بلا أدنى شك أو مدعاة للريب أن إضافة أي رافد لمنظومة الجهاز المصرفي بالبلاد يعد إضافة حقيقية من حيث المنظور في ظل ما يعيشه الاقتصاد السوداني من معضلات جمة وما يسد طريقه من عقبات تكاد لا تحصى . الأمر الذي يعلق آمالا عراضا على مشجب الجهاز المصرفي بغية تذليلها والإتيان عليها بما يمتلك من مقدرات كبيرة على تجسير الهوات وردم الفجوات إن أحسنت إدارته توجيه دفته نحو تحقيق الأهداف السامية لا قصره على الكسب الآني لذاته . فالجهاز المصرفي عندنا يحتاج إلى وقفات طويلة بغية مراجعة أدائه وتقويم حركته وتحديد مساره بالرغم من ما يتملكه من تأريخ ضارب الجذور في العراقة والأصالة إلا أنه مع ذلك لم يقم بالدور المرجو منه في دفع عجلة الاقتصاد لا سيما على مستوى التنمية التي ترنحت عجلتها واستعصت على التقدم في ظل اقتصاد سمته الانكماش وجهاز مصرفي خاص تطغى عليه تحقيق المآرب الذاتية لمالكيه دون مساهمة ملموسة في إرساء قواعد المشاريع التنموية ،الأمر الذي قاد إلى النظر إلى النظام المصرفي وأذرعه المصارف بأنها لا تبعد قيد أنملة من خانة الأنا التي تكرس لقطف الثمار بلا مواربة بغية ملء غلتها مما تجود به أرباح الودائع جراء تحريكها في توسيع المعاملات التجارية الجارية ذات العائد الكبير السريع دون المساهمة بصورة فاعلة إلا بقدر يسير خشية التحامل عليها والوقوع في حبائل الجور عليها بعيدا عن دائرة الإنصاف التي نبذل وسعنا في عدم الابتعاد عنها طلبا للإنصاف ما استطعنا إلى ذلك سبيلا وليس تصريحات كبار مسؤولي الدولة عن واقع الجهاز المصرفي وجملة أدائه ببعيدة عن الأذهان . لأجل هذا لا أحد يرفض أن تضاف إلى قائمة الجهاز المصرفي بالبلاد مصارف أجنبية تحمل في معيتها إمكانية نقل تجاربها إلى الجهاز المصرفي السوداني الأمر الذي يجعل افتتاح البنك الأهلي المصري (الخرطوم) بالأمس على يد نائب رئيس الجمهورية الأستاذ علي عثمان محمد طه ورئيس وزراء مصر هشام قنديل ليس بدعا في سلوك ومنهجية الجهاز المصرفي في إفراد حيز ضمن منظومة بعض المصارف الأجنبية غير أنَّ آمالاً عراضاً وتطلعاتٍ كبيرة أطلق لها العنان يرجى أن تتنزل إلى أرض الواقع على يد البنك الأهلي المصري( الخرطوم) من واقع تجربته العريقة في الشقيقة مصر وما لعبه البنك الأم في أرض الكنانة من أدوار تستعصى على العد والحصر ولا غرو في ذلك طالما أنه قد لعب دوري البنكين المركزيين في مصر والسودان قبل إنشائهما ولم يرفع الراية ويستلم بعد بل دأب على تطوير قدراته ومد أياديه في كل مكان في مثال يجسد عظمة الدور المصرفي في تقوية التنمية الاقتصادية في شتى ضروبها . ولعل تشريف قيادة البلدين بمستوى رفيع (نائب الرئيس ورئيس مجلس الوزراء) لافتتاح البنك بالخرطوم يكشف حجم الاهتمام البالغ من الجانبين وما يعول عليه في تحقيقه لصالح السودان ومصر على يد الأهلي المصري (الخرطوم) وهذا التشريف عالي المستوى يلقي أعباء إضافية على إدارة البنك الأهلي المصري (الخرطوم) مما يتطلب منه رؤية واضحة ومنهجاً صريحاً لتحقيق الأهداف العليا لتأسيس وافتتاح البنك بالخرطوم خدمة لشعبي وادي النيل وألا يكون مجرد إضافة إلى قائمة المصارف الأجنبية بالبلاد والسلام دون رؤية أي جهد ملموس يترجم على أرض الواقع لا سيما على مستوى المشاريع التنموية بالسودان التي تخدم أهله وقاطني مصر استصلاحا للأراضي الشاسعة واستغلالا للموارد الطبيعة التي تفيض بها أرض السودان . وبإلقاء نظرة سريعة على حبات عقد الجهاز المصرفي بالبلاد التي تتألف من 33 مصرفا من بينها بعض المصارف الأجنبية التي حجزت مقعدا لها وسط رصيفاتها السودانية بيد أن إنسان السودان ومواطنه البسيط لم يحس بأثر لتلك الأجنبية في مجال دفع الاستثمارات الأجنبية وجلبها إلى السودان، إذ يبدو أنها خنعت واكتفت بلعب أدوار نمطية لمفهوم العمل المصرفي الباحث عن جني الأرباح وتكريس المصالح الذاتية للمصارف بعيدا عن المصلحة العليا أو الكلية للبلاد والعباد وهذا ما يخشى أن يقع في حبائله البنك الأهلي المصري (الخرطوم) من واقع دوره الرائد في العمل المصرفي وما أبرزه على لعب أدوار مغايرة سمتها التميز في دفع الاقتصاد المصري على مستوى التنمية الاقتصادية والمساهمة الفاعلة في تحديث مفهوم العمل المصرفي وتوسيع قاعدته من واقع التجربة الثرة التي يتمتع بها البنك الأهلي الذي سبق إنشاءه البنك المركزي المصري وكذا المركزي السوداني فوقع على عاتقه لعب دوريهما قبل أن يبرزا إلى حيز الوجود وهذه الحقيقة الماثلة لا يمكن إنكارها بيد أن عودته إلى الخرطوم في الوقت الحالي تجعله أمام تحد وطني كبير من واقع خصوصية العلاقة بين شعبي وادي النيل اللذين تربط بينهما وشائج قربى ووحدة مصير مشترك، وكم جميل ما أعلنه مجلس إدارة البنك الأهلي الأم أو الأب بمصر بإفراد ما يربو عن 500 مليون يورو في غضون الثلاث سنوات القادمة لحفز الاستثمار التنموي بالسودان وإن هذا الرقم الكبير لعمري إن وجد طريقه إلى التنفيذ سيجعل من البنك الأهلي المصري رائدا للاستثمار الحقيقي بالبلاد إن أحسن توظيفه وصدقت إدارة البنك في توفيره وبذله بيد أن ثمة وساوس ومخاوف تظل تطارد مخيلة المتابع من أن يكون هذا المبلغ الكبير غير محصن من الاتهام بآفة الإعلان المضخم وأن يكون وسيلة للدعاية والإعلان للبنك بعيدا عن أرض الواقع . لأجل هذا إن كانت إدارة البنك الأهلي المصري (الخرطوم) ومن خلفها الاهلي المصري(القاهرة) صادقة في توجهها التنموي والاستثماري وتطوير العمل المصرفي بالبلاد أن تتوجه بكلياتها إلى تمويل الاستثمار الزراعي بالبلاد بغية إنزال مشروع الأمن الغذائي العربي الذي يعول أن يكون للسودان قصب السبق والقدح المعلى فيه من واقع الموارد الطبيعة التي يتمتع بها من مياه وأراضٍ وإرادة سياسية ينقصها التمويل الأمثل لئن استطاع الأهلي المصري (الخرطوم) في بداية عودة نشاطه بالخرطوم سد جزء مقدر من أزمة الغذاء في جانبي وادي النيل لكفاه فخرا وزهوا إن أرسى قاعدة للانطلاق لتحقيق الحلم العربي الكبير (الأمن الغذائي) الذي ظل يراوح مكانه منذ أمد بعيد، غير أنه لا يكون بمقدور البنك الأهلي المصري (الخرطوم) تحقيق ذلكم الهدف السامي إن لم يجد الدعم والمساندة من قبل القيادة السياسية بالبلدين عبر توفر إرادتها والبنكين المركزيين بالبلدين عبر التوجيه والوقوف عن كثب على سياسات البنك ومتابعة أهدافه. وإني لأخشى أن يقع البنك الأهلي المصري (الخرطوم) في حبائل تشتيت مجهوده لأجل هذا أدعو إدارته بقصر مهمته في المرحلة الأولى على أقل تقدير في العمل على تحقيق هدف معين وليكن دفع عجلة مشاريع توفير الأمن الغذائي لشعبي وادي النيل لجهة أن تشتيت موارد وجهود البنك في عدة جهات سيقلل بالطبع من أثره وتأثيره فيها وساعتها لن يكون للبنك بصمته الواضحة والبينة في أي مشروع وسيكون شأنه شأن أي مصرف آخر بالبلاد، وهذا ما لا يرتجى من البنك الأهلي الذي يرنو إليه شعبا وادي النيل بعين الأمل والرجاء بأن يكون له شأن عظيم في التنمية بالسودان التي يتقاسم ثمارها شعبا وادي النيل .