في جلسة استماع محضورة للجنة الحوار مع حركات دارفور غير الموقعة على اتفاقية الدوحة «المكان برج الفاتح والزمان أمسية الثلاثاء التى وافقت السادس من نوفمبر الجارى»، والمنظم للدعوة رئيس اللجنة ابن السودان البار ورجل المال المعروف صديق ودعة الذى تسانده وتنفذ معه كتيبة من مثقفى دارفور، قاموا بتهيئة فرصة اللقاء الذى تم .. فشكراً للإخوة حامد عبد الله ومحمد بشر والنجيب قمر الدين، ولبقية المساعدين لهم من أعمال صدقو ذائعة الصيت، ومن خلالهم يمتد الثناء للعاملين بفندق كورنثيا الفاخر الفخيم.. وكنت أتوسط في الجلوس بين قامتين سامقتين في عالم الصحافة السودانية الأخوين الصحافيين المتميزين حسين خوجلى «ألوان» والصادق الرزيقى «الإنتباهة»، وتجمعنى بالأول حميمية سنين نبتت راسخة على أرضية زمالة الدراسة الجامعية منذ مطلع الثمانينيات عندما كان العود أخضر، وكان حسين رجل منابر صداح، وتربطنى بالثانى أواصر القربى والدم ولحمة البقارة التى تشكلت وانصهرت في خطوط التداخل والتمازج بين أهل برام الكلكة وأهل الضعين، ويحفظ سجل التاريخ للأستاذين أناقة المظهر وجمال الجوهر فى طلاوة العبارة وجرس الكلمة، وكعادة السودانيين في اللقاءات الجامعة كنا نهرب من متابعة القوالب الرسمية لكلمات منصة اللقاء عبر دروب الحوار الهامس في تعليق هنا وطرفة هناك، من شاكلة «شايف في لمعة نعمة على ملامح أولاد دارفور تكون جات من وين ؟» قالها مازحاً الاستاذ حسين خوجلى، وعلقت على ممازحته القارصة بسؤال حقنته بمصل الخبث الناعم عن بعض رفاق دربه وعلى رأسهم الأستاذ المحبوب عبد السلام الذى لم تسعه براحات الوطن وقوالب السياسة فيه، فغادر إلى حيث هو الآن «رد الله غربته وأيام مساجلاته الفكرية».. وإلى جوارنا أخذ موقعه في هدوء وتواضع عرف به اللواء «م» تيجانى آدم طاهر عضو مجلس قيادة الثورة، ولاحظت أنه كان مهتماً بكتابة ملاحظاته بعناية على الورق الذى وضع على الطاولة، ولكن طبيعة اللقاء حرمت الحضور من مداخلة كلامية حشد لها سعادة اللواء كل خبراته العسكرية ورصيده الثورى، ولكن أتت رياح سارة عبد الله «مذيعة الربط الداخلى» بما لا نشتهي، فحرمتنا من مداخلة قيمة يمكن أن تضيف لحصيلة هذا اللقاء التنويرى من الزاد المعرفى ما يعين الحضور على قراءة مستقبل عمل لجنة صديق ودعة.. ومن خلال تشريح لقوالب الكلمات التى جاءت في افتتاحية رئيس لجنة الحوار «صديق ودعة» وتبعتها مداخلة كاملة الدسم من رئيس هيئة نواب دارفور بالمجلس الوطنى «حسبو عبد الرحمن » واختتم في حضور ذهنى حذر المضامين رئيس السلطة الإقليمية «تيجانى سيسى» الذى تتوكأ كل آماله في الإبحار بسفينة دارفور على مياه الدعم الإقليمى والدولى الذى تحرك أمواجه وتسير بها رياح السياسة من حولنا، ولذلك تبدو علينا الحيرة والدهشة والارتباك ونسقط على سلطة سيسى كل فضلات سخطنا العام.. ورغم كل ذلك تظل محاولات أبناء دارفور أمثال صديق ودعة خطوة جريئة في الاتجاه الصحيح، ولكنها في الزمن الإضافى لمباراة سياسية غير متكافئة تجرى تحت إشراف ورقابة دولية متقاطعة الخطوط شرسة المطامع، ومن الأهمية ولمصلحة دارفور أن تستمر مثل هذه اللقاءات التفاكرية بوصفها عصفاً ذهنياً حتماً سيضيف لرصيدنا المعرفى في حلحلة أزمة دارفور التى أعيت الوطن وأرهقت الطبيب المداوي، والكل محتار ويسأل عن شفرة الحل والبحث عن مستقبل ضيعناه بما صنعت ايدينا، والتاريخ سجل الزمن والمستقبل غرس الحاضر.. والضرورة تملى أن نشد على أيدى عمل لجنة الحوار مع حركات دارفور غير الموقعة على وثيقة الدوحة أملاً في القبض على شبح السلام الذى ظللنا نغازله بكلمات أغنية الشاعر المرهف حسن الزبير التى تغنى بها في طرب يقطع أوصال الجن الراحل خوجلى عثمان «كلما قربت ليك تلقانى بادى من الألف.. الخ الأغنية». وفى «تخريمة محببة» على جناح ذبابة أقف مشدوهاً وأجيل النظر معاتباً تجنى الغافلين على تاريخنا المتسامح جداً، ثم ألقي نظرة اشمئزاز ونفور على محاولات كتابية فطيرة ظلت تمارسها في جهل متدثر بثياب الصحافة صحافية تجيد فن الاقتحام لتحاور الناس عبر قوالب سؤال وجواب لتخفى تواضعها المهنى بين سطور حوارات عديمة الفائدة، من شاكلة التنقيب القبلى والتمييز العرقى، واستشهد على ذلك بمقال ركيك تم إعداده على طريقة سلق البيض بواسطة تلميذة صحافية تدعى فاتحة اسمها بال «ف» «انظر صحيفة «الإنتباهة» العدد 2394 بتاريخ الثلاثاء 16نوفمبر 2012م» ومصدر حيرتى هو الإصرار المميت للبنت «ف» في التشبث بعروبة نسب السلطان الشهيد على دينار الذى خلف العرش في سلالة جدوده سلاطين الفور.. وكل مناهج التعليم في السودان وكل ملامح الواقع ومحتوى المراجع العلمية والاكاديمية ودور البحث من الخرطوم وحتى بريطانيا، وثقت في انبهار لحقبة السلطان علي دينار باعتباره سلطاناً على سلطنة الفورالتى حكمت زهاء «600» عام، وكانت تتحدث اللهجة الفوراوية وسيلةً للتخاطب حتى فى جلسات المحاكم.. ولم يكن السلطان دينار ناظراً على حاكورة عربية في هذا السودان الكبير، بل ظل سلطانا فوراويا حتى وفاته مقتولاً على يد الإنجليز الفاتحين سنة 1916م بجبل مرة «قرية شاوة».. وعلى البنت «ف» أن تعلم أن الانتساب الى العرب ما كان سيفيد سلالة علي دينار في شىء إن كانوا هم عديمى القدرات والمؤهلات أصلاً، فالنسب إلى الفور أو التكارير أو الفلاتة ليس منقصة لعلي دينار كما تعتقدين جهلاً، فالفور قبيلة سودانية جديرة بالاحترام أنجبت لهذا الوطن من الأفذاذ ما يكفى، وستظل في مربع التقدير بفضل مجاهدات أبنائها على مر التاريخ، وفى مقدمتهم السلطان علي دينار الذى تم التوثيق لسيرته بين السطور، وليس بنثر الحديث المحفوظ كالأحاجي في الصدور.. وكل النجاسة التاريخية علقت بثوب موروثاتنا من باب قال جدى لأبي، فالمصدر الشفهي لا يعتد به، لأن كل الرواة بشر وتجميل الذات مرض نفسى وخطير على التاريخ الذى هو ملك لكل الناس.. وأرجو من البنت «ف» ألا تقسو على وجه التاريخ بدلق المزيد من المساحيق وأدوات التجميل المسرطنة، ويبدو أن غريزتها كأنثى قد طغت على مهنيتها الصحفية، فألبست تأريخ الفور قناع الباطل، وعليها أن تدرك أن وجهها هى حرة في كسوه بما تشاء من الوان وبُدر «بضم الباء»، وأما تلويث نهر التاريخ والتعالى الإثنى على الفلاتة والفور وغيرهم في هذا الوطن السودان، سيظل خطوطاً حمراء لا ولن نسمح بتجاوزها لمصلحة الوطن والدين الذى كل قيمه وتعاليمه تؤكد على أن الناس سواسية أمام ربهم وفى أوطانهم. وأختم مقالي برجاء ملح لكل صحفنا السيارة وصحيفة «الإنتباهة» جزء منها، بأن تنتشر فى التوزيع رأسياً وأفقياً بعيداً عن الإسفاف والمغالطات الركيكة التي تطمر عافية الوطن تحت ركام الجهل بالتاريخ والانثربولوجى وسقطات متسلقي الصحافة من الابواب الخلفية، فالصحافة موهبة، وشهادة القيد الصحفي التي نكن لها كل الاحترام ليست وحدها كافية لممارسة فن الكتابة، فلا بد من دعمها بالموهبة والاجتهاد والمثابرة والعمق في الفهم والقدرة على التحليل.. والضرورة المهنية تستوجب تدريب الراغبين للحد من شطحاتهم غير المغفورة، لأنها تهدد سلامة الوطن، و «الفينا مكفينا»، ولا مجاملة في مصلحة الوطن وخيراً لمستقبل الصحافى والباحث أن يتعلم المشي قبل الركض، فدروب الصحافة وعرة وشائكة، والكلمة فيها تبني وتهدم على حد السواء.. وعظيم النار من مستصغر الشرر، والفتنة نائمة في قمقم القبلية والجهوية ولعن الله من أيقظها. وفي الختام ندعو للوجيه صديق ودعة بالتوفيق في مهمته بالغة التعقيد، ولا ننسى أن نتوسل لله رب العالمين بأن يمنَّ على الأخت «ف» بالعافية في معتقداتها وفهمها الاجتماعي، وقيمة الناس في مكارم أخلاقهم وليس في أنسابهم. ودمتم.