برزت الحاجة لزيادة الاستثمارات بصورة أكبر لسد نقص ايرادات الخزينة العامة جراء فقدانها عائدات نفط الجنوب علاوة على استمرار تأثيرات وتداعيات الأزمة المالية العالمية على تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر عالمياً ، بيد أنه مع انصرام العام ها هو وزير النفط يؤكد أن ثمة عقبات تعترض طريق الاستثمار الخارجي بالبلاد على رأسها معضلة تقاطعات ملكية الأراضي بين المواطنين والحكومة، الأمر الذي ادى الى انسحاب عدد من الشركات الأجنبية العاملة في قطاع النفط من العمل بالسودان. وأبان مختصون في مجال الاقتصاد أن شكوى وزير النفط من تقاطعات ملكية الأراضي بين المواطنين والحكومة يعد مؤشرا خطيرا يشي بعدم قدرة الحكومة على حسم ملف ملكية الأراضي بالبلاد، وزادوا ان لم تنهض الحكومة بدورها المنوط في ملف الأراضي وملكيتها لن يكون هناك استثمار خارجي بالبلاد بالصورة المرجوة التي يتطلع اليها، وناشدوا الحكومة بحسم ملف ملكية الأراضي والنزاعات حول مكليتها حتى لا تصبح خميرة عكننة للاستثمار ومانعا للمستثمرين الخارجيين من الولوج بأموالهم ومشاريعهم الى السودان، كما شددوا على ضرورة الالتفات الى سائر المعضلات التي تعترض طريق الاستثمار والعمل على تذليلها على رأسها التمتع باستقرار اقتصادي لاسيما فيما يخص جانب سعر الصرف ومعدل التضخم ، وأبانوا أن الاستثمارات لن يرتفع معدلها بالبلاد ويتجه نحو القمة حال عدم التمتع باستقرار أمني شامل بالبلاد والافتقار الى التوصل الى حل المشكلات الأمنية في دارفور وأبيي وجنوب كردفان والنيل الأزرق واستقرار الأوضاع السياسية حتى يمهد الطريق للاستقرار الاقتصادي ومن ثم التحكم في معدلات التضخم وكبح جماح سعر الصرف. ويرى البروفيسور عصام بوب أن توجيه الأنظار للاستثمار الخارجي المباشر وغير المباشر تم من قبل الحكومة وعملت على حفز المواطنين للاستثمار الداخلي وهيأت وأنشأت هياكل تنظيمية وخصصت وزارة للاستثمار وكونت مجلساً أعلى خاصاً به فكان يتوقع أن تدفع كل الجهود المبذولة مسيرة الاستثمار بالبلاد وتحسن الاقتصاد السوداني بفضل اسهامها في تحسين مستواه ومن ثم الانفتاح على العالم، غير أنه بحسب بوب لم توضع كل الجهود في موضع العمل لجهة أن كل قوانين الاستثمار تجابه بجملة عقبات ومطبات صعوبة التطبيق على أرض الواقع نسبة للبيروقراطية المصاحبة والملازمة للأداء التي نأت بقطار الاستثمار عن السير على قضبانه بجانب ضعف الرؤية للاستثمارات الأجنبية التي تم استدراجها لباحة البلاد عبر اغرائها بالأراضي المتوفرة بالسودان، غير أن ما جاء على لسان وزير النفط أمس الأول من شكوى تقاطعات المواطنين مع الحكومة في ملكية الأراضي التي تقام عليها المشاريع الاستثمارية خاصة التنقيب عن النفط يعد أمرا أقل من يوصف به الخطر لجهة انسحابه على ثقة المستثمر في الحكومة وانسحابه على استقرار أعماله بالسودان اذ لا تجرؤ أية شركة أو مستثمر على الدخول في مشروع دون ضمانات كافية باستقراره واستمراره، رغم رؤية بوب في أن عدداً من المستثمرين حولوا الأراضي التي منحتها لهم الحكومة بتسهيلات ميسرة الى مصادر لأعمال تجارية تحت غطاء الاستثمار. وخلص بوب الى أن عيب الاستثمار بالبلاد اداري لجهة اتخاذه لتحقيق منافع شخصية وذاتية، ووصف ما يحدث منه على ارض الواقع بأنه استنزاف لأصول ورؤوس أموال المواطنين وأن الحل للخروج من مأزق الاستثمار يكمن في اعادة هيكلة الاقتصاد الكلي وليس ما يلي الاستثمار فحسب لجهة عدم انفصاله عن الهيكل الكلي للاقتصاد بالبلاد . وغير بعيد عن افادة بوب يقول الدكتور محمد الناير صحيح ان بسط الحوافز وتخفيض الرسوم والضرائب المفروضة على المشاريع الاستثمارية وتطبيق طريقة النافذة الواحدة لاكمال الاجراءات وفك الاشتباكات والتقاطعات التشريعية بين مستويات الحكم لا سيما في ما يختص بالأراضي وفرض الرسوم والجبايات يمهد الطريق للمستثمرين، الا أن ذلك لن يجدي فتيلا ولا يمكن له حال عدم التمتع باستقرار أمني شامل بالبلاد بالتوصل الى حل المشكلات الأمنية في دارفور وأبيي وجنوب كردفان والنيل الأزرق واستقرار الأوضاع السياسية بالبلاد حتى يتم تمهيد الطريق للاستقرار الاقتصادي ومن ثم التحكم في معدلات التضخم وكبح جماح سعر الصرف، وعضد قوله باستدلاله بأن الاهتمام المتعاظم الذي بذلته الدولة لجذب الاستثمارات لم يكن العائد منه في تدفق الاستثمار بالصورة التي يتطلع لها الجميع ولا يتناسب حجمه مع حجم التسهيلات المبذولة له من قبل الدولة. ودعا الناير للاهتمام بالاستقرار الأمني والسياسي بغية تحقيق الاستقرار الاقتصادي حتى يعبد الطريق لتدفقات الاستثمارات على البلاد من كل حدب وصوب. ومن جانبه ، عضد المحاضر بجامعة الأحفاد الدكتور السماني هنون ما ذهب اليه الناير ، وأضاف ان المعضلات التي تجابه الاستثمار الخارجي المباشر كثيرة أجملها في التشريعات والقوانين المنظمة، وطالب باعادة النظر فيها حتى توفر الحماية اللازمة للمستثمر وأصوله من الضياع والاعتداء بجانب معاناة الاقتصاد من عدم الاستقرار مما يؤثر بصورة كبيرة ويعمل على زعزعة ثقة المستثمر في الاقتصاد جراء عدم استقرار سعر الصرف وزيادة معدلات التضخم والضرائب الباهظة وارتفاع تكلفة الانتاج وعدم القدرة على منافسة المنتجات الخارجية. ودعا هنون الى توجيه وتركيز الاستثمارات في القطاعات الانتاجية الحقيقية «الزراعة والصناعة» والنأي بها عن القطاعات الهامشية. وطالب هنون بأن يكون قانون الاستثمار فيدراليا على أن تتواءم معه في انسجام القوانين الولائية والمحلية حتى يتم التخلص من معضلة تقاطعات ملكية الأراضي بين المواطنين والحكومة التي غدت بعبعا طاردا للمستثمرين . واعتبر شكوى وزير النفط الأخيرة من تقاطعات ملكية الأراضي أمام البرلمان بمثابة دق جرس انذار وخطر للحكومة يستوجب التصدي الحاسم والحازم لتلافيه وحله حتى لا تتزعزع ثقة المستثمرين في الحكومة و بالتالي تكوين صورة ذهنية قاتمة عن الاستثمار بالسودان يصعب تعديلها في ظل الحصار المضروب على البلاد من دول الغرب. وشدد على ضرورة تطبيق نظم التقنية الحديثة في انجاز المعاملات المكتبية كسباً للوقت وتوفيراً للجهد. وختم هنون بأن الحاجة ماسة لاعادة ترتيب أوراق القطاع الاستثماري لجذب المزيد من الاستثمارات الجديدة لتعويض فاقد عائدات النفط بعد انفصال الجنوب.