دعا تاج الدين بشير نيام وزير إعادة التعمير والتنمية والبنيات التحتية للسلطة الاقليمية لدارفور، رئيس اللجنة التحضيرية لبعثة التقييم المشتركة، في تمهيد لعقد مؤتمر المانحين الدوليين لدارفور في الاسبوع الأول من ديسمبر القادم في الدوحة (قطر). دعا مجموعة ابتدائية من الخبراء وأهل المصلحة في سلام دارفور، دعاهم نهار الحادي عشر من سبتمبر الجاري لاجتماع عقد بمقر السلطة الاقليمية بمدينة قاردن سيتي ببري الخرطوم. تم تخصيص الاجتماع للتعرف على ملامح خارطة الطريق في مشوار الاعداد لمؤتمر المانحين والتداول حول المسارات الأساسية للجان الفنية، ثم دعوة الحضور للإدلاء بوجهات نظرهم وآرائهم، والتقدم بالنصح بما في ذلك النصح الفني، بأمل توسيع قاعدة المشاركة في القاعدة الشعبية مساهمة واعداداً لاحتياجات الانتقال التنموي، وتكلفتها، هذا عدا العمليات الفنية الأخرى التي تقود الى انجاح المؤتمر. إلى جانب الوزير، حضر الاجتماع وشارك بالتوضيح، شركاء دوليون للسلطة الاقليمية، باعتبارها السلطة الحكومية المخولة لها ترقية أسباب الحياة الراهنة للدارفوريين بمرجعية وثيقة الدوحة. بالرغم من الجهود التي بذلتها السلطة الاقليمية لدارفور، بتأسيس مقارها في العاصمة التاريخية لدارفور الفاشر، وتدشين السلطة، وتحمل تجاوزات الأطراف الأخرى وخاصة الحكومة السودانية في تمويل برامج السلطة التأسيسية، إلا أن نقداً لاذعاً مايزال عالقاً بأطراف العملية السلمية في عدم مقدرتهم أو عدم رغبتهم في ربط المواطن العادي ببرامج تنمية العملية السلمية عبر الوسائط الإعلامية والجماهيرية. إن الدارفوريين مايزالون في حيرة من أمرهم، إذ أنهم في الوقت الذي توقعوا فيه بناء قدرات قيادية قادرة وبارزة للعملية السلمية في دارفور، أخذت الظواهر السالبة للسياسات الحكومية القديمة في سياق النزاع، تطل برأسها وتبرز من جديد، وتتوالد كالبعوض في صيغ نزاعات محلية فيما ظلت تبعث برسائل خاطئة للمواطن مفادها أن مصير وثيقة الدوحة قد لا تكون أفضل من سابقتها إتفاق أبوجا المنتهية ولايته على دارفور، أو بمعنى أدق أن المسافة بين الدارفوريين وبين امتلاك وثيقة الدوحة، تحتاج بالفعل الى خطوات أوسع وأسرع للمقاربة والإدماج. إن الإعداد لمؤتمر المانحين المقرر انعقاده في الدوحة ديسمبر القادم، وفي مثل هذه الظروف الراهنة، يثير الاهتمام بالعودة الى الوثيقة نفسها للتعرف على ما تحقق في العملية السلمية، وما يمكن أن يستكمله المؤتمر القادم؟ لعل أول التزامات أطراف وثيقة الدوحة تجاه مواطني دارفور كسودانيين أن يتعمق لديهم أن الأديان والمعتقدات والتقاليد والأعراف هي مصدر القوة المعنوية والإلهام للشعب السوداني وأن التنوع الثقافي والإثني للشعب السوداني هو أساس التماسك القومي، وأنه يصير واجباً على الأطراف تعزيز التنوع وتطويره، حيث أن السودانيين ومن بينهم الدارفوريون لهم أن يتقاسموا موروثات وتطلعات مشتركة تدفع بهم الى العمل المشترك. على ذلك فإنه بتقدير العديد من المراقبين ان الدارفوريين، وان تم توقيع وثيقة الدوحة لأجلهم، إلا أنهم مازالوا بحاجة إلى الأخذ بأيديهم إلى آفاق قيم الوثيقة. إن الأطراف ماتزال في مراحل ابتدائية في رفع درجة الشعور بالمواطنة الحقة لدى الدارفوريين بوسائل تعزيز الديمقراطية وحكم القانون ومبادئ الحكم الراشد وحماية حقوق الإنسان، واحترام التعددية الإثنية والثقافية واللغوية والمساواة بين الرجال والنساء في كافة المستويات الحكومية والإدارية، كما وردت في وثيقة الدوحة. كما أن الأطراف ماتزال في بداية جهودها في وضع خطة للعودة وإعادة التوطين والتأهيل، وإعادة البناء والتنمية، فيما أن احتياجات المناطق التي تأثرت بالنزاع المسلح لم تُخاطب عملياً، هذا فضلاً عن أن النظر في التفاوتات التاريخية في التنمية وتخصيص الموارد لم توضع على مائدة الحوار بين الأطراف. في هذا السياق فإن التوصل الى حل شامل لقضايا التدهور الاقتصادي الاجتماعي لدارفور بأي تطبيقات عملية لا وجود لها إلا في نصوص الوثيقة، ويأتي مماثلاً في هذا السياق تعزيز العدالة الاجتماعية والسياسة الاقتصادية التي تحترم الحقوق الأساسية الإنسانية والسياسية لكل أهل دارفور. ليس فقط ما تقدم، بل أن تقاسم السلطة التي وُصفت أنها ذات أهمية بالغة لوحدة البلد وأمنه واستقراره في الوثيقة، لا تبدو أنها محل نقاشات جادة، كما أن مشاركة أهل دارفور الكاملة في كافة أشكال السلطة السياسية في حكومة السودان القومية لم تطبق إلا في أضيق الحدود، وفي قائمة الاتفاق بين حركة التحرير والعدالة وحكومة السودان في مجالات تقاسم السلطة والثروة، دع عنك الاختصاصات المشتركة لوضع السياسات والتنسيق حول التنمية الاقتصادية في الاقليم، باختصار ليس واضحاً في ذهن المواطن الدارفوري العادي اليوم، ما استطاعت الوثيقة أن تقدمه له في سبيل الخروج من دائرة النزاع، واستعادة مبادرته الطبيعية في بناء الذات المحلية الولائية والاقليمية القومية، لذا يتساءل المواطن عما يمكن ان يقدمه مؤتمر المانحين في هذا السياق المتعثر؟. إن الاجتماع الأول الذي دعت له السلطة الاقليمية وشركاؤها الدوليون، وضع أمام الحضور خارطة الطريق اعتمدت المادة (32) من وثيقة الدوحة حول بعثة التقييم المشتركة لدارفور (SJA) كمرجعية للاضطلاع بتحديد وتقدير احتياجات برامج التعافي الاقتصادي والتنمية والقضاء على الفقر في فترة ما بعد النزاع في دارفور، ثم تعرض تلك الاحتياجات على المانحين من خلال مؤتمر المانحين، وقد كان مقرراً عقده بعد ثلاثة أشهر من توقيع الوثيقة. أما على الصعيد الفني فإن الأطراف الدولية ممثلة في اللجان الاشرافية والفنية للبعثة المشتركة حتى تتمكن بعثة التقييم المشتركة من تحديد احتياجات دارفور التنموية وتحديد الموارد المطلوبة لتلبية هذه الإحتياجات خلال (ست سنوات). على الصعيد السياسي والتنموي بشقيه الاقتصادي والثقافي فإن بعثة التقييم المشتركة، وإن بدأت متأخرة، فإن أمامها فرصة حقيقية لتقديم نموذج لإحتياجات إقليم يحتاج فيه الإنسان إلى إعادة اكتشاف الذات، وترفيع القدرات، وتعزيز الإنتماء الوطني والإنساني ثم مشاركته الذاتية في رسم الخطط والبرامج التي تجعل من دارفور إقليماً بحجم وثيقة الدوحة والتي ستساهم من خلال التطبيق الخلاّق، وحسن النوايا السياسية، والعمل التنفيذي الكفء، ان تعيد إنسان دارفور المحطم بالأغلال الإدارية الأمنية الاقتصادية إلى دائرة المبادرة الإنسانية السياسية، وأن يكون تحت الشمس من جديد متضامناً مع مواطنيه في مختلف الأقاليم والولايات والمحليات. على ما تقدم، ان الأطراف السودانية لوثيقة الدوحة، وقع عليها لوم شعبي واسع، ولكن مازال الأمل يبرق في الوجدان الشعبي، وعلى الأطراف أن تقدم استحقاقات السلام لدارفور الآن وفي مناخ التصالح، خاصة المشروعات التنموية التي تحول تنفيذها الى السلطة الاقليمية ولكنها حتى الآن لم تتسلم أياً من تلك المشروعات، أو بنود صرفها المالية، أو ما تبقى لديها من أموال؟ يجب ألا تكون التزامات أطراف السلام، عبئاً جديداً على البعثة المشتركة والمانحين في مؤتمرها، ذلك أن مؤتمر المانحين حلقة تكميلية في العملية السلمية التي تعهدت بها أطراف وطنية ولها أن تكون صادقة في تأكيد وتنفيذ التزاماتها وتعهداتها السياسية الإدارية المالية. إن ما يظهر في جداول الموارد المطلوبة دولياً، انما تأتي ما بعد استحقاقات السلام التي تدفعها الأطراف، وقد وصفت اللجان الفنية للجنة التحضيرية المجالات التي اختارتها والتي تتمثل في الخدمات الاجتماعية الأساسية، الحكم الراشد والمحاسبة، حكم القانون، السلام والأمن، العودة وإعادة الادماج والتخطيط الحضري، إتجاهات الميزانية والإدارة المالية، البنية التحتية للتنمية، الزراعة والثروة الحيوانية وسبل كسب العيش، تنمية القطاع الخاص، إدارة الموارد الطبيعية. وإذا لم تتمكن أطراف العملية السلمية لدارفور المبادرة بتيقيظ الوجدان الدارفوري للمساهمة والمشاركة، في أوقات سابقة، فإن الاجتماع الذي عقد مؤخراً قد أشار الى ضرورة المبادرة الدارفورية من أجل البحث عن وسائل دعم العملية السلمية سياسياً ومدنياً، وكان ذلك بمثابة النداء لمكونات دارفور أن الحق التنموي لن يتحقق لها الا بوحدة الرأي ومراقبة تطبيق نصوص الوثيقة بالكيفية التي تجعل منهم سودانيين مبادرين، كمبدأ الراحل أحمد أرباب الذي طالما أشرت اليه من قبل، وهو يؤكد (نحن ما دايرين حق غيرنا، ولكن حقنا ما بنخليهو للغير).. ما تخلوا حقكم يا أهل دارفور.. اكثروا السؤال عنه تجدونه أمامكم.