم ولأهليهم ولبلدهم الصغير ثم الوطن الأم؟! ويقيني ان الجبهة الثورية لا مستقبل لها بل هي مخلب قط لزعزعة الأمن والاستقرار في السودان الكبير، وليس في حديثي هذا استدرار لعواطفهم بل حقائق عليهم امعان النظر فيها، ومصير الجبهة الثورية مرهون بالعلاقات بين شمال وجنوب السودان والتي لابد لها أن تتحسن وقريباً جداً، ولن تكون الجبهة الثورية حجر عثرة، فالعلاقات السودانية الاثيوبية توترت ثم تحسنت، والعلاقات السودانية المصرية توترت ثم تحسنت وكلها بسبب المصالح المشتركة، ومصالح جنوب السودان أكثر ارتباطاً بالشمال، وحركة العدل والمساواة مرتبطة بحزب المؤتمر الشعبي الذي نرى ان عمره قصير فقد تتفكك أوصاله برحيل الشيخ حسن الترابي وهي عنده للانتقام فقط والجبهة الثورية ذاتها قد تفقد في القريب أحد قادتها وهو عبد العزيز الحلو بسبب المرض الذي تمكن منه والأعمار بيد الله سبحانه وتعالى، وهكذا نرى ان كل الأحوال وقرائنها ليست في صالح حاملي السلاح من أبناء دارفور، والأوضاع في دارفور الكبرى أفضل بكثير عما كانت عليه في سابق الأوان ففيها اليوم جامعات، ومستشفيات تعليمية ومطارات، وشوارع أسفلت مطروقة، وأخرى تحت التشييد، وبعض أبناء دارفور من الثراء بمكان وبعضهم في مناصب عليا في الدولة ويحكم ولايات دارفور الخمس أبناء دارفور، فلابد من اغتنام هذه الفرص المواتية لتطوير واعادة بناء ما دمرته الحرب والاستفادة من قرارات وتوصيات مؤتمر أهل دارفور وهم أدرى بشعابها.