بدعوة من السفارة السودانية في مصر، حضرت ضمن مجموعة من الزملاء منتدى عن العلاقات السودانية المصرية ضم نخبة من المثقفين والإعلاميين المصريين بالقاهرة،وفاتتنا المشاركة في مناشط أخرى مرتبطة بذكرى الاستقلال وانتقال مقر السفارة من جاردن سيتي العريق الى حي الدقي بالجيزة بسبب ارتباك الترتيبات. المنتدى كان صالون الراحل سيد أحمد خليفة، شهد نقاشاً اتسم بشفافية وجدية كانت مطلوبة وضرورية لأن التئام الجروح قبل تطهيرها وتننظيفها سيؤدي الى تعقيدات أكبر من تأثيراتها المحدودة. حديثي الذي أثار الزملاء المصريين قصدت أن يكون صدمة لاستفزازهم وأحياناً تكون الصدمة علاجاً، فقد ذكرت أن الصورة النمطية للسوداني في المخيلة المصرية التي تعبر عنها السينما والدراما وبعض وسائل الاعلام المصرية هي الاستهزاء والازدراء ، سخرية كوميدية تصورهم في أدوار «الصفرجية»،أو البوابين، ولعل شخصية عم سيد البواب هي الراسخة في السينما. فالسخرية من السودانيين ليست كوميديا مُضحكة، بل هي أمر مُشين لتاريخ مصر السينمائي، ولتاريخ العلاقة بين المصريين والسودانيين. صور سالبة عن السودان وإنسانه في مخيلة بعض الإعلاميين والمثقفين المصريين لم تفلح عقود من «نيرفانا» الحب لمصر وأهلها في تغييرها، مما يؤشر على وجود حالة من الارتباك المعنوي لدى هؤلاء الإخوة تجاه السودان والشخصية السودانية ، وهو ارتباك يصنف في مربع الاستعلاء والفوقية التي تجاوزها الزمن بكل متغيراته ،الا من عقول انقطع عنها تيار المعرفة والإدراك. وآخر حملة مصرية تجاه السودان عكست هذه الروح المصنوعة أحيانا من أنظمة الحكم وأبواقه من الاعلاميين عندما استضاف استاد المريخ مباراة منتخبي مصر والجزائر في العام 2009،وما تبعها من أحداث،ورغم حسن الضيافة والاحترام لكن الاعلام المصري حمل السودان مسؤولية ما جرى،وصور الخرطوم كأنها غابة يأكل فيها القوي الضعيف،وحول الأمر الى كوميديا سوداء،وبدلا عن شكر الشعب السوداني صار مدانا مذموما في اعلامهم. وتحدثت أنه خلافا لتلك الصور المضللة ،بدت صورة جديدة يروي فصولها مسلسل «الخواجة عبدالقادر»، الذي ألقى الضوء على الأبعاد الإنسانية للحياة في السودان لذا احتفى به الإعلام والشعب السواني لأنه أنصفهم. الأمر الآخر ظل السودان ولا يزال ملفاً أمنياً في مصر الدولة والمؤسسات الرسمية،ورغم ذهاب نظام مبارك وصعود مرسي لم يتغير الحال كثيراً ولم تشهد العلاقات تحولاً كبيراً، وانما شهدت تغييراً محدوداً. تعقيدات الأوضاع في البلدين والمناخ الاقليمي والدولي لا تدعو الى الاسراف في التفاؤل بنقلة جبارة في مسار العلاقات بين الخرطوموالقاهرة على الرغم من ان التحديات التي تجابه الدولتين تفرض عليهما الاقتراب من بعضهما،كما أن التقارب الأيدلوجي للنظامين ليس كافياً وحده في صنع علاقات آمنة ومستقرة. ما يؤدي الى استقرار العلاقات السودانية المصرية هو بناء شبكة مصالح ،وتشابك المنظمات الأهلية والمدنية وقوى المجتمع المدني في البلدين،تتجاوز الأطر الرسمية التي تكون عرضة للتقلبات السياسية،وستكون العواطف التاريخية والصلات الاجتماعية داعماً ورصيداً للعلاقات وليس رافعة لها. ثمة حاجة إلى حوار صريح وشفاف بين الإعلاميين والمثقفين في السودان ومصر بصدق يدرك أبعاد الشخصية السودانية حرصا على وئام حقيقي وصادق، يساهم في تعزيز الإدراك المشترك بين الشعبين وصد أبواب الاستهتار الذي يتسم بجهالة لا تليق بقادة الرأي العام . حوار يتيح الفرصة لوسائل الإعلام في البلدين للإسهام في تقديم صور حقيقية عن واقع الشعبين وقدراتهما الحقيقية، يساعد في إنتاج تقييم حقيقي يعزز فرص التواصل المشترك بين البلدين على أسس من الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة. سنعود للسفارة الجديدة والعمارة والبعثة السودانية في القاهرة، وهل هي مؤهلة للتعبير عن الشخصية السودانية وحماية مصالحه والتواصل مع القوى المصرية الصاعدة بكافة أطيافها؟!.