سويعات معدودة ويهل على الأمة الإسلامية هلال عيد الفطر المبارك أتمنى أن يعيده علينا المولى عز وجل والسودان وكل الأمة الإسلامية والدول العربية تنعم بالنماء ويسودها الرخاء . فلنجعل من العيد السعيد مناسبة لمراجعة ذواتنا على المستوى الشخصي والعام وليتفحص كل واحد منا موقعه من إعراب الحياة ومن ثم ليسل ذاته لماذا هو في المكان الذي فيه وهل بالإمكان أفضل مما كان . والإجابة على السؤال أعلاه ذي الشقين على قصره يحتاج إلى وقفة تصالح صادقة مع ذواتنا لئلا يكون الرد مجافيا للواقع وواقعا في براثن ما أقعدنا من الزيف والخداع وغض الطرف عن عيوبنا التي نعمل وسعنا في دمدمتها ونحرص أيما حرص على تغطيتها بكل ما أوتينا من قوة حتى برعنا ليس في إيهام الآخرين فحسب بأننا تمام التمام وكل شيء صاغ سليم بل تسلل الوهم إلى ذواتنا التي تقف بجلاء على ما تنطوي عليه دواخلنا من تقاعس وخمول وكسل وحب لكسب الحمد بما لم نفعل حتى عميت بصائرنا وضلت طريقها إلى ما يجب أن تكون عليه مصائرنا من نيل خيري الدنيا والآخرة فأين مكمن الداء وأس البلاء ؟ الإجابة عن السؤال الأول ذي الشقين إن جاءت صادقة وشفافة أكاد أجزم وأبصم بالعشرة لا تبعد قيد أنملة إلا بمقدار غير معنوي بحسب معايير ومقاييس علم الإحصاء ستكون أننا في الذيلية في مختلف ضروب الحياة التي مهما ذكرت من مجالاتها تكون النتيجة ثابت ويزيد وبدون طويل وقوف عند حقيقة القبوع في الذيلية والرضا بالدونية في شتى المجالات الحياتية يكون حري بنا الانتقال للشق الثاني من التساؤل ولنلحق به لاحقه عن أين مكمن الداء ولنتحمل عنت البحث عن المبررات والتنقيب عن المسببات فالرد عند كل من احتفظت دواخله ببعض ذرات الهمة نعم بالإمكان أفضل مما كان لاسيما إذا عرفنا واعترفنا بمواطن الداء التي طالما أقعدتنا وقادتنا للتخلف عن ركب الأمم التي تجاوزتنا بعلو همم بنيها وقوة سواعدهم على الإنجاز . فكل متابع ومراقب للشأن السوداني يلحظ أن ثمة تضعضع وتراجع كبير في مستوى الدور الرسالي للاسرة إذ لم يعد الآباء وأولياء الأمور قادرين على أداء دورهم الرسالي المنوط بهم جراء لهثهم المتواصل والمتلاحق لتوفير لقمة العيش لمن يعولون حتى نسي كثير منهم في غمرة انشغالهم اللاهث أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان لاسيما في ظل الظرف الاقتصادي الراهن الذي يزداد حلوكة يوما إثر آخر فتضاعفت المشاكل وكبرت المسؤوليات ناسين مأثور قولنا الشعبي (ولدك شبعو وطبعو) فكم من أب أو ولي لا يجد فرصة للجلوس بل مجرد إلقاء نظرة على من يعول فيكتفي بترك المصروف وترك أمر تربيتهم للظروف التي سمتها المناوشة والنيل من قيم الأبوية التي عادة ما يتشربها الأبناء من آبائهم فمن شابه أباه فما ظلم فالأمر عندي مرده إلى ترك كثير من الآباء أمر تربية أبنائهم لأمهاتهم اللائي مع جل احترامنا للدور الرسالي الكبير للأم ومقدار ما يبذلن من جهود مضنية ويبدين من صبر وأناة وجلد لا يتوفر معشاره للرجل وهن يرضعن فلذات أكبادهن طعم الحياة يكن في حاجة ماسة لإكمال ما غرسن من قيم وبذرن من معاني إلى دور الأب حتى يكون النتاج خليطا ومزيجا يعجب الزراع نباته ولنمعن النظر جميعا في الفرق الشاسع في تنشئة وتربية طفل نما وترعرع في كنف والديه عن قرب وبين من أوكل أمره إلى أمه في ظل غياب الأب (الموجود) غير (المتواجد) مع بنيه وإن لم يسلبه اغتراب مكاني بل ضرب من الاستلاب الوجداني والمادي فاختزل دوره وقزمه حتى قصره على توفير المال والاحتياجات المادية ظنا منه خطلا أنه بصنيعه هذا قد أجزل العطاء فاستحق الثناء وما درى المسكين أنه مصاب بداء اجتماعي عصي العلاج سيورده حتما موارد الهلاك فهل من هلاك أكبر من أن يخيب غرس (أبناؤه) ؟ يضاف إلى ذلك التراجع البين في دور الأسرة الممتدة من اضمحلال لدور الحبوبة واختفاء لدور الجد في تنشئة الأحفاد وحليل زمن (بتقرأ الفاتحة يا المبروك). وبالانتقال بالناشئة من حضن الأسرة إلى مدارج السلك التعليمي بدءا من الرياض ومرورا بالأساس وانتهاء بالثانوية لا يجد المرء كبير عناء في أن السلم التعليمي به من العيوب والثقوب ما لا يمكن تجاوزه زاد من شدة فتقها وعدم القدرة على رتقها المعاطب والمعايب التي لصقت بالمنهج التعليمي المفتقر إلى أدنى درجة من غرس قيم الوطنية بجانب تكريسه للحفظ والتلقين بعيدا عن ترك فرصة للناشئة لإمكانية حفز ملكة الابتكار وبالنأي عن الخوض في ما يؤخذ على المنهج التعليمي دعونا نركز على خلوه من تقوية الحس الوطني وزرع قيمه في نفوس الطلاب والشباب نصف الحاضر وكل المستقبل بالقدر المطلوب ولندعُ إلى مراجعة عجلى للمناهج التعليمية وليعكف المختصون على زيادة جرعات التربية الوطنية علاوة على التركيز والاهتمام بكل ما يمكن أن يطلق العنان للطاقات الكامنة في نفوسهم لا سجنهم في أضابير التلقين وباحة الترديد الببغاوي التي غدت سمتا مميزا لمجمل الأداء في مرحلة التعليم العام التي لا تعد البنية التحتية المؤهلة للمرحلة الجامعية بيد أنها ونتيجة لهشاشة الأولى ضعفت وتضعضعت الجامعة ولم تعد جميلة ومستحيلة وبوتقة للإبداع وتفريخ المواهب بل إن الجامعة (أي جامعة بالبلاد) عوضا عن الوقوف في وجه تيار انحدار المجتمع والتصدي له وجدت الجامعات نفسها لم تكن بمفازة من الانجراف في أتون سيل فقدان القيم الجارف وكيف تقوى على لعب دورها المنوط بها وهي طائر مهيض الجناح مسلوب الإرادة والدولة تأنف عن تقديم ما يعينها على أداء دورها الرسالي لأجل هذا ليس غريبا أن تمور سوح الجامعات بكل ما هو غريب من التفانين والتقليعات على مستوى المظهر العام للطالب الذي فقد بريقه ووميضه الدال عليه سابقا فسقط رداء هيبته ولم يعد تمييزه من بقية سرب المجتمع أمرا هينا . وبالتتبع لأس التراجع الذي نعيش نجد أن للشارع والبيئة من حولنا دور متعاظم ونصيب لا يستهان به إذ تسلل إلى ذوات الغالبية العظمى أمراض وأسقام كان إلى عهد قريب تحمل مكونات المجتمع جينات تقوى على ممانعتها وإجبارها على عدم الظهور عنوة واقتدارا فظلت متنحية ولم يوات لها البروز إلى حيز الوجود إلا بعد أن وهن عظم المورثات التي صارت لا يُؤبه لها ولا يُؤخذ بها فساد الغش وتفشت النميمة وعمت مظاهر الخداع والكذب والرياء وتمكن وتغلغل الفساد في كل مناحي الحياة فلم تسلم منه بقعة حتى وصلت به الجرأة إلى تلطيخ سوح الدين ووجد كل قبيح مهدا صالحا للبزوغ فتمكنَ حتى صرنا مسخا مجتمعيا مشوها فاقد للون والهوية مفتقرا إلى الخصوصية التي كانت تميزنا عن سائر الشعوب من تعاضد وصدق وأمانة وما شاكلها من قيم مجتمعية وموروثات أخلاقية فلم يعد الرجل أخو البنات ومقنع الكاشفات بل أضحى مهددا لمن كان إلى عهد قريب مأمون عليهن (بنوت فريقو) فطفت إلى السطح مظاهر من الجرائم والمخالفات المجتمعية ما لم يكن للناس سابق عهد بها فانزوى الحياء و(تبعبعت) وعلا صوت المجاهرة بالسوء ولم تعد قصرا على المظلومين . لأجل هذا ليس غريبا انتشار الفقر وسط قطاعات المجتمع انتشار النار في الهشيم وتوارت الرحمة وغاض التعاون وانزوى التراحم بين أفراد المجتمع الذي أضحى يأكل فيه كل فرد منه (نارو) وطغت الأنانية وكثر الاحتراب وزاد مد الاقتتال وارتفع جزر الأُخوة في الوطن ولملم العدل أمتعته وفرد الظلم أشرعته وطغا التطرف واختفى بريق الاعتدال حتى لم يعد له وميض . وصعيد السياسة فشأنه يغني عن السؤال غير أنها ليس بأفضل حالا بلا أدنى شك من ما لحق بالمجتمع وأفراده فلنتخذ من العيد مدعاة وفرصة لمراجعة ذواتنا عسى أن يعود علينا في السنة القادمة ويجدنا قد انتفضنا على واقعنا المزري وكل سنة والجميع بخير. [email protected]