اتفاق اديس ابابا باستثناء الترتيبات الامنية ركز بصورة كبيرة على الجوانب الاقتصادية «النفط والديون والتجارة المصارف والمعاشات»اعتبره المراقبون اتفاق حسن نوايا حسنة لحل بقية القضايا العالقة مما يوضح حرص الدولتين على التوصل الى حلول نهائية بشأن ما تبقى من ملفات،ويختلف المحللون فى حديثهم حول المسائل الاقتصادية التى تمت حيث يرى البعض عدم جدوى اقحام الملف التجارى فى تشكيل لجان والاسراع بتنفيذ البروتوكول فورا دون تعقيدات فيما يرى آخرون فى ملف النفط بانه الوحيد الايجابى برغم ان السودان يكون قد انجز حوالى 40 % مما هومطلوب ، كما يفسر البعض ان مسألة الديون ليس بها جديد والامر تحصيل حاصل فقط والعودة الى المربع الاول فلن تجدى مناشدات المجتمع الدولى بل يتطلب ارادة سياسية حقه بعد انجاز الجانب الفنى فيما يتعلق بدول نادى باريس والدول غير الاعضاء فيه، كما ان ديون البنك الدولى والصندوق غير قابلة للنقاش او التفاوض من اجلها ،كما يفسر البعض الحالة الراهنة فيما يتصل باسعار الصرف بانها واقعية ولكن على المركزى عدم التدخل فى الامر وعليه ان يقف متفرجا كما يفعل بذلك تجار السوق حاليا لانهم براغماتيون، كما ان الوقت الراهن ليس مقياسا لهبوط او صعود سعر الصرف قائلين بان النتائج الحقيقية المرجوة من الاتفاق لن تتضح الا بعد انزال الاتفاق الى الواقع بعد ان يعرض على التشريعيين فى الدولتين. وفصل الدكتور التجانى الطيب الخبير السابق بصندوق النقد الدولى وزير الدولة بالمالية الاسبق الاتفاقيات فى المجال الاقتصادى قائلا باستثناء اتفاقية النفط فإن بقية الاتفاقيات ليس هنالك ما يرجو منها على المدى القصير مبينا انها تدور حول تشكيل وتكوين لجان لوضع التفاصيل والمبادئ والخطوط التى احتوت عليها الاتفاقيات مما يعنى انفاق وقت طويل فى ترجمة الاتفاقيات لواقع عملى يرجى منه . وقال فى ما يتعلق بالتجارة من المفترض ان تكون قابلة للتطبيق الفورى ولكنها ايضا ادرجت وحولت الى لجنة تنشأ لوضع التفاصيل وقال اعتقد هذا ناتج عن صعوبة الاتفاق على الحدود. اما فيما يتصل بالديون يرى التجانى فى حديثه «للصحافة» امس العودة مرة اخرى للحلقة المفرغة وهى مناشدة المجتمع الدولى وهذا لامعنى له مبينا ان السودان دولة متأخرات وأحد ثلاث دول ذات متأخرات زيمبابوى والصومال وان معالجة متأخرات الديون لها آلياتها وسياساتها ولاتحتاج الى وسيط بل تحتاج الى عمل سياسى وفنى مكثف. وقال السودان لم يخدم اى دين بل انفقنا حوالى خمس عشرة سنة ودفعنا 800 مليون دولار ولم يخطر ببال صناع القرار ان يتناصحوا مع الصندوق عن ماذا جنا السودان حتى نستطيع التحرك خطوة الى الامام والوصول الى برنامج السحب المتراكم الذى تمر به الدول التى لديها متأخرات بعد ثلاث سنوات ،وبموجبه الحصول على نقاط معينة الى ان تتم تسوية المديونية ونحن فى هذه اللحظة نحتاج الى دعم سياسى بان تتبرع دولة انابة عنك وتقوم بدفع الدين خلال 24 ساعة وتعيد جدولة الديون، مبينا ان ديون البنك والصندوق سيادية لاتخفض وتدفع على داير مليم ولاينفع معها العمل السياسى . اما فيما يتعلق بالديون الثنائية ونادى باريس وغير اعضاء نادى باريس تم فيها العمل الفنى وتبقى السياسى. اتفاق النفط اقرب للواقع والعائد ديون للشركات المنتجة بالسودان : وعن اتفاقية النفط قال هى الأقرب للواقع وما اتفق عليه يساوى 40 % مما طالب به السودان خاصة وان السودان فى ورقته الاخيرة طالب ب22 دولار للبرميل الواحد و3 مليار تعويض مالى اى ما يقارب ال4.7 مليار فى السنة والآن يتحصل على 1.8 مليار ورغم ان النسبة 40 % الا انها تعد خطوة متقدمة للوصول الى نوع من الاستقرار السياسى واعادة العلاقات بين الشمال والجنوب ، اما العائد من الاتفاقية فان ديون الشركات المنتجة للنفط فى السودان تبلغ 1.5 مليار دولار يعنى ذلك فى نهاية العام الثانى ما بعد استقلال الجنوب ديون الشركات تفوق ال3 مليارات فالغالبية العظمى من الايرادات المتوقعة يمكنها ان تفى او لاتفى ديون الشركات على حكومة السودان ويأتى بذلك ان الاصلاح الاقتصادى والمالى اضحى ضرورة اكثر الحاحا ففاقد الايرادات النفطية لايتجاوز الثلاث سنوات ولذا يجب ان تبدأ عملية الاصلاح بصورة جادة حيث ان انعكاس اتفاقية النفط على ميزان المدفوعات واسعار الصرف سيكون محدودا جدا ولن يساعد فى كبح جماح ارتفاع الدولار الى ان تتم المعالجات من الداخل ، فى وقت وجود ديون اخرى على الدولة لن تستطيع الايفاء بها مثلا المؤسسات العربية والتنموية حيث ان متطلبات النقد تستمر تقفز من عام الى آخر فاذا لم يتم التحكم فى ضبط الصراعات الدائرة فى البلاد من الصعب جدا خلق بنية اقتصادية مستقرة . وفيما يتعلق بالدولار يرى التجانى ان السوق واقعى والذين يتعاملون فيه براغماتيون والسوق يتحرك وفق معطيات حقيقية وهو فى حالة انتظار هل ماتم حقيقة ام واقع الامر الذى يدع الاسعار تنتظر قائلا ان حركة الدولار هبوطا هى وقتية اذا لم يتم الاصلاح ولايوجد احتمال نزول اسعار الصرف باحجام كبيرة فى المدى المتوسط ،ودعا التجانى بنك السودان الى ان يقف موقفا لايتدخل فيه فى سعر الصرف وعليه الانتظار كالسوق الى ان يتم انزال الاتفاقيات خاصة انها ليست لديها اى الاتفاقيات حاجة ملموسة اما اذا حاول البنك التدخل فقد يخلق مشاكل ويحتاج الى وقت كبير لحلها . توازن فى الحساب الخارجى للسودان وتأثير ايجابى على الأسعار : واكد الدكتور عادل عبد العزيز الفكى المدير العام لوزارة المالية بولاية الخرطوم «للصحافة «اهمية الاتفاقيات خاصة في مجال البترول واتفاقية التجارة بين البلدين والاتفاق المصرفي بين القطرين اما حول اتفاقية البترول سيترتب عليها عند تنفيذها انسياب مبالغ مقدرة من العملات الاجنبية لخزينة بنك السودان وبالتالي سيؤدي هذا للتوازن في الحساب الخارجي للسودان وسيمكن بنك السودان من التأثير الايجابي على الاسعار بالداخل باعتباران بنك السودان يمكنه التدخل في اي وقت اذا شعر ان سعر العملة الاجنبية داخليا متجه نحو الصعود وبهذا سيكون هناك ثبات لسعر الدولار وبداية انخفاض تدريجي له للحد الذي تحدده السياسات المالية والنقدية وبالتالي يتوقع انخفاض نسبة التضخم اولا والاتجاه العام للاسعار للهبوط مستقبلا. أصحاب العمل : على الأجهزة التشريعية الإسراع لوضع السياسات ورأى اتحاد اصحاب العمل بضرورة الاسراع فى تنزيل الاتفاق التجارى باسرع فرصة لأرض الواقع وبرر ذلك بدخول منتجات دول اخرى الى دولة الجنوب فى وقت الفراغ الذى اعقب الانفصال وغاب السودان ومنتجاته، وقال بكرى يوسف الامين العام لاصحاب العمل «للصحافة « ان انزال الاتفاق يحتاج الى اجراءات سريعة وتبقى دور الاجهزة التشريعية بالاسراع فى وضع السياسات، وقال نحتاج فى الملف الى اجراءات للتجارة مع الجنوب «تجارة دولية « فى كيفية سداد التزامات الموردين والمصدرين وكيفية سداد التزامات المقاولين وان التجارة تحتاج الى رؤى متقدمة مما يتطلب تقليل الاجراءات خاصة وان الحدود لاتحتاج الى سلاح لكى تحرس بل تحتاج الى انسياب سلس للتجارة. وقال الآن نتحدث عن سوق غبنا عنه لفترة ولذا يجب الاسراع فى هذا الملف ،مشيرا الى وجود خط للسكة حديد يمكن من المساعدة فى التجارة وجاهزية قطاع النقل لعمل تجارة الترانزيت وتفعيل تنظيمات العمل فى البلدين والحرص على اشراك القطاع الخاص فى البلدين فى السياسات . اكدت الغرفة القومية للمقاولات والخدمات الهندسية باتحاد الغرف التجارية كامل الجاهزية للدفع بالاتفاق الاطارى للتعاون المشترك بين السودان ودولة جنوب السودان الى واقع عملى يعيشه المواطن بالبلدين، وابدت الغرفة القومية للمقاولات استعدادها المساهمة فى الفرص التى تتاح بالجنوب من اجل الاعمار. وقال المهندس احمد البشير عبد الله رئيس الغرفة ان شركات المقاولات بالسودان تعتبر الاكثر تأهيلاً وجاهزية ومعرفة بدولة وسوق الجنوب للمساهمة والعمل فى مجالات البنيات التحتية والتعمير فى مجالات الخدمات التعليمية والصحية وان مايدعم ذلك التفاهم المتبادل والمعرفة بتفاصيل وطرق العمل بين الكوادر العاملة من مهندسين وعمال فى مجالات التشييد والبناء بالبلدين قبل حدوث الانفصال.وقال «نأمل ان نرى قريباً معدات وآليات شركات المقاولات السودانية تعمل بدولة جنوب السودان من اجل التعمير للمساهمة فى ارساء دعائم السلام والتواصل الايجابى بين شعبى البلدين» واضاف ان هنالك افضلية لشركات التشييد السودانية للاستفادة من الفرص المتاحة بحسبانها الاكثر تأهيلاً والماماً بطبيعة وجغرافية الجنوب وتعمل بتكاليف اقل من الشركات الاجنبية وتعمل على تشغيل العمالة من دولة الجنوب .. تراجع الصرف لايعبر عن تحسن اقتصادى ملموس : ومن جانبه يقول أستاذ الاقتصاد الدكتور السماني هنون إن الاتفاق بين السودان وجنوب السودان خطوة جيدة نحو استقرار الدولتين وبسط الأمن فيهما وبالتالي زيادة فرص تقويتهما بالرغم من أن الاتفاق لم يأت بجديد لجهة أنه أعاد فقط الأمور إلى نصابها ووضعها السابق لانفصال الجنوب مما يستدعي مزيدا من المعالجات لتلافي وتخطي كافة العقبات التي كانت تكلل جبين النشاط الاقتصادي ،وزاد أن تراجع سعر الصرف عقب توقيع الاتفاق الأخير بأديس لا يعبر عن تحسن اقتصادي ملموس بل مرده إلى العوامل النفسية للمتعاملين في قطاع الصرف وبرر ذلك إلى عدم بداية ضخ النفط واستئناف النشاط التجاري ودوران عجلة الاقتصاد حتى تسهم عائدات الاتفاق في زيادة مستوى تدفق النقد الأجنبي جراء ارتفاع حصيلة الإنتاج المحلي لاسيما على صعيد المنتجات غير النفطية التي تشكل إسهاما ضعيفا في الميزان التجاري حاليا جراء تراجع عجلة إنتاجها ،وأضاف هنون «للصحافة « أن الاتفاق على المستوى الاقتصادي يتطلب جملة من الإجراءات والتدبيرات التمهيدية والاحترازية قبل تطبيقه على رأسها اتباع سياسة اقتصادية رشيدة ترتكز على سياسة نقدية حكيمة ومالية تخفف من وطأة الضرائب وتعمل وسعها في حفز الإنتاج وفتح أسواق للصادر مع ضرورة إيقاف الصرف الأمني البذخي والعمل على فك قيود الحظر الاقتصادي المفروض على البلاد حتى يتسنى للاقتصاد الانطلاق ومن ثم تحسن مستوى سعر صرف الجنيه شريطة المحافظة التامة والعض بالنواجذ على مكتسبات الاتفاق التي على رأسها أمن واستقرار البلدين. وقال إن الجنوب يمثل سوقا جديدة للمنتجات السودانية غير أنه حذر من مغبة أن يكون خصما على السوق المحلي جراء توجيه كافة أو الغالبية العظمى من الإنتاج المحلي إلى السوق الجديدة بغية جني الأرباح ،الأمر الذي يرمي بظلال سالبة على السوق المحلية فترتفع الأسعار وتخفض الوفرة ودعا الى اتباع حزمة من الترتيبات والتحوطات اللازمة لتلافي الآثار السالبة التي تنجم عن الاتفاق حتى لا يكون الاتفاق على حساب الاقتصاد المحلي. اتحاد الصرافات : 1.1 مليون دولار المعروض من الدولار فى السوق وعلى صعيد الصرافات يقول الأمين العام لاتحادها عبد الحميد عبد الباقي إن الاتفاق مع دولة الجنوب له أثر إيجابي على سعر صرف العملات الحرة خصوصا الدولار جراء ضخ مبالغ إضافية منه في شرايين وأوردة الاقتصاد المحلي علاوة على عائدات الذهب غير أن عبد الحميد أقر بأن انخفاض سعر الصرف الحالي عقب توقيع الاتفاق مع دولة جنوب السودان لا يعبر عن واقع اقتصادي وأنه نتاج عوامل نفسية أكثر من ارتكازه على موارد اقتصادية وتوقع فى حديثه «للصحافة» امس أن يستمر انخفاض سعر صرف الدولار بحذر بعد مزاولة ضخ نفط الجنوب عبر الشمال. وكشف عن تضاعف نسبة المعروض من العملات الحرة للصرافات بما يقارب عشرة أضعاف حيث وصل المعروض منها الآن إلى 1.1 مليون دولار فيما لم يكن يتجاوز 120 ألف دولار ،قبل أن يشر إلى زيادة نسبة المعروض من العملات الحرة من الخارج الأمر الذي اعتبره عبد الحميد إرهاصا بتوالي خفض سعر صرف العملات الحرة . اما امين علاقات العمل باتحاد عمال ولاية الخرطوم آدم فضل توقع ان يصب اتفاق البترول والتجارة في مصلحة البلدين واكد سعيهم لتنفيذ اتفاق البترول عبر عمالهم العاملين في هذا القطاع بالاضافة لدعمهم للاتفاقية التجارية ،وقال ان الحركة النقابية ستكون رأس الرمح في هذا الاتفاق وابان ان اتحاد عمال ولاية الخرطوم وقع على اتفاق توأمة مع اتحاد عمال جوبا واشار لسعيهم لتطوير الاتفاق عبر البرامج التدريبية وبناء قدرات عمال الجنوب في مجال العمل النقابي والعمالي.