فتح القرار المفاجئ الذي اصدره والي ولاية النيل الازرق القاضي باعفاء وزير الثقافة والاعلام عبد الرحمن ابكر ساجو ابوبا الباب واسعا للتأويلات والتفسيرات حول دواعيه، وذهبت التحليلات الى اتجاهات مختلفة بيد انها التقت في قضية واحدة وهي تنامي ظاهرة الاستقطاب القبلي الحادة التي تشهدها الولاية، بل بعضهم اكد انها السبب المباشر وراء اقالة ممثل حزب الامة الفدرالي، ولكن احداثاً كثيرة شهدتها الولاية خلال ايام منصرمه تمثلت في ما « شهده المؤتمر العام للاتحاد الوطنى للشباب السودانى بالولاية من اشتباكات غير مألوفة بالايدى وملاسنات بين اعضاء الاتحاد، وذلك خلال انعقاد الجلسة الاجرائية لاختيار رئيس الاتحاد الجديد، وماجرى داخل جلسات مؤتمرات الحركة الاسلامية، وما يدور من صراع بأروقة الحزب الحاكم بالولاية ظل محتدما منذ عام ويزيد واخيرا اقالة وزير الاعلام». كل ذلك بحسب مراقبين يوضح حالة الاستقطاب القبلي وحرص كل إثنية على الظفر بالمناصب القيادية المختلفة بالولاية، ويربط هؤلاء المراقبون ذلك ببروز مسميات لم تكن مألوفة من قبل مثل اولاد البلد واولاد الصعيد وغيرها من مسميات، لافتين الى ان الولاية وطوال عهودها الماضية لم تشهد تنافساً قبلياً للظفر بالمناصب وانها ظلت متماسكة ومترابطة ولم تفلح رياح السياسة وتقلباتها في اضعاف حبل العلاقات الذي يجمع بين مكوناتها ، مستدلين بعدم حدوث نزاع قبلي مسلح من قبل ، الا ان عدداً من قيادات الولاية ابدت خشيتها وقلقها من التنامي المتسارع لظاهرة القبلية ،محذرين من الانزلاق والتعاطي مع سياسة المركز التي تغذي النعرات الاثنية بسبب المشاركة في السلطة وكانت انباء قد اشارت الى ان الاسباب الحقيقية التي تقف وراء اقالة وزير الثقافة تتمثل في تعيينه لعدد من ابناء قوميته في مناصب قيادية بإذاعة وتلفزيون الولاية ،ما عدها مجلس وزراء الولاية تجاوزا طلب منه ان يعمل على تصحيحه ومنحه مهلة لمدة شهرين ،الا انه وبحسب المصادر لم يعدل من قرار تعيين مديري الاذاعة والتلفزيون لتتم اقالته، وسعت (الصحافة) للتأكد من صحة هذا المزاعم عبر الاتصال بوزير الاعلام المقال الا ان هاتفه ظل مغلقا لايام. ويقول القيادي بحزب الامة القومي بالنيل الازرق ابراهيم علي ان اقالة وزير الثقافة ابوبكر ساجو يمكن قراءتها من زاويتين ،الاولى تتمحور في ان المؤتمر الوطني عمد على اشراك بعض الاحزاب في الحكومة لا لتسهم في صنع القرار وخدمة الولاية بل للادعاء بانه اتاح فرصة المشاركة في الحكم لكل القوى السياسية ،ويشير القيادي بالامة الى ان وزير الثقافة المقال عبد الرحمن ابوبكر ساجو المنتمي لحزب الامة الفدرالي حينما حاول استعمال سلطاته في قضية مديرة الاذاعة تدخل الحزب الحاكم وقطع الطريق عليه حتى لا يمارس سلطاته كاملة ، ويعتبر ابراهيم علي ان هذا هو نهج المؤتمر الوطني مع الاحزاب التي تشاركه السلطه ،ويقرأ القيادي بالامة اقالة ساجو من زاوية ثانية مشيرا الى ان القضية حملت ايضا بعدا قبليا كما يتردد حيث تم اتهام الوزير المقال بانه سعى لتعيين مديرين للاذاعة والتلفزيون ينحدران من ذات القبيلة التي ينتمي اليها ،ويؤكد انه بغض النظر عن صحة هذا الاتهام من عدمه فإن القبلية تفشت وتنامى خطرها بالنيل الازرق ،وقال ان ما شهدته مؤتمرات الحركة الاسلامية والاتحاد الوطني للشباب السوداني يؤكد حقيقة سعي كل قومية للسيطرة على المناصب القيادية ،مبديا خشته من تفشي ظاهرة القبلية والجهوية ،متهما الحزب الحاكم بالاسهام في تناميها . رئيس الحزب الحاكم بالولاية عبد الرحمن ابومدين وفي تصريح سابق ل(الصحافة) وفي تناوله لبروز ظاهرة الاثنية بالحزب الحاكم وارتفاع الاصوات المنادية بشعار(النيل الازرق لاولاد النيل الازرق) لم ينف بروز الاثنيات بالحزب ،الا انه شدد على انها ممارسات فردية وليست مؤسسية.. ويقرأ الامين العام للمؤتمر الشعبي ادريس البلال ماحدث من زوايا متعددة ، ويشير في حديث عبر الهاتف مع (الصحافة) الى ان الخلافات التي حدثت على سبيل المثال بين الشباب خلال انتخابات الاتحاد العام للشباب السوداني توضح افتقادهم للتوجيه والتربية التنظيمية محملا قيادات المؤتمر الوطني بالولاية مسؤولية ماحدث وزاد: الصراع الذي دار في انتخابات اتحاد الشباب للأسف جذوره اثنية بحته وليست فكرية ،والصراع الاثني الذي بدا واضحا داخل المؤتمر الوطني تغزي نيرانه كيانات معروفة تهدف لتشكيل وضعية محددة بالولاية ،ويعتقد البلال ان ماحدث بين الشباب انعكاس طبيعي لما يدور في قيادة الحزب ،مؤكدا تأثر مجتمع الولاية سلبا بتحول الصراعات داخل المؤتمر الوطني الى اثنية ،محذرا من خطورتها على الولاية ،وزاد»اذا كان هؤلاء الشباب يتعاطون الاثنية ويفتقدون للهوية والتربية السياسية ،فمستقبل السودان برمته في خطر». بيد ان لرئيس اللجنة البرلمانية للمشورة الشعبية سراج عطا المنان رأي آخر اذ يشير في حديث ل(الصحافة) الى ان النيل الازرق مثل غيرها من ولايات السودان توجد بها قبائل موجودة منذ القدم واخرى وفدت واستقرت ،الا انه يؤكد على ان التعايش السلمي بين قبائل الولاية هو الافضل على مستوى السودان ،وزاد: وحتى المشاركة في السلطة لم تكن محل خلاف بين القبائل بل حتى الصراع الحالي ليس قبليا بل هو سياسي في المقام الاول ولا يمكن ان نطلق عليه اثني باي حال ،ويحمل القيادي بالمؤتمر الوطني المركز مسؤولية التكريس للجهوية والقبلية وذلك من خلال تعاطيه مع شؤون المشاركة في السلطة وتوزيع نسبها على معايير اثنية وقال ان شيوع هذه الثقافة جعل كل قبيلة تحرص على التمسك بالمشاركة في السلطة وان يكون لها نصيب ، معتبرا ان تعيين قيادات في مناصب سيادية في حكومة الولاية من غير ابناء النيل الازرق سبب آخر لتمدد المطالبات الاثنية والجهوية بالمناصب ،وقال ان النيل الازرق تمتلك قيادات على كفاءة عالية تستطيع تولي هذه المناصب، لافتا الى ان التكريس للقبلية سياسة المركز وهي التي افضت بالولاية الى ترك امر تعيين معتمدي المحليات لزعماء القبائل ،ويعود رئيس اللجنة البرلمانية للمشورة الشعبية سراج احمد عطا المنان للتأكيد على ان قبائل الولاية تشهد تعايشاً سلمياً حقيقياً مطالبا المركز بعدم المضي في سياسة تكريس الجهوية والعنصرية.