في أبريل من العام الماضي أمهل وزير العدل محمد بشارة دوسة ، شاغلي المناصب الدستورية والتنفيذية وقيادات الجيش والشرطة شهراً لتقديم إقرارات الذمة، لإدارة مكافحة الفساد الحرام والمشبوه بالخرطوم ،متوعداً المسؤولين بمواجهة عقوبة السجن ستة أشهر أو الغرامة المالية إذا لم يمتثلوا للقرار. وانتهت المهلة ، ولم نسمع من وزارة العدل أن موظفاً أو مسؤولاً قد امتنع عن تقديم الإقرار، لكن بعد صمت طويل أعلن وزير العدل لاحقاً أن هناك تسعة آلاف إقرار ذمة تنتظر فرزها، وعقدت لجنة برئاسة الوزير ، ضمت مدير الشرطة، ورئيس آلية مكافحة الفساد ،ورئيس لجنة الحسبة والمظالم بالبرلمان،والأمن الاقتصادي ،لمناقشة فرز الإقرارات،وذكرت في تلك الفترة عبر هذه المساحة أن المذكورين جميعهم لديهم إقرارات ذمة ، فلا أدري كيف يشاركون في فرز تلك الإقرارات. ولم نسمع من وزير العدل صرفاً أو عدلاً في هذا الشأن طوال الفترة السابقة، حتى أصدر الرئيس عمر البشير أمس الأول، قراراً جمهورياً شكل بموجبه لجنة لفحص إقرارات الذمة لشاغلي المناصب الدستورية، بغرض التثبت من صحتها ورفع تقرير بنتائج الفحص. وشمل تشكيل اللجنة وزير العدل رئيساً ،وعضوية الدكتور حاج آدم حسن الطاهر، والمراجع العام والدكتور الطيب مصطفى أبوقناية، والدكتور المكاشفي الكباشي. القرار الرئاسي سد جزئياً ثغرة في قانون مكافحة الثراء الحرام، فلا يمكن أن تقدم إقرارات للذمة ليراجعها موظفون تابعون لهؤلاء المسؤولين، وكان من الأفضل والأقوم أن تقدم إلى جهة مستقلة لمكافحة الثراء الحرام والمشبوه، كما ينبغي أن تقدم الإقرارات علناً حيث إنها تقدم لجمهور الناخبين باعتبار أن المقصود من إقرارات الذمة الشفافية وليس السرية. لا توجد حكمة من إضفاء السرية ،التي ينص عليها القانون، على البيانات التي تحتويها إقرارات الذمة، بخلاف ما هو معمول به في دول العالم الأخرى، ومن شأن هذه السرية أن تفرغ القانون من الهدف الذي شرع من أجله. وكان الرئيس عمر البشير كسر حاجز السرية المفروضة على إقرارات الذمة ، عندما أعلن خلال لقاء تلفزيوني أملاكه على الهواء مباشرة ،فقال إنه يملك منزلين أحدهما في كافوري بالخرطوم بحري،وآخر في حي الطائف بالخرطوم، وشقة في مجمع النصر في شارع 63 بالعمارات، ومزرعة في مشروع السليت. نرجو أن يقتدي المسؤولون برئيسهم ،وليبادر بذلك أعضاء اللجنة الرئاسية المكلفة بفحص إقرارات الذمة قبل غيرهم، حتى تكون سُنة حسنة ،وقتلاً للشائعات ودحضاً للمعلومات الرائجة عن تضخم أملاك بعض المسؤولين خلال فترة وجيزة بعد تقلدهم مناصب دستورية. فالعبرة ليست بوجود أجهزة وآليات لمكافحة الفساد وإبراء الذمة للمسؤولين وإنما فاعليتها واستقلالها وبعدها عن التأثير والتدخل السياسي،ولذا فالحاجة الى جسم مستقل ضرورة لطمأنة الرأي العام أن هناك آلية قومية ليست ملونة سياسياً،وعلى رأسها شخصيات مستقلة مشهود لها بالنزاهة والاستقامة. وهناك أمر آخر يجب العمل به هو تفعيل «من أين لك هذا»؟ فألسنة المجتمع ومجالسه تتحدث عن من بدت عليهم مظاهر الثراء وتضخم الثروة ،وهذه حالات لا يمكن التعامل معها عبر الوثائق أو تقارير المراجعة،فمن يستغل منصبه ونفوذه يصعب ضبط تجاوزاته. الشعور بأهمية مكافحة الفساد وتحريك الآليات التي تحاربه والتعهد من قيادة الدولة بعدم التستر على المفسدين وألا كبير على القانون خطوة إيجابية نأمل في ترجمتها عملاً وفعلاً.