اللهم اجعل أميرة بارة بوالدتها، واجعل كل المسؤولين بارين بوالديهم، لأن رضاء الله فى رضاء الوالدين، ولئن كانوا من الذين يرضى عنهم الله ليسر لهم، وفتح قلوبهم وانار بصيرتهم والهمهم الصواب لمصلحة هذه البلاد التى شقيت بهم وما فتئت، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أي العمل أحب إلى الله؟» قال: «الصلاة على وقتها» و قلت: «ثم أي؟» قال: «بر الوالدين». قلت: «ثم أي؟» قال: «الجهاد في سبيل الله». نعم ما أعلنت عنه اميرة سبباً لاستقالتها عن كرسى الوزارة يأتى فى مرتبة قبل الجهاد، هذا الكرسى الذى يتصارع حوله المتصارعون ويتقاتل حوله المتقاتلون، هذه القصة على روعتها وغزارة المعانى الروحية وتميزها إلا أنها غير مقنعة البتة، وليست هى السبب، هل حقيقة لم تجد الست الوزيرة من يعتنى بوالدتها لظروفها الصحية؟، هل يعقل هذا؟ الوزيرة المسؤولة عن وزارة يفترض بها العناية بكل المواطنين فى السودان، لا تجد من يعتنى بوالدتها فى غيابها لتأدية عملها بوصفها وزيرة، ليس كمعلمة او كطبيبة، او ست شاى؟ والكثير من المسؤولين يحتفظون فى بيوتهم بالاضافة الى «كشكين» من الحراس وسرية من الأمن و «كتيبة» من السواقين والطباخين والجناينية ووظائف اخرى لا حصر لها، وما بين «4 8» من السيارات الحكومية الفارهة. الم تسمع الوزيرة بذلك المسؤول الانقاذى فى وقت مضى «الآن معارض» الذى يحتفظ بطبيب اسنان الى جواره للعناية بأسنانه كل يوم؟ هل كانت مخاشنات و «هظار» السيد على محمود وزير المالية، من امام البرلمان ومطالبته للوزيرة بالاستقالة رسالة وضوء اخضر من جهة ما، وقد فهمت الوزيرة الرسالة ورتبت للاستقالة بحجة التفرغ للاعتناء بوالدتها المريضة «شفاها الله»، وماذا انت فاعلة ايتها الوزيرة للامهات اللاتى لا يجدن من يرعاهن ويعتنى بهن؟ ماذا بشأن ملايين الامهات اللائى لا يجدن الرعاية الكافية، وقد ظلل الحزن والبؤس حياتهن، لقد تركت الوزيرة مشروعاتها للدعم الاجتماعى وزيادة الاجور فى مهب الريح وتحت رحمة علي محمود ! وقد ماطل الى أن ترجلت الوزيرة طائعة مختارة بعد أن تكاثرت عليها الرماح من كل حدب وصوب، ومن داخل حزبها الذى رشحها للوزارة، لقد اكتفت الوزيرة وتفرغت لرعاية والدتها «وحدها» بعد ان كانت مسؤولة عن رعاية الملايين من الامهات والاسر، وهى بلا شك على اطلاع على الإحصاءات وخريطة توزيع الفقراء فى الولايات، على غير ما هو متوقع، فلم يحتف البعض بالامر من باب ارساء ادب الاستقالة «فى بلاد لا يستقيل فيها المسؤولون والوزراء ولا حتى صغار الموظفين»، ولم يأخذ المؤتمر الوطنى الامر دليلاً على عدم تشبث منسوبيه بالسلطة والكراسى، ولم تدبج المقالات ولا تداولت الاسافير هذا الموضوع على اهميته، لا مبالاة وعدم اكتراث من الذين يهمهم الأمر، وكأنما هى حالة تواطؤ متفق عليها، بين اطراف عديدة لترك الموضوع ينسى بهدوء، فنية الاصلاح رافقت اميرة منذ أن كانت وزيرة للشؤون الاجتماعية فى الولاية، والكل يذكر تلك المعركة التى خاضتها فى المجلس القومى للطفولة والامومة، ولن ينسى أحد معركتها حول تبعية دار المايقوما ومحاولاتها لتحويلها من «بيت للأسرار» الى « دار حقيقية للايتام»، وفى اليوم التالى سعى من سعى الى تجريمها بوفيات اطفال المايقوما التى ربما حدثت عن قصد أو عن سوء الإدارة وبقية القصة معروفة بتهديداتها المبطنة والمعلنة. وأميرة فى الوزارة الاتحادية حاولت الإصلاح، وسعت إلى وضع الأمور فى نصابها التزاماً بالقانون واستهداءً بأخلاقيات ورسالة الصناديق الاجتماعية، ولعل أهم ما سعت اليه هو اصلاح الاوضاع فى صناديق «الزكاة، التأمينات الاجتماعية، التأمين الصحى والمعاشات».. ولكن ورغم انها سلكت منطق «فقه السترة» إلا أنها وجدت ما لا يمكن معالجته بالسترة، وان هى فعلت لأصبح ذلك تستراً، وحاولت الوزيرة تطبيق القانون، فتمسكت بالتحقيق فى المخالفات التى أعلن عنها المراجع العام، واستمعت الى اهل الاختصاص والعاملين ووقفت على تقارير الايرادات والمصروفات، وكونت اللجان لكشف التجاوزات، ولكن هيهات، لقد دخلت أميرة «عش الدبابير»، تلك الصناديق التى استعصت واستعصمت، ويا لهول ما رأت، فما جاء فى تقرير المراجع العام لا يمثل الا النذر اليسير، أما ما يحدث فى صندوق الاستثمار للضمان الاجتماعى فلا يمكن لأسوأ النيات ان تتخيله، أسماء كبيرة وأسماء تعمل مع شخصيات كبيرة، رجال دولة ومن يعملون مع رجال الدولة، قصاصات ورق تأتي من نافذين ونافذتين، نافذة للحزب الذى يحكم ونافذة لحكومته ورجالها، والأسماء معروفة والمخالفات مرصودة، وسيأتى يوم تندمون حيث لا تنفعكم ندامة، وما كان لأحد أن ينتظر من الست الوزيرة أن تصرح بغير تلك الأسباب، وكان الله فى عون الشعب السودانى، وكان الله فى عوننا يا من تخيلنا ان للإصلاح باباً، وأن للفساد رجالاً ونساءً يجاهدون ولا يتهاونون، استقالت الوزيرة فطويت الاوراق ورفعت الاقلام و «نامت اعين الجبناء»، لقد أغلقت استقالة أميرة الباب أمام أية محاولة للإصلاح ومحاربة الفساد حتى تحت بند «فقه السترة»، فمن قصدت أميرة إصلاح حالهم لا يخشون من فضيحة ولا يخشون الله.. اللهم اجعلنا من الذين يبرون بالوالدين.