أوردت جريدة «الصحافة» الموقرة مقالتين لكاتبها الراتب د. صلاح محمد إبراهيم عن ما سماه الكاتب مشكلة خريجي كلية كومبيوترمان (جامعة المستقبل) مع المجلس الهندسي، ومما يؤسف له أن تأتي المقالتان مليئتان بمغالطات نربأ ب «الصحافة» أن تلجأ لمثلها. المقالة الأولى بتاريخ 2012/7/29م جاءت تحت عنوان «التعليم العالي والمجلس الهندسي، أخطاء الكبار ضحاياها الصغار»، ومع احترامنا للصحيفة وللكاتب يحزننا أن تلجأ الجهتان لأسباب لا نعلمها لاختراع وقائع لا أساس لها، والرد عليها بتجريم جهات هي أبعد ما تكون عن ترصد مواطنين بغية الإضرار بهم لتغطية قصورها عن أمور تكليفها الموثقة في دساتيرها وقوانينها. على رأس هذه المغالطات زعم الكاتب بأن المجلس الهندسي قد كان مغيباً عند إجازة مناهج الكلية حسب ما ورد في المادة «6ج» من دستوره. والواقع ان المجلس قد اضطلع بأمر إجازة مناهج الكلية في التخصصات المعنية، وقد كان برنامج العمارة آخرها، وأخطر المجلس الكلية بإجازته بتاريخ 2005/2/15م. وربما أشادت لجان المجلس بما ورد في بعض تلك البرامج في بعض المواضع ولم يرد من المجلس حتى تاريخه أي نقد لهذه المناهج، وحتى المعالجات التي اقترحها المجلس لحل مشكلة الرقم الهندسي للخريجين ظلت معتمدة على تنفيذ ما ورد في هذه المناهج. وعليه تنتفي حجة الكاتب الأساسية حول الخلاف بين الوزارة والمجلس حول المناهج وما تبعها من استعداء للوزارة لتحجيم دور المجلس. ونؤكد أن الجهتين متفقتان تماماً على صحة مناهج الكلية، وتحفظات المجلس هي على وسائل انفاذ هذه المناهج وفترتها الزمنية بصورة تختلف عن التي تتبعها أكثر من خمسين جامعة وكلية في السودان، ونقول بدون تحفظ وفي العالم أجمع لتأهيل المهندس المهني. ونضيف ولعلم الكاتب أن المجلس الهندسي هو الجهاز الحكومي التنظيمي والرقابي لمهنة الهندسة، والمجالس المهنية عامة أذرع وزارة التعليم العالي وآلياتها التي تتحقق عبرها من أن المناهج والخطط الدراسية التي أجازتها الوزارة قد طبقت بالعمق المطلوب والمدى الزمني المفروض للتأكد من جودة الخريجين. كما أن الشهادة التي تمنحها الجامعات هي شهادات أكاديمية، بينما الشهادات التي تمنحها المجالس المهنية هي شهادات ممارسة المهنة. وللعلم وفي أواخر عام 2007م علم المجلس أن الكلية تنفذ البرامج في فترة أقل من المتبع في كل المؤسسات السودانية (والعالمية)، ومن ثم كتب للكلية بتاريخ 2008/1/28م يخطرها بضرورة أن تنفذ البرامج في عشرة فصول بواقع فصلين في العام، على أن يكون الفصل الثالث القصير لإزالة الرسوب، ولا يحسب ضمن الفصول العشرة المعتمدة عالمياً. إذن المجلس لم يكن مغيباً عن الأحداث كما زعم الكاتب، إضافة إلى أن هذا التواصل الكتابي يشير إلى سقوط فرية الصراع التي أراد الكاتب الترويج لها بين الوزارة والمجلس، ولعلم الكاتب نفيد بأن رئيس لجنة التعليم الهندسي بالوزارة هو نفسه حالياً رئيس اللجنة الأكاديمية بالمجلس، كما أن باللجنتين (لجنة المجلس ولجنة الوزارة) عضوية مشتركة تضم مجموعة متميزة في قيادة المهنة (تدريساً وإدارة مؤسسات تعليمية وممارسة مهنية ممتدة شملت حتى آخر مستجدات المعرفة ومهاراتها الحاسوبية) إذا أيضاً سقطت حجة دكتور جيكل ومستر هايد. وعندما تسلمت الكلية خطاب يناير المذكور أعلاه، أفاد مسؤول فيها بالالتزام بما ورد فيه، ولكن المجلس علم لاحقاً بعدم تنفيذ ذلك، فكتب مرة أخرى للكلية بتاريخ 2008/3/24م، وردت الكلية نافية تعهد مسؤولها الشفاهي، ثم عاود المجلس الاتصال بتاريخ 2008/5/21م مكرراً ضرورة الالتزام بالسنوات الخمس أسوة بكل برامج الهندسة في السودان والتساوي في الظلم عدل ولم ترد الجامعة وقتها، ولكن رئيس مجلسها تكرم بالرد في 2008/12/31م يرفض الالتزام بتوجيه المجلس الهندسي، ثم كتب في نهاية الخطاب بأن الكلية قد تجاوزت هذا الأمر برمته، ولكنه لم يبين كيف تم ذلك التجاوز. وهنا تمسك المجلس برأيه المبرر حسب قوانينه، وسعت الكلية التي أصبحت جامعة بتجاوزها حتى ابتدأ الخريجون البحث عن الرقم الهندسي من الجهة التي تجاوزتها الجامعة ممعنة في استسهال توجيهاتها مظنة أنها الأقوى مهنياً على تسيير أمور تعليم المهنة. المادة «13» تحدد دور المجلس الهندسي في «التأكد من سلامة مناهج الدراسة ثم مستوى التأهيل والتدريب»، والجزء الأخير هذا هو موضوع الخلاف مع الكلية وليس المناهج لعلم الكاتب، وهو دور تقوم به المجالس المهنية على مستوى العالم، ويقيننا أن الكاتب المفضال قد حصل على مستوى من المعرفة يستطيع بها أن يفرق بين منهج مكتوب ومدة تنفيذه ووسائل تطبيقه، فالمنهج وحده لا يصنع مهنياً. وهذا عين ما جاء في تقرير لجنة المعالجات التي لم تشر قط إلى قصور في محتوى المنهج الذي أجازته لجان بعضهم من ضمن عضويتها، ولكن اللجنة ومن واقع المعلومات التي وفرتها لها جامعة المستقبل مشكورة أوردت ما يلي: «اطلعت اللجنة على تقارير الممتحنين الخارجيين لكل من تخصصات العمارة والاتصالات وهندسة الحاسوب، وقد اتفقت آراء الممتحنين الخارجيين (من داخل تقاريرهم) على أن الامتحانات في الأقسام الثلاثة قد شملت بشكل عام محتويات المقررات (مما يعني ضمناً أن اللجنة لم تغالط الوزارة في محتوى المقررات).. ولكن الممتحنين اتفقوا على أن مستوى أسئلة الامتحانات التي عرضت عليهم كان أقل من المطلوب، حيث كانت الأسئلة لا تتطلب تعمقاً من الطالب، ولم تستطع التمييز بين الطلاب المتميزين من غيرهم، (كما) رأى بعض الممتحنين أن مستوى إجابات الطلاب على الأسئلة كان أضعف من المتوقع. وقد لاحظ بعض الممتحنين الخارجيين أن هناك ضعفاً لدى الطلاب في استيعاب بعض المقررات (التي أجازتها الوزارة والمجلس)، أو في بعض أساسيات الدراسة الهندسية للتخصص، وهذا بعض ما دفع لجنة المعالجات لضرورة اقتراح معالجات لتلافي هذا الضعف حمايةً للمستهلك الذي يبيعه الخريج الخدمة المهنية، وهذا من صميم عمل المجالس المهنية حول العالم. وفي ختام مقالته الأولى، وبناءً على فريته التي اخترعها عن الخلاف بين المجلس والجهات الأخرى حول المناهج وحول المادة «13» من قانون المجلس الهندسي، وصل إلى خلاصة مثيرة هي «إن المجلس قصد أن يقول... طظ... للمجلس القومي للتعليم العالي»، وهذا عندنا مستوى من التعابير التي لا نرضاها لصحيفة محترمة مثل «الصحافة»، كما أن واقع الحال يقول عكس ذلك تماماً عن تكامل هذه الجهات، ولا ندري من هم الذين قصد الكاتب استثارتهم بمثل تلك الكلمات العجفاء التي نعتقد أنها غير لائقة ولا تقدم شيئاً لحل مشكلة الخريجين، ولا تؤثر في مؤسسات راسخة في قامة وزارة التعليم العالي وقامة المجلس القومي للتعليم العالي وقامة المجلس الهندسي وقامة جامعة المستقبل. وفي مقالته الثانية بتاريخ 2012/8/12م، يبدأ الكاتب بالحديث عن الظلم، ويقول «إن العدالة هي وضع الأمور في موضعها الصحيح وإعطاء كل ذي حق حقه، وخلاف ذلك هو الظلم»، ونسى ان أساس العدالة يكمن في سماع وجهة نظر جميع أطراف النزاع والتحقق والتأكد والاستناد إلى البينة ومن ثم الحكم، وخلاف ذلك هو الظلم. وأشار الكاتب أيضاً إلى المادة «13» من قانون المجلس الهندسي التي قال عنها «انه لم يجد لما ورد فيها مثيلاً على وجه البسيطة»، ولا نريد مغالطته لكن نحيله إلى وثائق معروفة لمجالس مهنية ليست وزارات مثل وثائق ABET وRIBA وSACAP هذا عن وسائل اعتماد البرامج لمستوى تأهيل خريجيها للتسجيل المهني بدرجاته المختلفة «مهني، تقني، فني، وعامل ماهر»، وهذا فقط على سبيل المثال لا الحصر. وعقب ذلك دلف الكاتب إلى تحديد سنوات نيل المؤهل المهني، حيث تحدد (عالمياً) بخمس سنوات لبكالوريوس الشرف كما في كلية الآداب أو للماجستير، حيث يكون الماجستير هو المدخل للمهنة كما في جنوب إفريقيا وبعض دول غيرها، وقد أصبحت السنوات الخمس مرجعية وحيدة على وجه البسيطة، انظر وثيقة اليونسكو/ اتحاد المعماريين العالي UNESCO/UIN ACCORD التي حددت للاعتراف بمخرجات منهج المعمار على مستوى العالم، وبدون تجاوز وعليه فإن مهمة المجلس الهندسي الأساسية هي التأكد من أن مخرجات المناهج الهندسية ستكون بمستوى صار متفقاً عليه على وجه البسيطة الذي يعرف المهنيين والأكاديميين في مجال الهندسة. واللاستزادة نفيد الكاتب للمثال بأن نظام التعليم الهندسي في جنوب إفريقيا هو التخرج في ثلاث سنوات ببكالريوس يؤهل للتسجيل بدرجة تقني، وسنة رابعة شرف تؤهل للتسجيل بدرجة تقني عالي، وسنة خامسة بكالريوس لزوم التسجيل كمهندس مهني كامل العضوية طبعاً بعد فترة محددة للتدريب كمهندس تحت التدريب Cadet مثلما لدينا في فترة المهندس الخريج. ونؤكد أن لائحة تقويم التعليم الهندسي في السودان التي يعتمدها المجلس مرجعيةً في اجازة البرامج الهندسية مستمدة من المعايير العالمية للتعليم الهندسي. وفي ختام هذه المداخلة يمكن الخلوص إلى ان ما يقوم به المجلس هو من صميم تكليفه لا تعدياً على سلطات أحد، كما أنه يتبع نظاماً عالمياً للتأهيل المهني الذي يؤهل للممارسة حول العالم، كما نفيد بأن جميع مخرجات المؤسسات التي تحصل على اعتراف مؤسساتها المهنية في مواطنها الأم تعتبر معتمدة لدينا، وهذا ما نعمل له بخريجينا منفعة متبادلة. والمكاتبات التي أشرنا إليها عاليه بين الكلية (الجامعة) والمجلس، توضح أن المجلس لم يكن نائماً عن الموضوع طيلة السنوات الماضية، ونشكر الجامعة لاستجابتها والرجوع لنظام السنوات الخمس، ولم نطلب منها أي تعديل في مناهجها المعتمدة لدينا منذ أمد بعيد، ونرجو من الكاتب التأكد من مصادر الخلاف لا اختراعها، والرد عليها بنوع اللغة التي يحسن استخدامها، والذي يحزننا لجوؤه إليها بغرض الاثارة البغيضة التي وصلت إلى حد تحريض الخريجين على القيام بمحاصرة المجلس مرة أخرى إذا لم يستجب لما أفادهم به، ليكون حصارهم بغرض فض الخلاف بين الوزارة والمجلس، والذي هو من واقع تخريجاته وليس من واقع الحال... والغريب أن الكاتب صب جلّ اتهاماته على المجلس، علماً بأن المجلس لم يقم بتدريس هؤلاء الطلاب ولم يأخذ منهم قرشاً واحداً، والمجلس لا يتعامل مع الأفراد بل المؤسسات التعليمية، وقد قام بدوره وواجبه المنصوص عليه في قانونه على أكمل وجه، وكان المجلس على تواصل مع كلية كمبيوترمان (جامعة المستقبل) منذ بواكير إنشائها لقسم هندسة الحاسوب. وعلى الكاتب إن أراد العدالة حقاً أن يتحراها ولا يلبس الباطل ثوب الحق ويرمي التهم جزافاً.. ولكم الشكر. المجلس الهندسي السوداني الأمانة العامة