لا تزال أصداء أحداث الشغب التي شهدتها مباراة الهلال والمريخ الأخيرة على درع الممتاز تلقي بظلالها في كافة المجالس الاجتماعية والوسائط الاعلامية المختلفة ، ليلتقي السودانيون الذين فرقتهم السياسة والجهويات على رفض الظاهرة التي يتجاوز تهديدها الوسط الرياضي الى كل النسيج الاجتماعي ، في وقت ظل فيه المجتمع الرياضي يشهد استدامة الاستقرار والتواصل ، بغض النظر عن الانتماء للأزرق والاحمر . والصحافة في هذه المساحة تعمل ضمن الآخرين في القوص عن اسباب التعصب الذي وصل مرحلة من الهوس تهدد الامن الاجتماعي ، وكيفية الخروج من المأزق . ويقول مدرب منتخب الناشئين شرف الدين احمد موسى ان ظاهرة التفلت في الملاعب دخيلة على الوسط الرياضي ، ففي السابق كان الجمهور يدخل المباراة من اجل الاستمتاع ، حيث تمتلئ المدرجات بالمناكفات والطرف واستدل بقصة استمتاع جمهور المريخ بمناكفة (الدابي ) المشجع الهلالي المعروف الذي يحرص من جانبه على التواجد وسطهم ، وهذا دلالة على الروح التي كان يتمتع بها الجمهور الرياضي ، واتهم شرف اصحاب بعض الاقلام المتطرفة بالمساهمة في انتشار الظاهرة . رئيس نادي النيل الحصاحيصا معتز محمود قال ان حالة الغلو في التعصب ظهرت مؤخرا ولم تكن تعرفها الملاعب السودانية ، ورهن الامر بالاوضاع النفسية والاجتماعية والاقتصادية ، في وقت يشكل فيه الجمهور الرياضي شريحة اجتماعية كبيرة ومؤثرة وطالب معتز الجهات المسئولة بايجاد سبل لمجابهة الظاهرة حتى لا تكون لها انعكاسات سياسية ، واضاف انه يمكن للأندية العريقة ان تلعب دورا هاما في تغيير الوضع ونشر ثقافة التسامح والمحبة خاصة الهلال والمريخ لان لها تأثيرها القوي على الجمهور، مطالبا الاتحاد العام بوضع المعالجات كما تقع على التحكيم بعض المسئولية ان كنا نريد ان ننعم بمواسم رياضية مستقرة وخالية من العنف . من جانبه حمل رئيس رابطة مشجعي الموردة المركزية محمد حامد الجزولي المسئولية كاملة للصحافة الرياضية قائلاً ان بعض الصحفيين الرياضيين لديهم ولاءات لادارات الاندية دفعتهم الى تبني رؤية تلك الادارات ، وحذر الجزولي من خطورة هبوط المفردة التي انحدرت لدرجة عدم المسئولية ، وانحرفت الصحافة الرياضية عن مسئوليتها في التنوير ورفع درجة الوعي عند الجمهور لتغدو سببا رئيسا في اثارة الكراهية . ويرى الجزولي ان خطورة مايخطه الصحفيون الرياضيون تنتقل الى الجمهور المنتمي لهذا الفريق او ذاك خاصة ان لكل كاتب صحفي رياضي شريحة عريضة من الجمهور تعتقد في كتاباته كأنه كلام منزل او دستور واجب التنفيذ ، علما ان بعض اصحاب الاقلام لايراعون حساسية الموقف مستغلين قبولهم عند الجمهور في الاتجاه السالب بدلا من المساهمة في تقديم ماهو ايجابي واتجهوا بذلك الى تعميق روح العداء وتأجيج النيران . واشار رئيس رابطة مشجعي الموردة الى ابتكار مايعرف بالتشجيع الحضاري وقاموا بتلحين الكلمات واستخدام الآلات الموسيقية ، واصفا هذا النوع من التشجيع بالمريح لللاعب نفسيا ويبعد الجمهور من استخدام الالفاظ النابية. وقال الجزولي ان الخروج من دائرة العنف يبدأ بتفعيل القوانين وتطبيقها وترك المجاملات ومحاباة بعض الاندية ، وهو امر يبدو صعب المنال خاصة ان الاتحاد العام عاجزعن حسم الاندية . الكاتب والمحلل الرياضي حسن فاروق قال ان التطرف موجود حتى على المستوى العالمي ، وفي حالة السودان فان الاعلام الرياضي يتحمل جزء من المسئولية ، والصحافة الرياضية قائمة على الانتماء والتعصب للهلال والمريخ ووصف حسن فاروق الوضع الراهن بأنه ينحدر الى الاسوأ ، بمساهمة الصحافة الرياضية التي تسيطر على تحريرها ادارات الاندية ، ويرى فاروق ان الفترة الاخيرة شهدت بعض الافعال وردود الافعال واصبح الجمهور يتدخل في تفاصيل الاندية وكل هذه التفلتات مربوطة بالواقع الراهن الذي يعيشه الجمهور، رابطا الامر بالحراك السياسي ، كما ان اتحاد الكرة عجز عن اصدار القوانين الرادعة على الاندية التي تحدث الشغب . ويمضي رئيس القسم الرياضي بالرأي العام الى تأثير المنتديات الالكترونية والفيسبوك بشكل خاص حيث توجد فيه مجموعات متطرفة وتكن كرها للنادي الآخر بشكل سافر وتنادي بالتحطيم ، ما يخرج الامر من مساره الطبيعي وتتحول الرياضة الى حالة مرضية آخذة في التوسع . استشاري الطب النفسي الدكتور علي بلدو في تحليله لظاهرة التطرف الرياضي افاد ان الانفلات الذي تشهده المدرجات ماهوالا انعكاس لمكونات نفسية مختلفة تتمثل في العنف اللفظي باستخدام الالفاظ النابية في المدرجات وصفحات الصحف ، والعنف البدني الذي يمارسه اللاعبون في ارض الملعب قبل ان ينتقل الى المدرجات ، وهناك العنف المعنوي الذي يكون سببه اشراك لاعب بعينه او ابعاد اداري او الضغط على الحكم بغرض التأثير عليه ، وهذه الروافد الثلاثة هي المكونات الاساسية لما نراه الآن في ساحات الملاعب والمدرجات . ويضيف بلدو ان مايحدث من اشكال العنف الموجه ضد الاشخاص والممتلكات سببه الاضطرابات السياسية والامنية وانفراط عقد النسيج الاجتماعي ، اضافة الى الاكتئاب والشعور بالملل والاحباط النفسي وروح الكآبة التي تسيطر على المجتمع وعدم قدرة الكثيرين على ابراز قدراتهم واشباع ذاتهم بجانب الضغوط السياسية والاقتصادية كل هذه الاسباب مجتمعة تدفع هؤلاء لارتكاب العنف . ويمضي بلدو الى ان التنشئة الاسرية الخاطئة لها اثر كبير وكذلك العنف في المدارس والعنف في المجتمع والجرائم باشكالها المختلفة ، والقابلية الوراثية وانتقال الكرومزومات المؤدية الى العنف من شخص لآخر ، والعنف المكتسب من افلام (الأكشن) والشغب المستورد من الخارج دور في التكريس للعنف . وانتقد بلدو خلو الاندية من وحدات الارشاد النفسي الرياضي لما تمثله من مخرج لهذه التفلتات ، فالاعداد النفسي مطلوب للاعبين والاداريين والجمهور ، واصفا بعض الكتابات المتعصبة وماتنشره من برامج تعبوية دور في تغذية روح العنف وسط الجمهور وان المشكلة في مجملها هي عدم توافق نفسي وغياب تام للصحة المجتمعية . وتقول الاستاذة الجامعية وخبيرة علم الاجتماع سمية ازرق ان الرياضة باتت المتنفس الوحيد للمجتمع اذ لاتوجد حولها قيود اورقابة ، واصفة التفلتات التي تحدث في المدرجات بأنها نتاج طبيعي للضغوط التي يعيشها المجتمع في مختلف مناحي الحياة ، واضافت ان غياب الغدوة والمثل الاعلى والتوجيه السليم له اثر كبير في تطرف بعض الشرائح الرياضية ، كما ان حالة الفراغ التي يعيشها الشباب في الاندية والجامعات وعدم توجيه المواهب والارشاد النفسي وتنمية الروح الرياضية تقود الشباب الى التعصب