في زحمة يوم الجمعة دخلت البلاد في شغل شاغل وهي تتطلع الي طائرة الرئاسة السودانية القادمة من العاصمة الاثيوبية اديس ابابا وهي تحمل الرئيس ووفده الميمون وتحمل السلام، السلام الذي تم توقيعه امس وسط حفاوة المجتمع الاقليمي والدولي ووسط تطلع المراقبين ، السلام الذي طالما انتظره شعبا السودان وجنوب السودان وهما يرقبان بحذر اصوات طبول الحرب وهي تقرع من جانبي البلدين لتزيد معاناتهم اكثر واكثر علي خلفية الازمة الاقتصادية التي ضربت البلدين بعد انفصالهما عن بعضهما البعض، لقد تم توقيع السلام الجزئي كخطوة اولي نحو توقيع وتطبيق السلام الكامل والشامل حتي تنتهي ازمات البلدين والتي تتمثل في النزاع حول منطقة أبيي وترسيم الحدود وما الي ذلك . لقد كانت مهمة صعبة وكان يوم التوقيع « يوماً غير سهل » لان الجميع تذكروا مآسي النزاعات وما جرته من كوارث علي سكان البلدين وتذكروا بصورة اكبر عصا مجلس الامن المرفوعة فوق رؤوس حكومتي البلدين واجهزتهما التنفيذية التي ربما تعوق مسيرة السلام او تتقاعس عن اكمال العملية السلمية وقد كتبنا قبل ايام عن ضرورة إنجاح مساعي السلام وها نحن نعيد اليوم ما كتبناه قبل يومين لما تحتويه الكلمات من معانٍ جديرة بالتفهم والتدعيم والتعضيد «لأول مرة في تاريخ عدد من وزارات الخارجية الاميركية والنرويجية والبريطانية يصدر كلام إيجابي يمثل رأي المجتمع الدولي تجاه ما يجري حالياً من مفاوضات بين السودان وجنوب السودان فقد صدر بيان مشترك صادر عن وزراء خارجية تلك الدول يشيد بروح التوافق التي بدت واضحة وسط وفدي البلدين المتفاوضين في أديس أبابا ويرحب بما توصلا اليه من اتفاقات في عدد من المحاور المهمة من بينها النفط ومعالجة الوضع الانساني في منطقة الحدود بين البلدين وإعلانهما الالتزام الكامل بمناقشة إقرار منطقة معزولة السلاح للتمهيد لاعادة فتح الممرات التجارية والاجتماعية بين مواطني البلدين لا سيما اولئك القاطنين في مناطق التماس والذين تربط بينهم علاقات تاريخية لا يمكن الإفتئات عليها ، ومن الواضح بحسب لغة البيان المشترك ان المجتمع الدولي يعول الكثير علي لقاء القمة الثنائية بين الرئيس البشير والرئيس سلفاكير ولذلك جاءت الاشارة واضحة في البيان بضرورة الاسراع في عقد القمة بين الرئيسين من اجل رفع الضرر عن بلديهما وشعبيهما.» اذن هنالك إشادة من المجتمع الدولي بالتقدم الكبير في مسار العملية السلمية الجارية الان والمساعي التي يبذلها الاخوة في الاتحاد الافريقي وآلياته الفاعلة بل ورد في البيان وبصريح العبارة ان وفدا البلدين أظهرا قدراً عالياً من المسؤولية في مناقشة نقاط الخلاف الجوهرية وتوصلا الي نتائج ايجابية مشجعة ومدهشة وقطعا شوطاً كبيراً باتجاه الاعداد لمسودة اتفاق شامل سيتم التوقيع عليها بأعجل ما يتيسر وبواسطة رئيسي الجانبين اللذين يمثلان الارادة السياسية لكلا البلدين وهذه الاشادة تتخطي حدود الرضا عن مسار التفاوض الى تشجيع حكومتي البلدين الي تبني النهج الحكيم في النهوض باقتصاد السودان وجنوب السودان من اجل رفاهية الشعبين والقضاء علي الفقر والبطالة الموجبة للنزاعات والشعور بالتهميش ، ومن الواضح هنا ان وفد الحكومة السودانية ووفد حكومة جنوب السودان يحظيان بقبول المجتمع الدولي والاطراف الاقليمية وهو قبول سيكون له فوائد كبيرة بعد توقيع السلام ربما تصل الي درجة تبني المجتمع الدولي لمؤتمر مانحين دولي لمساعدة البلدين في تخطي تحديات تطبيق اتفاق السلام المرتقب . وحمل البيان الي جانب الاشادة بروح التفاوض الجيدة مناشدة الي حكومة السودان والحركة الشعبية قطاع الشمال بضرورة الجلوس الي الحوار الجاد وتخطي العقبات للوصول الي صيغة سلام مثلي تنهي الازمة الانسانية في مناطق جنوب كردفان والنيل الازرق وتبعد شبح التعقيد الذي يهدد الاوضاع في المنطقتين علي خلفية قرار مجلس الامن بالرقم 2046 وما يمكن ان يجره من مشكلات للبلدين تضاف الي مشاكلهما القائمة ، ان حكومتي البلدين وقيادتيهما يدركان جيداً مخاطر فشل عملية السلام ولذلك من المهم ان يحللا بيان وزراء الخارجية المشار اليه باعتباره فرصة ذهبية لطرد شبح تدويل قضايا السودان وجنوب السودان وسانحة ذكية لاستجلاب التمويلات الدولية لتطبيق خطط وبرامج اتفاق السلام المرتقب . واذا اضفنا الي بيان خارجية اميركا وبريطانيا والنرويج ما يمكن ان تسفر عنه الثمرات الايجابية المتوقعة لاجتماع النائب الاول لرئيس الجدمهورية علي عثمان محمد طه والرئيس سلفاكير امام مجلس الامن الدولي وامكانية اقناع المجتمع الدولي واعضاء المجلس بمنح البلدين مهلة اضافية لاستكمال بناء السلام فإن مسيرة السلام سيكتب لها النجاح الكامل وسيكون بإمكان السودان وجنوب السودان الالتفات الي قضايا التنمية والاصلاحات الاقتصادية والاهتمام بتطوير وترفيع العلاقات لمصلحة رفاهية واستقرار وأمن الشعبين اللذين شاءت الايدي العابثة ان ينفصلا عن بعضهما ليشكل كل واحد منهما تهديداً للآخر .