لأول مرة في تاريخ عدد من وزارات الخارجية الاميركية والنرويجية والبريطانية، يصدر كلام إيجابي يمثل رأي المجتمع الدولي تجاه ما يجري حالياً من مفاوضات بين السودان وجنوب السودان، فقد صدر بيان مشترك عن وزراء خارجية تلك الدول يشيد بروح التوافق التي بدت واضحة وسط وفدي البلدين المتفاوضين في أديس أبابا، ويرحب بما توصلا إليه من اتفاقيات في عدد من المحاور المهمة، من بينها النفط ومعالجة الوضع الإنساني في منطقة الحدود بين البلدين، وإعلانهما الالتزام الكامل بمناقشة إقرار منطقة معزولة السلاح للتمهيد لإعادة فتح الممرات التجارية والاجتماعية بين مواطني البلدين، لا سيما اولئك القاطنين في مناطق التماس الذين تربط بينهم علاقات تاريخية لا يمكن الافتئات عليها، ومن الواضح بحسب لغة البيان المشترك أن المجتمع الدولي يعول كثيراً على لقاء القمة الثنائية بين الرئيس البشير والرئيس سلفا كير، ولذلك جاءت الاشارة واضحة في البيان بضرورة الاسراع في عقد القمة بين الرئيسين من أجل رفع الضرر عن بلديهما وشعبيهما. إذن هنالك إشادة من المجتمع الدولي بالتقدم الكبير في مسار العملية السلمية الجارية الآن والمساعي التي يبذلها الإخوة في الاتحاد الافريقي وآلياته الفاعلة، بل ورد في البيان وبصريح العبارة أن وفدي البلدين أظهرا قدراً عالياً من المسؤولية في مناقشة نقاط الخلاف الجوهرية، وتوصلا إلى نتائج إيجابية مشجعة ومدهشة، وقطعا شوطاً كبيراً باتجاه الإعداد لمسودة اتفاق شامل سيتم التوقيع عليها بأعجل ما تيسر وبواسطة رئيسي الجانبين اللذين يمثلان الارادة السياسية لكلا البلدين، وهذه الإشادة تتخطى حدود الرضاء عن مسار التفاوض إلى تشجيع حكومتي البلدين على تبني النهج الحكيم في النهوض باقتصاد السودان وجنوب السودان من أجل رفاهية الشعبين، والقضاء على الفقر والبطالة الموجبة للنزاعات والشعور بالتهميش. ومن الواضح هنا أن وفد الحكومة السودانية ووفد حكومة جنوب السودان يحظيان بقبول المجتمع الدولي والأطراف الاقليمية، وهو قبول ستكون له فوائد كبيرة بعد توقيع السلام ربما تصل الى درجة تبني المجتمع الدولي لمؤتمر مانحين دولي لمساعدة البلدين في تخطي تحديات تطبيق اتفاق السلام المرتقب. وحمل البيان إلى جانب الإشادة بروح التفاوض الجيدة، مناشدة إلى حكومة السودان والحركة الشعبية قطاع الشمال بضرورة الجلوس الى الحوار الجاد وتخطي العقبات للوصول الى صيغة سلام مثلى تنهي الأزمة الإنسانية في مناطق جنوب كردفان والنيل الأزرق، وتبعد شبح التعقيد التي تهدد الأوضاع في المنطقتين على خلفية قرار مجلس الامن رقم «2046»، وما يمكن أن يجره من مشكلات للبلدين تضاف الى مشكلاتهما القائمة، إن حكومتي البلدين تدركان جيداً مخاطر فشل عملية السلام، ولذلك من المهم أن يحللا بيان وزراء الخارجية المُشار اليه باعتباره فرصة ذهبية لطرد شبح تدويل قضايا السودان وجنوب السودان، وسانحة ذكية لاستجلاب التمويلات الدولية لتطبيق خطط وبرامج اتفاق السلام المرتقب. وإذا أضفنا إلى بيان خارجية أميركا وبريطانيا والنرويج ما يمكن أن تسفر عنه الثمرات الإيجابية المتوقعة لاجتماع النائب الأول لرئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه والرئيس سلفا كير أمام مجلس الأمن الدولي وإمكانية إقناع المجتمع الدولي وأعضاء المجلس بمنح البلدين مهلة إضافية لاستكمال بناء السلام، فإن مسيرة السلام سيكتب لها النجاح الكامل، وسيكون بإمكان السودان وجنوب السودان الالتفات إلى قضايا التنمية والإصلاحات الاقتصادية، والاهتمام بتطوير وترفيع العلاقات لمصلحة رفاهية واستقرار وأمن الشعبين اللذين شاءت الأيدي العابثة أن ينفصلا عن بعضيهما ليشكل كل واحد منهما تهديداً للآخر.