دائماً ما تذخر مداولات مجالس الاحزاب بأحداث انسانية تختفي باختفاء الحدث ويرون عليها الصمت والنسيان بينما هذا الحدث يصلح درساً من الدروس المستفادة التي تبين معدن الرجال وكمال اخلاقهم والإيثار الذي يزرعونه في مسيرة احزابهم ولذا كان من الواجب ان يحيط بها المجتمع السوداني ليدركوا ما تحيط به احزابهم وما تعانيه من إفقار من فرط رزوحها تحت نير شموليات امتدادها لفترة ستة عشر عاما وثانيها لفترة امتدت لما يزيد عن عشرين عاما زاولت فيه سلطاتها الكيد والضغوط لتحني الاحزاب رؤوسها وتبيع تاريخها ونضالها بدريهمات محدودة. لقد مضت جلسات حزب الامة ما قبل الانتخابات الاخيرة تذخر بالكثير من النقاش وتقليب الامور في ديمقراطية جعلت تلك الجلسات تربط النهار بالليل، وكان اكثر التداول يجري حول تمويل الانتخابات بعد ان انهد كاهل المرشحين وجماهيرهم واحتمل الحزب العبء الاول الذي امتد من فترة الاحصاء ثم التسجيل ثم استفتاء من الجماهير وتعددت كافة السبل لتمويل برامج الحزب وانشطته وظلت لجانه المالية تعمل بكل طاقاتها المحدودة وبرز في ذلك ثلة من اعضاء الحزب ظلوا يعملون في صمت لتغطية تلك المراحل الاولى التي تعرضت لها الانتخابات حتى جاء ذلك الحدث الذي رأيت ان تحيط به جماهيرنا الوفية ليست الحزبية منها ولكن كل جماهير الشعب السوداني. كان ذلك في احدى الجلسات المضنية التي استعرض فيها المسؤول المالي منصرفات الحزب الانتخابية وبالتالي الاحتياجات الماسة والعجز الذي تعرض له الحزب لاكمال العملية الانتخابية وبدأ المسؤول في استعراض مقترحات اللجنة المالية فيما يخص هذا العجز فاذا به يفاجئ الاجتماع بعرض احد منازل الامام الصادق المهدي رئيس الحزب للبيع لتغطية النفقات الأخرى..! كان لوقع هذا المقترح اثره الكبير على كافة المجتمعين الا ان الذي كان اكثر تأثراًَ د. علي حسن تاج الدين الذي عرض قطعتي ارض له لبيعها فداءً لتكملة مسيرة الانتخابات التي كان الحزب ينتظرها طويلاً. لا نريد ان نخوض في امور سياسية اخرى تمر بها بلادنا راجين لقادتها سندا من الله العلي القدير في قيادة سفينتها الى بر الامان ولكن نريد ان ندفع ببعض صفحات الاحزاب ليقرأها الذين لا يعلمون ما كان يجري في اروقتها والذين سنوا اقلامهم لاعادة ساقية الآلام السياسية الى دورانها ليمؤوها من احاديث الحياة السياسية بالغث من القول ويطلقوا من الاشاعات ما يمتليء بها اذهان القراء والباحثين. إن ابراز مثل هذا الايثار وهذه التضحية وهذا الولاء درس من الدروس الوافية التي يجب ان تبرز على صفحات التاريخ لم يكن بيع الارض والمنزل الذي تكالب آخرون على شرائه وبناء الشاهقات من المباني هو المعنى الحقيقي الذي كان يجري وراءه الحزب في جلساته بقدر ما كان استقراء الاعضاء واعمال خبراتهم وفحوصهم هو القدح المعلى الذي آثر الحزب فيه مقاطعة الانتخابات بعد جلسات امتدت ليومين كاملين امتلأت بالشروح والملابسات التي تيقن فيها الاجماع والتراضي بان مسيرة المفوضية الخاطئة سوف تفضي الى ما افضت اليه نتائج الانتخابات التي لم تختلف عن سابقاتها السكوتية. لو كان بعض اعلامنا جادا في الغوص العميق لمسيرة الاحزاب في هذه الانتخابات لانتزع الكثير من الحقائق المثيرة ولاطفأ اقلاماً اخرى اهتمت بالقشور جرياً وراء الإثارة وبالرغم من بيان الايثار وعرض هذا الحدث الذي شهدته مجالس حزب الامة الا ان الدينارات المسلمة له لم تحدث في قراره سلباً ولا ايجاباً لقد كان القرار نابعاً من رؤية تضاعفت بالخبرة ولو سأل اعلامياً واحداً عن هذه الدينارات المستحقة اصلا للحزب لوجدها قد قسمت على المرشحين فرداً فردا عسى ان ترتق بعض جيوبهم التي خوت وهم يحسبون ان هذه الانتخابات ستعيد عهد سكومارسن وقادة انتخابات الديمقراطيات. عفواً فقط رأيت ان أبين حدثاً من الاحداث كان له اثر كبير في نفوس المجتمعين.. اتمنى ان يكون له اثر في الآخرين.. فهذا حدث شهدته احد اروقة احزابنا تحكي كيف واجهت اشرس السنوات العجاف في مسيرتها ولكنها لم تستسلم بل قاومت بفكرها وجهدها وإيثار اعضائها لبعضهم البعض، ان سطور التاريخ لن تتوقف على حال من الاحوال، وان القابضين على الجمر لا زالت اكفهم ندية لم تصل الى العظام لان الوطن وسلامته درس تعلموه من اوائلهم الذين صنعوه ووحدوه ورعوه وصانوه.